موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف الخميس المقبل
بدا في حكم المؤكد، ولو قبل ستة أيام من موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف الخميس المقبل في قصر بعبدا، ان هذا الاستحقاق يواجه تعقيدات سياسية ونيابية ليست عادية هذه المرة، ظاهرها يتصل بالتركيبة الجديدة لمجلس النواب وباطنها يتصل بكون أي حكومة جديدة اذا قيض لها ان ترى النور يمكن ان تشكل السلطة التنفيذية الانتقالية الى فراغ رئاسي محتمل وتسد هذا الفراغ لاحقا.
وقد بات واضحاً من بعض ما يتسرب من كواليس اللقاءات والمشاورات الجارية بين عدد من القوى السياسية والكتل النيابية ان “خميس الاستشارات” لن تسبقه هذه المرة تزكية مسبقة لاسم الرئيس المكلف، ولو ظل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الاسم المتقدم في فرصه على أسماء “منافسيه” المجهولين حتى الان في مبارزة ستشهد تعددية مرشحين بما يعكس تعذر قيام كتلة نيابية تقف وراء مرشح واحد الامر الذي سيشرذم خيارات النواب وياتي بالرئيس المكلف باقلية مرجحة اسوة بما حصل في انتخابات رئاسة المجلس مع فارق أساسي هو أحادية المرشح لرئاسة المجلس فيما الترشيح بالاستشارات لرئاسة الحكومة سيكون تعددياً.
وفي اطار اللقاءات التحضيرية لتنسيق المواقف وعرض الاحتمالات من استحقاق التكليف والتأليف، التقى امس رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة عضوي “اللقاء الديموقراطي” النائبين وائل أبو فاعور وأكرم شهيب اللذين باشرا تحركا بتفويض من “اللقاء” ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بدءا من معراب للتنسيق حول هذا الاستحقاق. كما بدا لافتاً “ظهور” الرئيس السابق للحكومة حسان دياب في عين التينة امس .
الشروط
وفي المعطيات المتوافرة حول تعقيدات التكليف، يأتي في المقام الأول الصراع الناشب بين “التيار الوطني الحر” والرئيس ميقاتي بسبب ما يوصف بالشروط التعجيزية التي يطرحها رئيس التيار النائب جبران باسيل للدخول الى الحكومة الجديدة والموافقة على إعادة تكليف ميقاتي تشكيلها. وتفيد معلومات ان من الاشتراطات التي يطرحها باسيل ان يتمثل “التيار” بثلاث حقائب وزارية رئيسية، هي وزارات الخارجية والطاقة والبيئة. وان ميقاتي أقفل الباب على اي تفاوض في هذا الشأن.
وتقول مصادره انه ليس في وارد الخضوع لأي نوع من الشروط وليس في وارد القبول بأي تسميات او فرض شروط عليه، كما انه ليس في وارد ولا يقبل بفرض أي شرط على الآخرين فهو لن يقبل بأن يفرض أي فريق شروطه عليه، وذلك في حال اختاره المجلس النيابي في الاستشارات المقبلة وتمت تسميته من قبل الكتل النيابية. وترى المصادر ان هناك مجموعة من المقومات لانجاح مهمته تتعلق بالمضي في تطبيق الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي واقرار ما هو مطلوب من مشاريع قوانين اصلاحية في مجلس النواب. وفي رأي هذه المصادر ان هذه هي مقومات نجاح الحكومة وليست شروطاً، ولذلك فهو لن يدخل في بازار التسويات والشروط مع احد. وثمة انطباعات بان الموقف المتصلب لميقاتي يعزى الى انه يرتكز على دعم داخلي وخارجي، فرنسي تحديداً يجيز له وضع سقف لأي تفاوض يخرج عن حده.
المعارضة
اما التعقيد الاخر الذي لا يقل تأثيراً على مجريات استحقاق التكليف والتاليف فيرتبط بتشتت مواقف الكتل المعارضة بتلاوينها السيادية والتغييرية والمستقلة بحيث لم تنجح بعد كل المحاولات التي بذلت لتجنب استعادة مشهد تشتت هذه القوى في جلسات انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب الجلس واللجان النيابية . وابرز ما تحقق حتى الان، وربما هي الخطوة العملية الوحيدة البارزة يتمثل في الاتفاق بين كتلتي “اللقاء الديموقراطي” و”القوات اللبنانية ” فيما لا تزال محاولات توحيد مواقف الكتل الأخرى في نقطة الصفر.
وإذ يبدو واضحا ان العقبة الأساسية التي تحول دون توحد هذه الكتل وراء ترشيح رئيس مكلف واحد تعود بنسبة كبيرة جدا الى “النواب التغييريين”، فان هؤلاء لم ينجحوا بعد في ان يتفقوا في ما بينهم على ترشيح اسم واحد للتكليف.
