ما هي المقاربات الخاطئة في خطاب نصرالله ؟! وهل النفط والغاز هما فعلاً السبيل الوحيد للخروج من جهنم ؟ !

بقلم سمير سكاف – صحافي وناشط سياسي

حزب الله وحلفاؤه يتحملون مسؤولية وصول لبنان الى جهنم، “والحق مش دايماً عالأميركان”، حتى ولو كانت مصلحة إسرائيل هي أكثر ما يهمهم في المنطقة !

يبشر السيد حسن نصرالله اللبنانيين بالحرب الموجعة وبالموت بشرف، من دون أن يترك لهم خيار “الممانعة” ! وإذا كان لا ضير في ضغط المفاوض اللبناني على المفاوض الأميركي لاستغلال الأزمة العالمية في النفط والغاز لصالحه باستعمال الحجة التي قدمها السيد حسن نصرالله، مطالباً باتهام المفاوض اللبناني للحزب أمام الأميركي أنه لا يمكن ضبطه! وإذا كان أداء هوكشتاين غير لائق بالحد الأدنى للتعبير ! وإذا كان من الضروري أن يكون اللبنانيون صفاً واحداً في الاستحقاقات الحالية في وجه العدو الإسرائيلي، فكل ذلك لا يخفي تناقضاً في مواقف السيد حسن نصرالله، الذي يطلب من اللبنانيين ما لم يطبقه على نفسه وعلى حزبه !

فلماذا يرفض “السيد” على سبيل المثال أن يكون صفاً واحداً مع اللبنانيين في “بناء الدولة” وفي محاربة الفساد وفي إعادة حسن العلاقة مع الأخوة العرب وفي التواجد في المحور “اللبناني” وفي تنفيذ الأجندات “اللبنانية” بدلاً من التواجد في المحور الإيراني وإعطاء الأولوية للأجندات الإيرانية ( حتى باعتبار مسألة النفط والغاز هذه المرة أولوية لبنانية ) ؟! ويا ليته يتحمل نتيجة أفعاله وعدم استسهال اتهام الأميركي كلما أخطأ حكام لبنان ! “فالحق مش دايماً عالأميركان” !

وهذه هي أبرز المغالطات التي يمكن ملاحظاتها في مواقف حزب الله، وفي خطاب أمينه العام البارحة :

1 – إذا كان “السيد” يقر أن لا نفط وغاز في لبنان قبل سنوات، فكيف يكون النفط والغاز هما السبيل الوحيد للخروح من جهنم ! إلا إذا كان يجزم “السيد” ويسلم أن إقامة اللبنانيين في جهنم ستكون طويلة جداً، بانتظار النفط والغاز!

– ولماذا وافق حزب الله أن “ينتظر” لبنان، في حين قامت إسرائيل بالتنقيب خلال السنوات الفائتة ووصلت الى مرحلة الاستخراج ؟!!

الغاز والنفط ليس الحل الوحيد !

2 – إن إحدى المشاكل الأساسية في خطاب “السيد” أنه يصف الوضع اللبناني المنهار، والوضع الإداري المنهار وكأنه مشاهد فقط! من دون أن يُحمِّل نفسه أو حزبه المسؤولية الأساسية في هذا الانهيار. و”الحزب” هو جزء أساسي، والفريق الأقوى، في إدارة البلاد الى جانب حلفائه، كما الى جانب شركائه في الحكم من خصومه ! إن وصول البلاد الى ما هي عليه اليوم هي بسبب فريق فاسد، شارك معه حزب الله في سوء الحكم وفي الهدر والسرقة على مدى عشرات السنين.

3 – خطأ آخر كبير يرتكبه السيد حسن نصرالله باعتقاده أن دخول مليارات الدولارات من عائدات النفط والغاز تنقذ لبنان من مشاكله ! في حين أن مئات المليارات كانت موجودة فعلاً في المصارف وفي الثروات الوطنية، وقامت هذه الطبقة السياسية بسرقتها، بحماية حزب الله! فالحزب يدافع عنهم ويشاركهم في السلطة. وهؤلاء سيسرقون عائدات النفط والغاز المقبلة، عندما تبدأ ! وهم جهّزوا الشركات اللازمة لسرقتها. وحزب الله يعرف ذلك جيداً. وهو لا يحرك ساكناً في هذا الموضوع!

