لبنان أول جلسة لمجلس النواب… صدمة ما بعدها صدمة

بقلم اندريه قصاص

لم يكن خبر التجديد للرئيس نبيه بري لولاية سابعة لرئاسة مجلس النواب خبرًا جديدًا، إذ كان متوقّعًا، حيث نال وبالدورة الأولى 65 صوتًا، بل الجديد في أول يوم مجلسي بعد الإنتخابات النيابية كان في مكان آخر.

حيث فاز النائب الياس أبو صعب بنيابة الرئاسة في الدورة الثانية بـ 65 صوتًا مقابل 60 صوتًا للنائب غسان سكاف، فيما وجدت ورقتان بيضوان وورقة ملغاة، إذ لم يحصل في الدورة الأولى سوى على 64، فيما نال سكاف 49 صوتا ووجدت 13 ورقة بيضاء وورقتان ملغتان.

أمّا جديد الجديد أننا رأينا صورة مجلسية صادمة، حيث تحولت القاعة العامة إلى ساحة هرج ومرج حول الأوراق الملغاة أولًا، وحول تفسير الدستور ثانيًا، وما سمعناه من كلام شعبوي في ما يتعلق بالدولة المدنية.

وبالعودة إلى نتائج التصويت فإن الفارق بين المرشحين بسيط، وهذا يعني أن العملية الديمقراطية أخذت مجراها الطبيعي، حيث تنافست على هذا المنصب قوتان نيابيتان داخل المجلس الجديد، مع تسجيل تقدّم لمحور “الممانعة”.

حيث كان لكل من كتل “لبنان القوي” و”التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” مع بعض النواب المتماهين مع هذا المحور أرجحية نسبية، في مقابل محور “السيادة” الممثَل بكتل “الجمهورية القوية” و”اللقاء الديمقراطي” و”الكتائب اللبنانية” والنواب التغييرين وعدد من النواب المستقّلين.

في السياسة، يمكن التأسيس على هذه الجلسة لمعرفة الإتجاهات التي ستؤول إليها أحوال البلاد، وما هي مقبلة عليه من إستحقاقات مهمة ومصيرية، وأولها الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة، الذي سيكّلف بتشكيل الحكومة العتيدة، وثانيها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفًا للرئيس ميشال عون بعد خمسة أشهر إبتداء من اليوم.

“الخلطة” الإنتخابية بين ما حصل عليه الرئيس بري من أصوات في الدورة الأولى (65 صوتًا)، وما حصل عليه بو صعب في الدورة الأولى (64 صوتًا)، وفي الدورة الثانية (65 صوتًا) تعني أن لا أكثرية مطلقة ولا أقلية مطلقة، بل هناك أكثريات وأقليات وفق القضايا المطروحة.

فـ”التيار الوطني الحر” من حيث المبدأ، ومن دون الدخول في التكهنات والتفسيرات والإستنتاجات، لم يصوّت للرئيس بري، وهذا ما أعلنه النائب جبران باسيل في نهاية الجلسة، في المقابل فإن أعضاء كتلة “التنمية والتحرير” قد صوتوا لبو صعب، فيما أعضاء “اللقاء الديمقراطي” منحوا الثقة للرئيس بري، فيما حجبوها عن بوصعب، مع الإشارة إلى أن الأوراق البيضاء الـ 13 في الدورة الأولى لإنتخاب نائب رئيس المجلس أصبحت ورقتين في الدورة الثانية.

وهذا يعني في ما يعنيه في القراءة الأولية لهذه العملية الإنتخابية أن محور “الممانعة”، الذي أساسه “حزب الله” وحركة “امل” و”التيار الوطني الحر” هو أشد تماسكًا في الأمور الإستراتيجية أكثر من محور “السيادة” المتمثّل بـ “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الإشتراكي” وحزب “الكتائب” والنواب التغييريين، الذي لا يزال يحتاج إلى المزيد من الخطوات التنسيقية، أقّله بالنسبة إلى القضايا الوطنية الكبرى، والتي يُقال أن لا خلافًا جوهريًا على ما يقارب التسعين في المئة منها.

في قراءة النتائج يمكن الإستنتاج أن فوز كل من الرئيس بري والياس بوصعب والنائب الآن عون أمينا للسر يعني أن الأمور التي تحتاج إلى تصويت الأغلبية النسبية ستميل نتيجتها إلى محور “الممانعة”، ما يؤّشرّ إلى أن العملية الديمقراطية ستتمظهر في الإستحقاقات التي تحتاج إلى أكثرية نسبية على “القطعة”، وهذا يقودنا إلى الإعتقاد أن الحديث عن أكثرية وأقلية لم يعد مجديًا، في الوقت الذي يعيش فيه اللبنانيون أبشع أنواع القهر في حياتهم اليومية، التي أصبحت تعيش على وقع صعود الدولار ومعه إرتفاع أسعار المواد الإستهلاكية الأساسية.

ما شهدناه اليوم على هامش العملية الإنتخابية يمكن التوقف عنده لجهة غياب المرجعية الدستورية والتشريعية النيابية في تفسير الدستور أولًا، ولجهة الفوضى العارمة التي سادت الجلسة ثانيًا، حيث إعتقدنا للوهلة الأولى إن صخب الشارع إنتقل إلى داخل القاعة العامة لمجلس النواب.

فإذا كانت هذه هي البداية فأبشروا ايها اللبنانيون. إنها صدمة ما بعدها صدمة.

اخترنا لك