نكسة أولى للأكثرية وفوز باهت للأقلية

لعلّها أغرب المفارقات التي واكبت الجلسة الأولى لمجلس النواب المنتخب ان تفضي الجلسة الى قلب المعادلة التي طالما فطرت عليها القوى السياسية والكتل النيابية بان الجميع يخرجون رابحين، فاذ هذه المرة، ومع المجلس الجديد، الرابح لا يخرج ظافرا بحق، فيما الخاسر يمنى بالخيبة وهو في موقع اكثري!

والحال ان المعادلة التي افضت اليها جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس شكلت بما لا يقبل جدلا خيبة امل للأكثرية الجديدة، ليس بسبب إعادة انتخاب محسومة للرئيس نبيه بري للمرة السابعة، وانما بسبب خسارتها الموصوفة لمعركة كان يفصلها عن الفوز بها أربعة أصوات فقط لتأتي بالدكتور غسان سكاف نائبا للرئيس، ولكن الخسارة كانت مزدوجة معنويا وعدديا من خلال انتخاب بري بطبيعة الحال والنائب الياس بو صعب نائبا للرئيس، يضاف الى ذلك انتخاب الان عون أمين سر لهيئة مكتب المجلس بما أضفى اللون السياسي الواحد لتحالف 8 آذار القديم – الجديد على مجمل نتائج جلسة الانتخابات.

وبدا واضحا ان الخاصرة الرخوة في واقع الأكثرية الجديدة تجسدت عبر الكتلة التغييرية الناشئة من رحم انتفاضة 17 تشرين بشكل محدد، لان الكتل والقوى الحزبية السيادية على رغم عدم انتظامها في اطار جبهوي واحد اتحدت تلقائيا في التصويت للنائب غسان سكاف لكي تحول دون تقديم الهدية الثانية للأقلية عبر انتخاب بو صعب نائبا للرئيس. ومع ذلك فان كتلة التغييرين لم تلتقط السانحة من خلال خلل في التنسيق جعل تصويتها بالأوراق البيضاء في الدورة الأولى لنائب الرئيس ومن ثم تجيير عدد غير كافٍ لسكاف في الدورة الثانية يوفر الفوز لمنافسه بو صعب بفارق أربعة أصوات كما ساعد بو صعب في الفوز حصوله على دعم عدد من المستقلين لا يقل عن سبعة.

ولكن في المقابل جاء فوز الرئيس بري كما بو صعب مشوبا بكثير من الضعف بما افصح عن تركيبة مختلفة للمجلس لا يمكن الركون فيها الى ما جرى امس كقاعدة ثابتة وهو ما دفع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الى الاعتراف بواقعية ملحوظة باننا لا نملك الأكثرية ولو فزنا. فالرئيس بري حقق عودته السابعة بشق النفس عبر أكثرية الصوت الواحد أي 65 صوتا فقط للمرة الأولى منذ ثلاثين عاما تربع فيها على أكثريات لم تهبط مرة دون سقف الثمانين صوتا الامر الذي ترددت دلالته العاصفة بقوة داخل المجلس وخارجه بما سيترك اثاره حتما على إدارة السنوات الأربع المقبلة من ولاية المجلس المنتخب. اما فوز بو صعب فلم يكن بدوره فوزا براقا بدليل الفارق الضيق الذي حققه مع منافسه النائب الجديد الذي لا يتمتع بشبكة علاقات واسعة كتلك التي يحظى بها بو صعب، ولكنه تمكن في الدورة الثانية من تقليص الفارق بينه وبين بو صعب الى أربعة بما يعني ان ترشحه كاد يحقق وحدة حال الأكثرية الجديدة لولا الثغرات التي تفلت منها فوز بو صعب مع ضرورة اخذ الأصوات التي نالها من مستقلين أيضا في الاعتبار.

الجلسة
اذاً عاد الرئيس بري الى سدة الرئاسة الثانية وفاز عضو تكتل لبنان القوي النائب الياس بوصعب بنيابة الرئاسة في اتفاق بين حركة “امل” و”التيار الوطني الحر” رعاه “حزب الله”. انتُخب بري لولاية سابعة بـ65 صوتا وتم إحصاء 40 ورقة ملغاة منها 19 وضعتها “القوات اللبنانية” تحمل عبارة “الجمهورية القوية”، وأخرى وضعها النواب التغييريون تحمل عبارات “العدالة” لشهداء المرفأ والمودعين وضحايا حرس المجلس. وسجلت ايضا 23 ورقة بيضاء، علما ان بري كان حاول بداية عدم تلاوة ما كتب على الاوراق الملغاة ما دفع النواب الذين وضعوها الى رفع الصوت، فرضخ بري.