4 – بالتأكيد أن لبنان يملك الكثير من الإمكانيات المالية للتعافي الاقتصادي، من دون الحاجة الى النفط والغاز. ولكن المشكلة هي في “حرامية” السلطة الموجودة التي تمنع القيام بأي استثمار جدّي لهذه الموارد. ويقول السيد حسن “دلونا عليها” ! وها أنا سأدله على بعضها :

أ – قبل الاستثمار في الموارد المالية الممكنة ( مذكورة بإيجاز في الفقرة التالية )، يحتاج لبنان على المدى القصير، بانتظار النفط والغاز، الى نوع من مشروع مارشال “عربي” للخروج من جهنم، إلا إذا كان حزب الله “ما بدو يربح جميل العرب” ! فقد احتاجت أوروبا الى مشروع مارشال عام 1948 للنهوض باقتصادات دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. آنذاك قدمت الولايات المتحدة 13 مليار دولار لأوروبا، أي ما يعادل 115 مليار دولار تقريباً في حسابات اليوم! ولكن في أوروبا قام الحكام بضخها في اقتصاداتهم وليس في جيوبهم كما يحصل مع حكام لبنان الفاسدين. وحكام لبنان سرقوا أكثر مما احتاجته كل اقتصادات أوروبا للنهوض من الحرب العالمية الثانية !!!

ب – تكبير الاقتصاد بدعم الاغتراب اللبناني: فتح مطارين إضافيين، ومحطات قطارات ونقل داخلي ومترو وترامواي ونقل بري وبحري وجوي… وذلك بشرط تأمين جو هادئ للاستثمار! والاستثمار في المياه، كمشروع ممكن بعنوان : “المياه مقابل النفط” ! وليس طبعاً كالفساد الحاصل في بناء السدود. والاستثمارات العقارية الضخمة في إعادة إعمار وتطوير عدد من المناطق، وبخاصة في بيروت ومحيطها، ومشاريع بنية تحتية تؤمن مداخيل للدولة. وخطة كهرباء تمنع الهدر ( تحدثت عنها مراراً، ويمكن الحديث عنها من جديد )… كل ذلك، من خلال مشروع نهوض مالي متكامل ( عرضته في السابق وسأعيد عرضه في الأيام المقبلة ).

5 – هل فعلاً “العدو الأميركي” هو الذي يجوّع اللبنانيين ويمنع عنهم الرغيف؟! ليس المقصود هنا الدفاع عن القوى العظمى التي دائماً ما تدوس شعوب الدول الصغرى لأجل مصالحها! ولكن من الضروري تحديد المسؤوليات الجدّية لما يحدث في لبنان. فالمسؤولية في التجويع وفي فقدان الرغيف تقع على حكام لبنان. ومسؤولية انقطاع الكهرباء وسرقة وهدر أكثر من 40 مليار دولار في الكهرباء هي مسؤولية الحكام اللبنانيين، وعلى رأسهم حزب الله وحلفاؤه الذين يديرون وزارة الطاقة منذ 15 سنة! وليس الأميركي من سرق أموال المودعين بل هم شركاء حزب الله في الحكم من سياسيين ومصرفيين وقيمين على مصرف لبنان هم من فعل ذلك. وهم الذين قاموا بتهريبها الى حساباتهم الى خارج لبنان. ولا يمنع ذلك استغلال الأميركي لفساد اللبنانيين للضغط عليهم لتأمين مصلحة العدو الإسرائيلي أولاً. ولكن المسؤولية الجرمية للواقع اللبناني تقع على عاتق “اللا” مسؤولين اللبنانيين !

لا توازن في الرعب في الاقتصاد ! والرعب في الحياة اليومية في الجانب اللبناني !