كما ان اعلان برنامج الاستشارات بأسماء “التغييريين” منفردين وليس ضمن تكتل واحد اثار الكثير من اللغط حول تلاشي تاثيرهم في الاستحقاق الامر الذي دفع عددا منهم الى السعي الى إعادة تصويب هذا التشتت. وتفيد المعطيات ان “التغييريين” يتجهون الى الذهاب الى الاستشارات بوفد مشترك وسيعقدون اجتماعا مطلع الأسبوع المقبل لحسم هذه المسالة، وابلاغ المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، بانهم سيشاركون عبر وفد واحد. وثمة توجه عند هؤلاء النواب الى التوصل الى تسمية شخصية واحدة ليكون لهم رأيهم في الحكومة المقبلة او معارضتها.
ويقوم نواب منهم باجراء اتصالات مفتوحة مع عدد من النواب المستقلين من بينهم اسامة سعد وعبد الرحمن البزري وغيرهما الى كتلة نواب الكتائب .
وفي المواقف من الاستحقاق الحكومي جدد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل خلال لقائه السفيرة الفرنسية آن غريو تأكيد “ضرورة تشكيل حكومة في اسرع وقت، تفرمل الانهيار وتشرع في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة ومواكبة الاستحقاقات المفصلية المقبلة على لبنان على ان يكون على رأسها شخصية مستقلة عن المنظومة، مُلمًّة بالواقع المالي والاقتصادي، وتملك رؤية للحل”. كما أكد “ضرورة الاستفادة من الديناميكية الجديدة التي انتجتها الانتخابات النيابية في البرلمان لامرار القوانين المطلوبة في اسرع وقت بعيداً عن التسويات التي كانت سائدة”.
من جانبه، أشار عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب فادي كرم إلى أن “التكتل لم يحسم بعد اسم مرشحه لرئاسة الحكومة إنما الموضوع لا يزال قيد النقاش”، لافتاً إلى أن “الباب مفتوح للتفاهم مع الكتل الأخرى لا سيما النواب التغييريين والمستقلين للاتفاق على شخصية قادرة على تأليف حكومة”. ونفى الكلام عن تسريب أصوات من “القوات” لصالح ميقاتي مؤكداً أن “أصوات القوات تصبّ في مكان واحد ومحدّد”.
المؤبد لمرعي وعنيسي
واما التطور القضائي البارز الذي خرق مجمل المشهد السياسي امس ولو ان مضمونه لم يكن مفاجئا فتمثل في فرض غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بالإجماع على كلّ من حسن مرعي وحسين عنيسي عقوبة السجن المؤبد خمس مرات لإدانتهما في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وأشارت المحكمة إلى أنّ “هذه العقوبة هي أشد العقوبات المنصوص عليها في النظام الأساسي والقواعد، وذلك عن كل جريمة من الجرائم الخمس التي أُدينا بها، وقررت أن تُنفَّذ العقوبات في الوقت ذاته”.
ودعا المدعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان نورمان فاريل “من يحمون المتهمين الثلاثة إلى تسليمهم للمحكمة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ أي خطوات متاحة للمساعدة في اعتقالهم”. وقال فاريل: “شهدنا اليوم استكمال هذه الإجراءات بحق المتهمين سليم جميل عياش حسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي الثلاثة بسبب أعمالهم الشنيعة في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، والتي تسببت بألم ومعاناة لا تصدق للعديد من الضحايا وعائلاتهم. لقد فشلت جهودهم لخداع الجمهور وحماية أنفسهم من العدالة والبقاء غير خاضعين للمساءلة. لقد حكم عليهم اليوم بسبب جرائمهم”.
وأضاف: “يجب أن نتذكر أن هذه ليست الخطوة الأخيرة نحو المساءلة. العدالة تطالب بالقبض عليهم. وأدعو أولئك الذين يحمون المتهمين الثلاثة من العدالة إلى تسليمهم إلى المحكمة الخاصة بلبنان، كما أدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ أي خطوات متاحة للمساعدة في اعتقالهم”.
واستتبع هذا التطور بموقف لرئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الذي اعتبر في تعليقه على الحكم الجديد ان “العقوبة هي الأشد المنصوص عليها في النظام الأساسي والقواعد المعتمدة في المحكمة، لكنها الاوضح لجهة ادانة “حزب الله” كجهة مسؤولة عن تنظيم الجريمة وتنفيذها والجهة التي لا يمكن ان تتهرب من مسؤولية تسليم المدانين وتنفيذ العقوبة بحقهم. فالتاريخ لن يرحم”.
تجدر الإشارة أخيرا الى ان المهلة القانونية لتقديم الطعون أمام المجلس الدستوري في الانتخابات النيابية الأخيرة قد انتهت منتصف الليل الفائت وبلغ عدد الطعون المقدمة إلى المجلس الدستوري 15 طعنا من مختلف المناطق اللبنانية .