بقلم سمير سكاف – رئيس جمعية غرين غلوب – العضو المراقب في الأمم المتحدة للبيئة
كارثة بيئية تصيب بيروت منذ سنوات. ومنذ سنوات طويلة نناضل لوقف الروائح الكريهة وابعادها عن مطار رفيق الحريري الدولي وعن بيروت. في حين أن السيّاح والمسافرين، والكثير من أفراد عائلاتنا والأقارب يعبرون دائماً عن قرفهم من الروائح الكريهة التي تستقبلتهم على البوابة الرئيسية للبنان خلال زيارتهم له في الأعياد أو في الصيف، وفي كل حين. وقد أصبح من الضروري والملّح التصدي لهذه الكارثة البيئية والسياحية والصحية في آن. وأنا أقوم هنا بتحديث المقال الذي كنت نشرته في 5 أيلول 2019. وألاحظ أن الوضع يزداد سوءاً!
قد يكون الأهم والأسهل اليوم هو منع مصادر الروائح الكريهة التي يمكنها ان تصيب مطار رفيق الحريري الدولي في المستقبل القريب عبر وقف انشاء معمل الكومبوستينغ الذي يشيد في مكان ملاصق لمدرج مطار رفيق الحريري الدولي. هذا المعمل سوف يزيد الروائح الكريهة على مطار رفيق الحريري الدولي عشرات الاضعاف. ولا يمكن لعاقل القبول بذلك. ويمكن تحويل المبنى الذي يتم تشييده إلى مبنى إداري. وقلت يومها إنه اذ لا يليق باسم الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن يحمل عبء وتبعات هذه الروائح الكريهة، وبالتالي انشاء معمل الكومبوستينغ في هذا المكان. بل يجب نقله إلى مكان بعيد عن المطار وعن البحر وعن المنازل.
سبعة مصادر مباشرة على الأقل هي اساس الروائح الكريهة التي تصيب مطار رفيق الحريري الدولي. وأبرزها التالي :
المصدر الأول هو نهر الغدير الذي يصب تحت مطار رفيق الحريري الدولي مباشرة، وقد صار منذ سنوات مجروراً عملاقاً. والحل هنا هو في معالجته وإعادة تأهيله، وبتحويل مصبات الصرف الصحي عنه، وبمنع رمي مختلف أنواع النفايات فيه، من نفايات المسالخ والمزارع والنفايات الصناعية والنفايات المنزلية القريبة.
المصدر الثاني، وهو مكمّل للأول، وهو في عدم وجود محطة للصرف الصحي عاملة في بيروت (ووجود محطة الغدير للصرف الصحي المعطلة)، ومصبات المجارير الظاهرة للعين في عدة نقاط على شاطئ البحر في بيروت، بينها تحت الجامعة الأميركية وعلى الرملة البيضا… والحل هو بإنشاء سريع لمحطة صرف صحي في منطقة الغدير تقوم بالتكرير الثالثي Traitement Tertiaire، وليس بزيادة طول القساطل إلى داخل البحر الملوثة لشواطىء بيروت وبحرها!
المصدر الثالث هو نفايات منطقة الليلكي وحي السلم، وهي المنطقة المنسية والمهملة تنموياً! والحل هو في ايلائها الاهتمام اللازم لانمائها، وتجنب للرمي العشوائي لنفاياتها وتجنب حرقها. وذلك، بالإضافة إلى تأهيل شبكات للصرف الصحي فيها تصل إلى المحطة المطلوب إنشاؤها وتتصل بها.
المصدر الرابع (وهو الاكثر تأثيرا على مطار بيروت) هو الروائح الكريهة التي تنبعث من حوالى 15 مزرعة بقر وماشية و15 مسلخاً (ومشاريع دواجن) في محيط مناطق الشويفات وخلده، يشرف معظمها على مطار رفيق الحريري الدولي، ويفصل بينهم وبين المطار، أحياناً، طريق بعرض حوالى 10 أمتار فقط!!! ويمكن رؤية بعض من نفاياتها ومن دماء المسالخ في مجرى نهر الغدير. والغريب أن هذه المزارع التي تضم آلاف رؤوس الماشية مع سوادها الذي يغطي أراضيها، لا جدران لها!! وإن اخف حركة للرياح تنقل روائح روث الماشية إلى المطار وإلى السياح والمسافرين والى كل من يمر بجانب مطار رفيق الحريري الدولي.
