اعتباراً من اليوم، بات نبيه برّي رئيساً سابقاً لمجلس النواب، وهي لحظةٌ ربما تطمحُ إليها الكثير من الأطراف السياسية، خصوصاً تلك المناوئة لخطّ بري الذي كان يعتبرُ “سداً منيعاً في وجه مشاريعها وقراراتها”.
في منتصف ليل 21 – 22 أيار الجاري، انتهت ولاية مجلس نواب 2018، في حين بدأت مباشرة ولاية المجلس المُنتخب يوم 15 أيار الماضي. ابتداء من اليوم، بات على البرلمان الجديد أن ينصرف لتشكيل إدارته، وأن ينتخب رئيساً له، وأن يكوّن هيئة المكتب الخاص به.
وسط هذه “الديباجة” القانونية، لا تبرزُ إلا معركة انتخاب رئيس لمجلس النواب، وهو المنصب الذي ارتبط باسم نبيه بري طوال 30 عاماً. فبعد الانتخابات، ازدادت “شهية” بعض الأطراف السياسية للانقضاض على برّي وازاحته من درب “الريّاسة”، وهو أمرٌ قد يُسجل بمثابة انتصارٍ لأطراف معارضة عديدة.
بشكل أو بآخر، بات من البديهيات في السياسية اللبنانية أن تكون الغلبة للأقوى، في حين أنّ هناك صورة عميقة متجذرة أساسها أن السياسي العتيق والقوي لا يُهزم، فكيف إذا كان هذا السياسي هو نبيه بري
الذي يعتبرُ أحد أعمدة النظام اللبناني وركناً أساسياً فيه ؟
ورغم أن تلك الصورة هي السائدة والقائمة، إلا أنّ الظواهر التي حصلت خلال الأشهر الـ5 القليلة الماضية، باتت تكشف أنه ما من شيء مستحيل، فالرئيس سعد الحريري علّق عمله السياسي، في حين أن هناك رموزاً سياسية سقطت خلال الانتخابات مثل إيلي الفرزلي وطلال أرسلان. ولكن، السؤال الذي يُطرح باستمرار بعد الاستحقاق النيابي: هل فعلاً سيسقطُ نبيه بري؟ هل سيدخل البرلمان بحصيلة أصواتٍ ضعيفة ؟
ما يتبين حالياً هو أنّ برّي هو المرشح الوحيد للرئاسة، وستكونُ هناك كتلة مضمونة ستصوت له، ويتراوح عددها بين 50 و 55 نائباً. وبحسب الدستور، فإن النصاب المطلوب لجلسة انتخاب رئيس هو 65 نائباً ويفوز في حال حصل على الأغلبية المطلقة، وإلا يتم اللجوء لدورة ثانية وثالثة ويفوز بالغالبية النسبية. ولكن السؤال الأهم الذي يبرز: ماذا لو لم يُنتخب بري رئيساً لمجلس النواب ؟
سياسياً، فإن عدم انتخاب برّي رئيساً لمجلس النواب إنما سيعتبرُ ضربة كبيرة لصالح محور قوى الـ8 من آذار أولاً، وسيعني ضربة كبيرة للنظام اللبناني القائم. وعليه، فإنّ أي خطرٍ على أسهم بري سيكشف عن أن أركان النظام القائم باتوا في خطرٍ كبير، وهو الأمر الذي يؤكد نظرية مفادها أن قوى السلطة الأساسية في لبنان ذاهبة نحو التبديل والتغيير.
كذلك، فإنّ عدم وصول بري إلى رئاسة المجلس بعد 30 عاماً من تولي هذا المنصب، يعني خسارة لقوة تمثيلية وازنة في الدولة اللبنانية، كما يدلّ على أن المشهد سينقلب رأساً على عقب، وستصبح حركة “أمل” التي يرأسها بري مُجردة من قوتها التي كانت تُستمدّ من رئاسة المجلس.
اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى، يسعى المناوئون لبري لإقصائه بعيداً، ومن الممكن أن تطرح بعض الأطراف اسماً من المستقلين لقيادة مجلس النواب، ما يعني وضعَ شخصية شيعية في مواجهة “الثنائي الشيعي” نيابياً وسياسياً. حُكماً، فإن هذا الأمر سيخلق الكثير من البلبلة، وسيؤدي إلى تعطيل المؤسسة الدستورية وسيفرز عن إنقلابٍ كبير. وهنا، فإنّ التعطيل قد يطرأ بقوة بعدما سيجد الثنائي الشيعي بوادر هجمة عليه بدءاً من رئاسة المجلس عبر استهداف بري.
ولهذا، فإنّ “حزب الله” لن يقبل بإزاحة الأخير، ولن يتيح الفرصة لرئاسة المجلس لغير بري إلا إذا قرر الأخير تركها. فبالنسبة للحزب، يعتبرُ بري سنداً سياسياً له داخل الدولة، ووجوده يرسي توازناً لدى الطائفة الشيعية من الناحية التمثيلية. وفي حال غاب بري عن الرئاسة، فإن هناك أطرافاً ستطرح إمكانية تولي نائب من حزب الله الرئاسة، وهو أمرٌ لن يقبل به أي طرفٍ كونه يعني أن الحزب سيكرس فعلاً سيطرته على المجلس النيابي، مع العلم أن القدرة على تحقيق ذلك غير صعبة.
وإنطلاقاً من كل ذلك، فإنّ عدم دخول بري إلى رئاسة المجلس سيعني انكساراً لمعركة “محور الممانعة”، وبالتالي سيؤدي إلى تزعزع القوة التمثيلية لذلك المحور. واستناداً لهذا الأمر، سيكون لعدم وصول بري أثرٌ سلبي على البيئة الشيعية الحاضنة للثنائي، وبالتالي ستكون هناك سيناريوهات غير محسوبة لانقسام سياسي أو شعبي، وبالتالي اندثاراً للوحدة بين “حزب الله” وحركة “أمل”.
عن هذا الأمر، تقول مصادر مقربة من “حزب الله” لـ”لبنان24″ إنّ “وصول بري إلى رئاسة المجلس هو الأولوية، ولا تنازل عن ذلك أبداً، لأن المعركة كبيرة واستهداف بري هو جزء من تلك المعركة ولن يتم السماح له”.
وأوضحت المصادر أن “الرهان على إسقاط بري لن يمرّ”، مشيرة إلى أن “النواب سيختارون، وسيتبين أن هناك من يتمسك ببري لما يمثله من ضمانة سياسية ووطنية”.
بقلم محمد الجنون