بقلم حسين بيضون
لم تغِب الرسائل السياسية عن معايدات المسؤولين اللبنانيين بمناسبة عيد الأضحى، غداً السبت، والذي سيُرجِئ تبعاً للأجواء الخلافية النقاشات الحكومية إلى ما بعد عطلتهِ قبل استئنافِ اللقاءات علَّها تثمر تشكيل حكومة جديدة يترقبها المجتمع الدولي ويكرِّر دعوته إلى تأليفها سريعاً لبدءِ مسار الإصلاحات الذي يعدّ شرطاً أساسياً لتقديم الدعم المالي الخارجي المباشر للدولة كما واستكمال الملفات العالقة، على رأسها الاقتصادية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتلك المتصلة بترسيم الحدود البحرية جنوباً.
في هذا السياق، يؤكد مصدرٌ في قصر بعبدا الجمهوري، اليوم الجمعة، لـ”العربي الجديد”، أن لا موعد مُحدَّداً للقاءٍ بين الرئيس ميشال عون والرئيس المُكلَّف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، ومن المتوقع أن يحصل الأسبوع المقبل بعد عطلة الأعياد التي تستمرّ حتى يوم الأربعاء المقبل إلا في حال طرأ تطوّر إيجابي أو تقدّم من شأنه أن يقرّبَ الموعد.
وعقد الرئيسان آخر اجتماع لهما في الأول من يوليو/تموز الجاري على أساس أن يعقد لقاء آخر مع بداية الأسبوع الذي يليه لاستكمال البحث والتشاور بعدما قدّم ميقاتي تشكيلته الوزارية للرئيس عون في 29 يونيو/حزيران الماضي وتداولا صيغتها، بيد أن اللقاء لم يحصل بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة في ظل عدم التوافق بعد على شكلٍ موحَّدٍ.
ويقول النائب غسان عطالله (ينتمي إلى التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل)، لـ”العربي الجديد”، إن “رئيس الوزراء المُكلَّف اعتقد أنه قدّم عرضاً يحرج فيه الجميع وهو غير قابل للتطبيق، فهو من جهة كُلِّف بتشكيل الحكومة ومن ثم أزالَ عنه همّ التأليف”.
ويضيف: “باعتقاد ميقاتي أن حكومة تصريف الأعمال إذا حملت فوق طاقتها بأمورٍ مصيرية في ما خصّ البلد يتهرّب عندها ويقول إننا بمرحلة تصريف أعمال لا يمكن فيها اتخاذ قرارات كبيرة، وبالتالي ينتفي الإنجاز وتضيع فترة الأربعة أشهر المتبقية من دون اتخاذ موقف واضح”.
ويلفت إلى أنه “من الواضح، وفق الطريقة التي قدّم فيها ميقاتي التشكيلة الوزارية، أن النية لديه بأخذ التكليف وعدم التأليف، ولا أعتقد أن تغيير وزير أو وزيرين بالظرف الراهن إنجاز عظيم لرئيس حكومة جاء بعد انتخابات نيابية لم يأخذ بنتائجها، في حين أن الأمور المصيرية الراهنة تحتاج لحكومة أصيلة مكتملة تتخذ مواقف أساسية حاسمة”.
وفي وقتٍ نفى فيه عطالله علمه بنية وزراء محسوبين على التيار تقديم استقالتهم من حكومة تصريف الأعمال من بوابة الضغط على ميقاتي وإفقاد حكومته الميثاقية المسيحية، اعتبر أنه من “السهل جداً تأليف حكومة في لبنان، فالعملية تتم بالتشاور بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، وعندما يقرّر ميقاتي الجلوس مع الرئيس عون والاستماع إلى هواجسه ليتمكن من تشكيل حكومة عندها تتألف”، لافتاً إلى أن “الأمور عالقة عند المعايير التي يتبعها ميقاتي لتشكيل الحكومة وليست مرتبطة بوزارات معينة كما يُشاع”.
في المقابل، تقول أوساط ميقاتي، لـ”العربي الجديد”، إن “الرئيس ميقاتي لم يرمِ التشكيلة الوزارية في مرمى الرئيس عون حتى ينأى بنفسه عن تهمة التعطيل، بل قام بواجبه سريعاً لعلمه بأهمية تشكيل الحكومة في أقرب وقتٍ، والتبديل الذي أجراه في الحكومة الحالية على صعيد التشكيلة التي قدمها طاول وزارات تحتاج إلى تبديل، منها وزارة الطاقة، وقد اختار شخصية مناسبة لها ومن طائفة أخرى لأن التيار نفسه أعلن عن نيته عدم المشاركة في الحكومة”.
