لا أريد رئيسًا قويًّا ولا حكومة وحدة وطنيّة

بقلم عقل العويط

سمعتُ أحدهم لا يزال يطالب، على رغم مصائبنا كلّها في هذا الوقت الهمجيّ الأرعن، بـ”حكومة وحدة وطنيّة”، ويطالب أيضًا بـ”رئيسٍ قويّ”، معدّدًا الأسباب التي تملي مثل هذه الخيارات، ومنها الظروف الراهنة الخطيرة، والتحدّيات الوجوديّة والمعيشيّة والمجتمعيّة والاقتصاديّة والأمنيّة والحربيّة التي يواجهها لبنان وشعبه.

لا فُضَّ فو هذا الـ”أحدهم”. لا فُضَّ فوه.

بالفم الملآن الصريح، غير القابل بالمداهنة والمكاذبة والتكاذب والتخابث والخبثنة والتماكر والمكر : لا أريد حكومة وحدة وطنيّة ولا رئيسًا قويًّا. ولو كنتُ أملك سلطة الرشق بـ”الحرم” الدستوريّ والقانونيّ والميثاقيّ (و… الدينيّ طبعًا) وبما يوزايه من “تكفيرٍ” (دينيٍّ طبعًا)، لرشقتُ بالحرم وبالتكفير، كلّ مَن يدعو إلى هاتين الكذبتَين، وكلّ مَن يشارك فيهما، أيًّا تكن أحوال الجمهوريّة، وأحوال عبيدها (لا عِبادها)، وأيًّا ما ستؤول إليه هذه الأحوال، ممّا لا يتصوّره عقلٌ جهنميٌّ قياميٌّ ولا خيالٌ أبوكاليبتيّ.

كلّ مَن يدعو إلى ذلك هو في أعماق أعماقه (الواعية واللّاواعية)، إمّا غافلٌ ساذجٌ وبسيطٌ، وإمّا ماكرٌ وكاذبٌ وسافلٌ ومتواطئٌ وحقيرٌ وذمّيٌّ ومجرمٌ وخائنٌ، في المعنى الإنسانيّ والسياسيّ والوطنيّ. وأنا من الذين يقولون بأنّه ليس غافلًا ولا ساذجًا ولا بسيطًا ولا طيّبَ القلب ولا أبلهَ ولا مسطولًا.

لماذا؟ لأنّ حكومة الوحدة الوطنيّة ليس فيها من الوحدة الوطنيّة شيءٌ يُذكر. معناها الحقيقيّ الواحد الوحيد: حكومة الكذبة الوطنيّة. وأستعيض عن كلمة الكذبة بكلمة الخيانة.

ولأنّ الرئيس القويّ هو ضعيفٌ مطلقًا، لأنّه يتسلّح بالقوّة، بقوّة ما: قوّة العنف أو قوّة الطائفة أو قوّة العدد أو قوّة المال أو قوّة آخر أو قوّة غريب.

وهو قد يكون قويًّا بكلّ هذه “الملكات” و”المواهب” (الفذّة)، ولا يكون قويًّا بالحكمة والعقل والتعقّل والتبصّر والبصيرة والرحابة والحلم والرؤيا. ألا يكون، والحال هذه، رئيسًا للفرقة والتفرقة والعماء والتعمية والترهيب والسلب والاستيلاء والتفكيك، وليس رئيسًا للوحدة؟!

ثمّ إنّ حكومة الوحدة الوطنيّة تكون برئيسٍ للحكومة يتمتّع بأخلاقيّات الوحدة الوطنيّة، ومناقبيّاتها، لا بتبويس اللحى، ولا بغضّ النظر عن مآسي الناس، ولا بتسيير شؤون الإفقار والتجويع والنهب والمحاصصة والمراعاة، ولا تشوب سمعته شبهةٌ من الشبهات، ولا صفقةٌ من الصفقات.

ثمّ إنّ البلاد جرّبت (ولا تزال حتّى اللحظة تحت هذا النوع من التجريب) حكومات الوحدة الوطنيّة والرؤساء الأقوياء، وحصدت من الأهوال والمآسي والكوارث ما لا يستطيع قلمٌ وصفه.

أعرف أنّ ما أدعو إليه، وما أنبّه منه، لن يلتفت إليه أحدٌ من “الأقوياء” ومن تابعي “الأقوياء”، ولا أحدٌ من دعاة حكومات الكذبة الوطنيّة التي جعلتنا في أسفل سافلين.

لكنّي أعرف تمامًا أنّ ثمّة قوًى متنوّعة، طليعيّةً وحيّةً ومتمرّدةً وخلّاقةً (ونقيّة) يمكنها أنْ تتشارك (أو تنخرط) في مشروعٍ رؤيويٍّ – عملانيّ فاعل (داخل مجلس النوّاب وفي المكوّنات الحيّة للمجتمع وفي الشارع)، هدفه منع الإيغال في هذا الاستهتار الماجن، وبلورة احتمالاتٍ حكوميّة ورئاسيّة، سياسيّة ووطنيّة، قد تفضي إلى فتح ثغرة في الجدار المسدود، وليس في الضرورة أنْ تكون احتمالاتها كلّها سلبيّة.

… هذا الذي سمعتُهُ يطالب بحكومة الوحدة الوطنية وبالرئيس القويّ، أنا ضدّ رأيه.

اخترنا لك