وألقى رئيس المجلس كلمة بعد إنتخابه قال فيها “سنلاقي الورقة البيضاء بقلب أبيض، طوينا صفحة الإنتخابات النيابية وفاز من فاز وبعيداً عن إحتساب الأكثرية لهذا الطرف أو ذاك لنكن 128 “نعم” لمجلس نيابي يرسخ مناخات السلم الأهلي والوحدة الوطنية، و128 “لا” لمجلس يعمق الإنقسام بين اللبنانيين ويعيد إنتاج مناخات الإحتراب الداخلي ويوزعهم على محاور الإنقسام الطائفي والمذهبي و 128?نعم” صريحة وقوية ضد أي تفريط بحقوق لبنان السيادية في ثرواته المائية والنفطية”.ودعا الى “الإحتكام للإرادة الوطنية الجامعة المتمثلة بقلق الناس وآلامهم وتطلعاتهم وآمالهم بالقدرة على الإنقاذ والتغيير”، معتبراً أنَّ “أي خطط ووعود وبرامج لا تقدم الحلول للأزمات على إختلافها وكثرتها هو كلام وخطط خارج السياق”.

وخاطب النواب بالقول : “لنكن 128 “نعم” لإنجاز الإستحقاقات الدستورية في موعدها و128 “لا” للفراغ في أي سلطة”. اما في الدورة الاولى لانتخابات نيابة الرئيس فأتت النتيجة كالتالي: 64 صوتا لالياس بو صعب و49 لغسان سكاف و13 ورقة بيضاء وورقتان ملغاتان. وفي الدورة الثانية، آل المنصب الى بوصعب بـ65 صوتا مقابل 60 صوتا لسكاف ورقتين بيضاوين وورقة ملغاة .
وفاز النائب الان عون بمنصب امين السر الماروني لمجلس النواب بـ65 صوتا وهادي أبو الحسن أمينا للسر عن المقعد المخصص عرفاً للموحدين الدروز بالتزكية. وفاز النواب أغوب بقرادونيان وميشال موسى وكريم كبارة في عضوية هيئة مكتب البرلمان بالتزكية.

وقام بري بزيارة قصر بعبدا حيث استقبله الرئيس ميشال عون، وانضم اليهما بوصعب واعضاء هيئة مكتب المجلس، وقال بعد المغادرة ان البحث تطرق الى الاستشارات النيابية الملزمة، ثم دعا النواب الى جلسة الثلثاء المقبل لاختيار رؤساء وأعضاء اللجان النيابية، فيما كانت شرطة المجلس تحتفل في عين التينة بالفوز بالرقص وقرع الطبول.

مواقف
وفيما كشف النائب في كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم ان مجموعة كبيرة من نواب “التيار الوطني الحر” صوتوا للرئيس نبيه بري، حرصت مصادر “التيار الوطني الحر” تكرارا على نفي تصويت نوابه للرئيس بري اذ قالت ان التيار التزم بكامل نوابه الورقة البيضاء في انتخاب رئيس المجلس ولم يصوت لبري رغم كل الشائعات في هذا الصدد. وان الذين صوتوا له من التكتل هم نواب الطاشناق وفريد البستاني. واذ بلغت الاوراق البيضاء 23 فان عدد نواب التيار يبلغ 17.

وبعد انفضاض الجلسة، اكد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ان “موقفنا معروف بالنسبة لانتخابات رئاسة المجلس النيابي وهو أنّنا وضعنا ورقة بيضاء أمّا في ما خصّ نيابة رئاسة المجلس فهذه المعركة مؤجلة منذ 4 سنوات وهكذا حصل اليوم ديموقراطيًّا وهذا يُحمّلنا مسؤولية كبيرة”، وأضاف : “صحيح أن مرشحينا لنيابة الرئاسة وعضوية هيئة المكتب نجحا ولكن هذا لا يعني أنّ الأكثرية معنا والأيام ستبرهن أنّ الأكثرية مفهوم متحرّك ويجب تخفيف الصفقات والتسويات”.

وفيما قال النائب جورج عدوان ان “من يسمّون أنفسهم تغييريين قالوا لنا إنّهم لن يصوّتوا لسكاف في الدورة الأولى ولكن في الدورتين الثانية والثالثة سيصوّتون له”.

غرد النائب راجي السعد : ” في غياب أي منافس للرئيس نبيه بري، خسرنا كسياديين معركة نائب الرئيس بسبب الشرذمة وغياب التنسيق فتحولت أكثريتنا المفترضة أقلية. الدرس الأول: نربح موحدين او نخسر مشرذمين. الدرس الثاني: للمرة الأولى يعمل مجلس النواب ديموقراطيا فاتضحت عورات الولايات الست السابقة: جهل في كيفية تطبيق النظام الداخلي وتغييب الديموقراطية لمصلحة “التوافقات المعلبة”. سنصر على استعادة ديموقراطية مؤسساتنا وحيويتها”.

وقالت النائبة حليمة قعقور ان “النواب التغييريين وعددهم 13 عقدوا اجتماعات عدة قبل الجلسة النيابية للذهاب اليها يداً واحدة لكن التكتل النيابي لم ينته التحضير له بعد واتفقنا على الرسائل التي قمنا بتوجيهها في الجلسة، موضحة ان ” من بين النواب التغييريين كان هناك 7 قرروا الاقتراع لغسان سكاف و6 ضده وأنا من بينهم ولكن في الدورة الثانية اقترعنا جميعنا لسكاف”.

اخترنا لك