بقلم فؤاد بزي
لم ينتظر تلاميذ الصف العاشر في إحدى المدارس الرسمية خروج الناظرة من الصف ليبدؤوا بالتصفيق. الخبر الذي حملته لهم كان «مفرحاً»، فها هي تعلن ومن دون سابق إنذار أن «اليوم» (أول من أمس) هو آخر يوم دراسي لهم. أما الأستاذ، فقد وقف مذهولاً، يستمع إلى القرار ويفكر في ما تبقّى من المنهاج الذي لم يُستكمل.
بلاغ الناظرة يأتي بعد صدور قرار وزير التربية بالموافقة على مقترح صادر عن مديري التعليم الابتدائي والثانوي بتقريب مواعيد الامتحانات النهائية من 20 حزيران المقبل، كما كان مقرّراً في مذكرة صدرت في آذار الماضي، إلى 9 حزيران بناءً على مطالبات مدراء المدارس والثانويات، بشرط «استكمال المناهج المقرّرة والالتزام بحقوق المتعاقدين والعاملين».
وعليه، انتهى العام الدراسي بشكل رسمي هذا الأسبوع في أكثرية المدارس والثانويات الرسمية بمفاجأة وقعت على الأساتذة والتلاميذ، تقرّر فيها إجراء امتحانات نهاية العام الأسبوع المقبل، من دون الأخذ في الحسبان النقطة الأهمّ في قرار الوزير: استكمال المناهج، ولا سيّما في القطاع الرسمي الذي أنهكته الإضرابات والإقفالات القسرية التي وصل مجموعها إلى حوالى الأربعين يوماً، يُضاف إليها تأخير انطلاق العام الدراسي حتى شهر تشرين الثاني 2021 ما وضع التحصيل العلمي للتلامذة على المحك.
كلّ ما يُقال عن تعويض في الدروس، لم يجرِ في غالبية هذه المدارس والثانويات إلا لصفوف الشهادات الرسمية. أمّا بالنسبة إلى الصفوف العادية فكان الاتفاق الضمني بين الأساتذة على «تعليم الأهداف في بداية السّنة الدراسية المقبلة» حسب ما يقول ماهر، أستاذ تعليم ثانوي، وهذا الأمر انسحب على الكثير من المدارس والثانويات في المناطق المختلفة.
خطط يومية
في بداية العام الدراسي، وضع الأساتذة خططاً تعليميّة تستند إلى أمرين: الأول وضع المتعلّمين على أرض الواقع، والثاني قرارات وزير التربية القائمة على التعليم لـ24 أسبوعاً مقسّمة على الشكل التالي: 3 أسابيع مراجعة، 3 أسابيع مخصّصة للامتحانات و18 أسبوع تعليم. هذه الأخيرة لم تتجاوز في أحسن الأحوال العشرة، واختلفت أيام التعليم الفعلي بين مدرسة رسمية وأخرى لعوامل عدّة. والاختلافات كانت نافرة أكثر بالنسبة للأساتذة الذين خرقوا الإضرابات وقاموا بالتدريس باستخدام التعليم من بعد كوسيلة، فوجد زملاؤهم أنفسهم اليوم «آكلين الضرب» وفق ملاك، أستاذة تعليم ثانوي في الجنوب، التزمت بالإضرابات على أمل أن تكون وسيلة ضغط لتحصيل حقوقها، فوجدت نفسها اليوم ملاحقة من قبل إدارتها لإنهاء الدروس في حين أنهى زملاؤها المناهج لعدم التزامهم بأيام الإضراب.
«غيّرنا مخطط التدريس أكثر من ثلاث مرات هذه السّنة وآخرها من أسبوعين حيث كانت الأخيرة تقتضي بالوصول إلى 17 حزيران كآخر يوم تعليم» تقول أستاذة ومنسّقة مادة الأدب العربي في ثانوية رسمية. وتضيف بأنّ «التعديل الأخير لم يأخذ في الحسبان المهلة الضرورية بين إنجاز المطلوب في المنهج وبين انطلاق الامتحانات النهائية ما سيضع التلامذة تحت ضغط إجراء الاختبارات خلال وقت قصير لا يكفي للمذاكرة». وتُشير إلى أنّ «الأساتذة وُضعوا تحت ضغوط لا يمكن احتمالها، فالخطط التعليمية تحوّلت من سنويّة إلى يوميّة بسبب الظروف الراهنة».
بالإضافة إلى ما سبق قام عدد من الأساتذة بـ«مراهنات»، حسب تعبير ملاك، إذ علّموا بناءً على التقليصات الجديدة للمناهج قبل صدورها فـ«نقشت معهم» واستطاعوا التقليل من الخسائر سيّما أنّ الوزارة تأخرت كثيراً في الإعلان عن التقليصات ما وضع الأساتذة في حرج شديد.
نصف الراتب في خطر
يرى أحد المطّلعين على مسار الأمور في رابطة التعليم الثانوي في قرار إنهاء العام الدراسي المفاجئ «شرّاً لا بدّ منه، فالأساتذة لم يعد باستطاعتهم الوصول إلى المدارس، وكذلك التلامذة، بالإضافة إلى الموازنات التشغيلية التي ترهق الإدارات دون القدرة على تأمينها والأسبوعين الإضافيّين لن يغنوا عن كلّ ما مضى». فـ«الكلّ منهك ويريد الخلاص» والتأجيل للعام الدراسي القادم. ويضيف «حتى وزير التربية ضحّى بالأهداف التعليمية بسبب عدم قدرته على تأمين حقوق الأساتذة من بدلات نقل لم تُقبض منذ بداية العام الجاري حتى اليوم». وحتى نصف الراتب الذي أقرّته الحكومة في خطر ولن يُصرف خلال فترة الصيف كما علمت «الأخبار» من بعض الحاضرين في اجتماع روابط التعليم الأخير مع وزير التربية كونه مشروط بالحضور في مراكز العمل! وهنا ينفع التذكير أنّ لا 90$ (الحوافز الاجتماعية) بعد اليوم، وراتب أشهر الصيف لن يكون سوى الأساس فقط.
تأنيب الأساتذة!
تسير وزارة التربية اليوم نحو تسجيل إنجاز «كيف ما كان» اسمه الامتحانات الرسمية، وتستخدم في سبيل هذا كلّ وسائل الترهيب مع أساتذتها التي وصلت إلى حد «إصدار تأنيب» بحق الأستاذة نهاد التنّ، لأنها لم تستطع الوصول العام الماضي إلى مركز الامتحانات الرسمية للمراقبة بسبب أزمة البنزين. التنّ، التي فوجئت بقرار التأنيب يصلها بعد عام تقريباً على تغيّبها عن مراقبة امتحانات العام الماضي، تؤكد أنها لم تكن قادرة على تعبئة خزان سيارتها بالوقود، بسبب أزمة الطوابير، كما أنه لم يكن في حوزتها بدل أجرة الطريق الطويلة التي ناهزت الأربعمئة ألف ليرة يومياً ذهاباً وإياباً لمدة ثلاثة أيام.
فهل يشكل هذا التأنيب رسالة إلى الأساتذة المتردّدين اليوم في المشاركة بالامتحانات تحت طائلة البنود العقابية؟