بقلم علي منتش
لا يمكن قراءة خطاب الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله امس، والذي اطلق فيه سلسلة مواقف ومعادلات تصعيدية ضد اسرائيل الا من خلال ربطها بالواقع الدولي وليس الاقليمي فقط، اذ ان انخراط الحزب بحرب الغاز، وإن من منطلقات المصلحة والمنفعة الوطنية، يجعل منه قوة مؤثرة بالحدث الدولي المتمركز اليوم في القارة الاوروبية بعدما كرس نفسه خلال الحرب السورية كقوة اقليمية. من هنا قد يكون خطاب نصرالله امس اخطر خطاب له منذ تأسيس “حزب الله” نظرا للتبعات الدولية التي ستنتج عن التهديدات التي اطلقها.
اصرّ السيد حسن نصرالله امس على اظهار وتفنيد الظروف الدولية والاقليمية خلال حديثه الذي تم توقيته ليتطابق مع زيارة رئيس الولايات المتحدة الاميركية الى اسرائيل ومع الذكرى السنوية لبدء حرب تموز. اول ما فعله نصرالله هو اعادة تأكيد موقف حزب الله وجديته، اذ ان هناك قراءة اشارت خلال الايام الماضية الى ان الحزب سيستفيد من اي تنازل تقوم به السلطات اللبنانية للانكفاء وعدم الذهاب نحو التصعيد الذي لا يريده، وعليه تكون المسيرّات مجرد حركة للحفاظ على الصدقية امام الرأي العام.
ذهب نصرالله الى “اعادة إلزام نفسه” بمعادلة ضرب الباخرة في كاريش، ليوصل رسالة تؤكد جدية التهديدات اكثر من اطلاق المسيّرات حتى، فاذا كان الحزب راغبا بالتنصل مما اطلقه من معادلات سابقا كان يمكنه المماطلة وترك الامور “لتموت اعلاميا” وتبقى التسريبات الايجابية التي تنتشر عن نتائج التفاوض الذي يقوم به رئيس الجمهورية، مخرجا للحزب من الاحراج امام الرأي العام.
ألمح نصرالله في اكثر من سياق خلال حديثه الى ان الصدام العسكري الذي قد يحدث لن ينحصر في لبنان، فذكر مرارا عبارة “المنطقة” خلال تهديداته، فمرة اعتبر ان “الحزب قد يقلب الطاولة على الجميع في المنطقة” ومرة اخرى اكد ان الحزب “رح يعمل مشكل للاسرائيلي في المنطقة” وغيرها، ما يؤشر الى ان الحزب لن يكتفي بمعركة ثنائية مع اسرائيل في حال اندلاعها بل سيذهب الى اوراق اقليمية قد تدحرج الحرب الى حرب اقليمية كبرى.
ترك نصرالله امس ورقة التصعيد العسكري في يده حتى لو تم الاتفاق بين الدولة اللبنانية واسرائيل على خطوط ترسيم الحدود، فقد حرر نفسه نسبيا من إلتزامه الوقوف خلف الدولة حاصرا الموضوع بمسألة الترسيم فقط مؤكدا على ان المعادلة تشمل السماح للبنان بالتنقيب عن الغاز واعطاء الضمانات بذلك وهذا عنوان واسع يترك للحزب هامشا واسعا ويوحي بدوره بأن التنظيم لا يبحث عن مخرج او عمن ينزله عن شجرة التصعيد التي صعد اليها قبل اسابيع.
يكاد الحزب، وبالاستناد الى خطابه امينه العام، يمتلك وللمرة الاولى، وبمعزل عن اتهامات خصومه، المبادرة الهجومية الاستراتيجية، او ما يصطلح على تسميته في الحيز السياسي اللبناني قرار السلم والحرب. وان كان من منطلق دفاعي بات الحزب يهدد اسرائيل بالحرب بشكل شبه علني بعدما نقل تهديده من استهداف باخرة الاستخراج في حقل كاريش المرتبط بالصراع الحدودي المباشر، الى استهداف كامل منصات استخراج الغاز عند الشواطئ الفلسطينية. فبعد ان خسرت تل ابيب في السنوات السابقة مبادرتها الاستراتيجية في المنطقة ها هو حزب الله يوحي بأن هذه المبادرة باتت في يده.
لم يكن توقيت خطاب نصرالله خلال زيارة بايدن الى المنطقة مجرد خطوة اعلامية، بل ان دخول الحزب الى صراع الغاز في هذه اللحظة الدولية الحساسة هو عمليا مواجهة مع الولايات المتحدة الاميركية وليس فقط اسرائيل، فواشنطن هي من تقود المعركة ضد روسيا والتي تفرض عليها تخفيف الضغوط على اوروبا في موضوع الغاز تحديدا وهذا يعني ان تصعيد الحزب هو في وجه الاميركيين اكثر منه في وجه اسرائيل التي لم تكن لتذهب الى هذا المستوى من التحدي في حقل كاريش لولا الغطاء الاميركي.