إن معاينتنا لهذه المزارع والمسالخ، منذ سنوات، سمحت لنا بتحديد التأثير الكبير لهذه الروائح الكريهة على مطار رفيق الحريري الدولي. وللمفارقة، انه بصورة فوتوغرافية واحدة وعادية يمكن التقاط بمشهد واحد شخص ما مع البقر ومع الطائرات ومع مطار رفيق الحريري الدولي! والحل هنا هو على مرحلتين، الأولى هي برفع الجدران حول المزارع، والثانية هي بنقل المزارع خلال سنتين من محيط المطار إلى مناطق زراعية بعيدة عن الشاطئ.
المصدر الخامس هو مطمر مطار بيروت (ومن غير اللائق هنا تسمية المطار باسمه) المعروف “بالكوستابرافا”. إن حركة النفايات العضوية فيه وإليه تتسبب بالكثير من الروائح الكريهة. كما ان العمل في الوحدتين الأخيرتين فيه اي الثالثة والرابعة وهما الأقرب إلى مدرج المطار يتسبب بالمزيد من هذه الروائح الكريهة.
المصدر السادس هو معمل فرز العمروسية، حيث الفرز به من دون أي فعالية. بالإضافة إلى استقباله لمعظم نفايات المسالخ القريبة منه، والتي يجب معالجتها بشكل منفصل. ان حركة النفايات العضوية منه وفيه وإليه تتسبب بروائح كريهة كبيرة. والحل هو بتخفيض حجم تدفق النفايات العضوية إليه تخفيضا جديا (طرحنا أسسه في خطتنا المقدمة لإدارة النفايات في لبنان).
المصدر السابع هو معملان لتصنيع الزفت قريبين من مطار رفيق الحريري الدولي. وخلال معاينتنا لهاتين الزفاتتين يومها اشتكى الكثير من الأهالي من روائحها ومن الغيوم السوداء التي تبثها وترتفع بين حين وآخر منهما، في حين قال المشرفان عليهما إنهما مجهزتان بالفلاتر! وقد كانت الاتهامات متبادلة بين إدارة المزارع والمسالخ من جهة وبين إدارات المعملين حول من هي الجهة الاكثر إنتاجها للروائح الكريهة!!!
مصادر إضافية للروائح الكريهة تصيب بيروت من الجهة الشرقية، وهي تصيب ليس فقط ساحل المتن بل تصل إلى المدن المرتفعة مثل عين سعادة وبيت مري. وهذه الروائح الكريهة متأتية من مصبات المجارير على البحر في ساحل المتن، ومن مطمري برج حمود والجديدة – البوشرية، وهذا الأخير مستمر في التمدد وفي الارتفاع، ومن حركة النفايات العضوية فيها واليها، ومن معمل فرز الكرنتينا غير الفعال ومن معمل الكومبوستينغ في الكورال الذي لا نفع لعملية التخمير فيه (والمعملان تضررا كثيراً بتفجير المرفأ. وسيتم إعادة تأهيلهما قريباً!)، إذ بعد بث المعملين للروائح الشديدة يذهب كل ما يخرج منهما إلى الطمر! لبنان يتكلف عشرات ملايين الدولارات من أجل “كزدرة” نفاياته قبل طمرها بالكامل! أي يدفع كلفة المعالجة مرات عدة من دون أي معالجة حقيقية!
أن جميع معامل الفرز والكومبوستينغ تحتاج إلى وسائل معالجة متطورة للروائح الكريهة الصادرة عنها مثل تركيب بايوفيلتر فعال بشكل أساسي، والى حلول أخرى باستعمال تقنية الكلس التي تمتص عصارة النفايات وقسما من الروائح المنبعثة منها… وإذ يدّعي البعض تركيب أفضل البايوفيلترز، إلا أن الروائح على الطرقات الرئيسية في بيروت وفي مدن ساحل المتن وفي محيط هذه المعامل لا تطاق. كل ذلك، من دون ذكر عملية حرق النفايات داخل المطامر، والتي تتم في الغالب ليلا، تحت جناح الظلام!
وما لاحظناه من معاينتنا لجميع المواقع المذكورة آنذاك (ولم يتغير شيئاً منذ ذلك الحين) والتي قمنا خلالها بتصوير كل شيء فيها، هو حالة تعجب كل المالكين والمدراء والمشرفين والعاملين في هذه الأمكنة من ذكرنا لوجود الروائح الكريهة فيها! فحاسة الشم عندهم معدومة!
إن تخفيف هذه الروائح الكريهة ممكن على مراحل. ولكن خطوات الحلول تأخرت جدا. وقد آن الأوان لإطلاق فعلي لحملة وقف نهائي لهذه الروائح الكريهة. بيروت ترحب بكم!