6 – هل هناك فعلاً توازن في الرعب بين لبنان والعدو الإسرائيلي؟ وهل يكفي سلاح حزب الله لذلك؟ وهل يكفي أن تصمد مارون الراس وبنت جبيل ( وهو أمر ممتاز ) لنعتقد أن النصر كان للجانب اللبناني أو أن لبنان حقق التعادل؟! وذلك، من دون احتساب مئات الرؤوس النووية التي يملكها العدو! فإذا ما نظر المراقب الى النتيجة، والى كيف عاش لبنان والعدو الإسرائيلي في السنوات التالية لحرب تموز وحتى اليوم، يجد التالي: يبدو المواطن الإسرائيلي في حالة اقتصادية ممتازة في حين يبدو المواطن اللبناني باعتراف الأمين العام لحزب الله بحالة فقر وانهيار! فالرعب في الحياة اليومية يعيشه اللبنانيون، ولا يعيشه الأعداء الإسرائيليون ! أليس كذلك ؟! فمن الزاوية الاقتصادية، ليس هناك توازناً في الرعب ! بل هو من جانب واحد!

– صحيح، أن العدو الإسرائيلي قادر على التدمير في لبنان. ولكنه قادر في الوقت نفسه على حماية اقتصاده وعلى تأمين ازدهاره وعلى حماية حياة مواطنيه وعلى الحفاظ على مستوى معيشي لهم يضاهي أغنى البلدان في العالم! ( نظهر قريباً مقارنة بين الوضع المعيشي في إسرائيل وبين الوضع المعيشي في لبنان ) !

7 – صحيح أنه لا يمكن الاعتماد على مساعدات مليارات صندوق النقد “القليلة” المنتظرة لقيامة لبنان. ولكن “السيد” يتحدث “مرة أخرى” وكأنه معارض للحكومة الحالية، في حين أنه أحد أركانها الأساسيين! ويمكن كما ذكرت آنفاً الاعتماد على الموارد الأخرى. وذلك، مع تذكير الحزب أن وزير المالية في السنوات الأخير هو من فريقه السياسي، بتحالفه مع حركة أمل ! ما يعني أن السياسات المالية في لبنان يضعها تحالف حزب الله وحركة أمل !

8 – لا ضمانات جدية يستطيع أن يحصل عليها لبنان بالتنقيب النفطي لجهة الاستخراج، إلا الضمانات “الورقية”، كما يسميها “السيد”! فأي نوع آخر من الضمانات يمكن الحصول عليه، حتى مع معادلته الجديدة “ما بعد بعد كاريش” ؟! ماذا لو قام العدو باستخراج نفطه وغازه وجرى لاحقاً النكس بالوعود المقدمة من قبل المفاوضين ؟ !

9 – يقر السيد حسن نصرالله أنه لا ينتظر أحداً في قرار إدخال لبنان في حروب المنطقة! والمشكلة أن “السيد” لا يعترف بذلك بوجود شركاء له في الوطن، بل يشعر اللبنانيون معه أنهم مجرد ضحايا لحروبه!

هذه المرة “يعلم” !

“يعلم” السيد حسن نصرالله هذه المرة تبعات دخول لبنان الحرب مع العدو على أساس الغاز والنفط مع حاجة الأوروبيين الملحة للغاز، بعكس ما حصل معه في حرب تموز. وهو كرر البارحة مرات عدة إن خيار الحرب في حال عدم الاتفاق هو جدي جداً. وبالتالي، فإن عدم الوصول الى اتفاق سيكون له نتائج مدمرة على لبنان، حتى ولو أُصيبت إسرائيل بعدد كبير من الأضرار في منشآتها. ودعا اللبنانيين الى الموت بالشرف !

إن حضور الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة ( وهو لن يزور لبنان لعدم الأهمية )، مع تعزيزه لقدرات إسرائيل العسكرية، يعني أن الاهتمام العالمي بالملف الغاز والنفط أصبح من الأولويات! فهل يمر هذا “القطوع” على لبنان ويصل الى اتفاق من دون حرب مدمرة؟! وهل يمكن تجنب هذه الحرب المدمرة في موضوع آخر وفي مناسبة أخرى ؟! وهل قدر لبنان أن يدخل حروباً مستمرة من دون التوصل الى حلول سلمية ؟! المشكلة أنه في معظم الأحيان ينعكس تهديد حزب الله للآخرين تهديداً للبنان واللبنانيين!

اخترنا لك