أيضاً، تشير الأوساط إلى أن “ميقاتي احترم الأصول الدستورية والتقى الرئيس عون وفتح الباب أمام مناقشة الملاحظات والتعديلات التي يريدها، ولكن مقرّبين من الرئيس يتقدمهم باسيل يضغطون باتجاه فرض شروط وزارية ويتسلحون بتوقيع الرئيس على التأليف لولادة الحكومة لدفع ميقاتي إلى تقديم تنازلات لن يقدم عليها، وهو مستمرّ بأداء دوره وتصريف الأعمال بكامل النطاق في حال طالت العملية”، لافتة إلى أن التيار يلعب مرة جديدة على وتر المداورة في الحقائب لنيل ما يريد بعدما أعطى ميقاتي وزارة المال لحركة أمل (برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري).
وغرّد الرئيس عون، اليوم الجمعة: “في عيد الأضحى المبارك نستخلص العبر من معاني التضحية وسموها، فحبذا لو يضحي البعض بمصالحهم وأنانياتهم من أجل مصلحة وطنهم وهناء شعبهم. كل عيد ولبنان واللبنانيين بخير”.
بدوره، أصدر ميقاتي بياناً مطوَّلاً صوّبه لأكثر من اتجاهٍ خصوصاً نحو النائب في كتلة التغييريين ملحم خلف، الذي شنّ هجوماً على حكومة تصريف الأعمال ونائب رئيسها سعادة الشامي متوعداً بالتصدّي له ولخطته “استراتيجية النهوض بالقطاع المالي” لبنانياً وفي المحافل الدولية، واصفاً إياها بغير الدستورية وغير الأخلاقية والهادفة إلى إلغاء الودائع.
وقال ميقاتي “يطلّ عيد الأضحى على لبنان واللبنانيين في مرحلة هي الأصعب، مما يقتضي منا جميعاً مواجهتها بتضامن وطني وجهد دؤوب لوقف الانهيار والحفاظ قدر الإمكان على تماسك المؤسسات والإدارات وإنتاجيتها بالتوازي مع الجهد المكثف حكومياً لوضع البلد على سكة التعافي الاقتصادي والمالي والاجتماعي”.
وأشار إلى أن “الوقت الداهم والاستحقاقات المقبلة يتطلبان منا الإسراع في الخطوات الاستباقية، ومن أبرزها تشكيل حكومة جديدة تواكب الأشهر الأخيرة من عهد الرئيس ميشال عون (ينتهي في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل)، وانتخاب رئيس جديد للبنان”.
وأضاف “من هذا المنطلق أعددت تشكيلة حكومية جديدة وقدّمتها إلى الرئيس عون، الأسبوع الفائت، وتشاورت معه في مضمونها، حيث قدّمَ بعض الملاحظات، على أمل أن نستكمل البحث في الملف وفق أسس التعاون والاحترام التي سادت بيننا طيلة الفترة الماضية”.
من جهة ثانية، أكد ميقاتي أن “حكومتنا المستقيلة تواصل عملها في سبيل معالجة الملفات الكثيرة المطروحة بروح التعاون الإيجابي بالتوازي مع تعاون مماثل مع المجلس النيابي من أجل إقرار مشروع قانون الموازنة وعدة مشاريع إصلاحية تشكل خطوة أساسية لإنجاز التفاهم النهائي مع صندوق النقد الدولي”.
ولفت ميقاتي إلى أن “حكومتنا تتعرض لحملة جائرة ومنظمة بهدف وقف الخطوات الأساسية التي نقوم بها لحماية حقوق المودعين والحفاظ على القطاع المصرفي الذي يشكل ركيزة أساسية من دعائم الاقتصاد اللبناني”.
في حين اعتبر أن الحملة الجائرة على نائبه سعادة الشامي لن تردعه عن المضي في عمله المهني والدؤوب الذي يقوم به على صعيد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للتوافق على ما هو الأفضل لحفظ حقوق المودعين وعدم ضرب القطاع المصرفي في الوقت ذاته.