بقلم جورج شاهين
قبل أن تعلن واشنطن عن زيارة الرئيس الاميركي الى اسرائيل والمملكة العربية السعودية منتصف تموز الجاري، كانت المفاوضات الثنائية الجارية بين واشنطن وطهران وما بين الاخيرة وواشنطن مستمرة قبل ان تستأنف مفاوضات الترسيم البحري في منتصف حزيران الماضي. كان ذلك قبل ان تتوالى النكسات مع قرب وصول بايدن الى المنطقة. وعليه طرح السؤال هل تعطّلت كل هذه المسارات؟ ام جمّدت؟ والى متى؟
منذ الثالثة من بعد ظهر الأربعاء الماضي وما ان وطأت قدما الرئيس الاميركي جو بايدن أرض إسرائيل في أولى محطات جولته في الشرق الأوسط التي نقلته لاحقاً الى منطقة السلطة الفلسطينية قبل جدة في المملكة العربية السعودية لعقد قمة أميركية ـ سعودية على مستوى القيادة السعودية الملكي ممثلاً بالملك سلمان والأميري متمثلّاً بولي العهد محمد بن سلمان تليها قمة اميركية – عربية – خليجية، تلاحقت التقارير الديبلوماسية التي تحدثت عن العوائق التي حالت دون ان تحقق اي من المفاوضات الثنائية الجارية أي إنجاز على اكثر من مستوى، وخصوصاً تلك المتصلة بما تركه تجميد مفاوضات فيينا في شأن الملف النووي الايراني بين طهران ومجموعة الـ (5+1) منذ الإعلان عن انتهاء الجولة الثامنة في نيسان الماضي من دون الاتفاق على موعد التاسعة على رغم من الجهود التي بذلها الاتحاد الأوروبي بين بروكسل وطهران من اجل الإقلاع بها من جديد.
وان توغّل المراقبون في الحديث عن بعض التفاصيل المحيطة بهذه المفاوضات على مساراتها المختلفة، يجدر التوقف عند ابرزها، فالقاسم المشترك في كل التقارير التي تحدثت عن تعثّرها نادر الوجود عند الحديث عن نتائجها. فهي وان التقت على ملف اساسي يتصل بالملف النووي الايراني والحديث عن أدوار «الحرس الثوري» وأذرعه في المنطقة بامتدادها من العراق وسوريا الى لبنان واليمن، فإنّ هناك اسباباً اخرى عطّلتها ولم تنته الى ما يمكن الكشف عنه قبل جلاء نتائج جولة بايدن ليظهر خيطها الابيض من الاسود.
وقبل البحث في كل مسار على حِدة وما أعاقه وما يمكن ان تنتهي اليه، يجدر التوقف عند ثلاث محطات اساسية من جولة بايدن والتي يمكن الاشارة اليها بالعناوين الآتية:
– كيف ستنعكس الزيارة على نوعية العلاقة بين واشنطن وتل أبيب في المرحلة المقبلة فالتفاهم على بعض العناوين لا يكفي. وإن التقيا على ضرورة تعطيل ما يؤدي الى امتلاك ايران للاسلحة النووية ومن ضمنها السياسة الاسرائيلية المعتمدة ضد الوجود الايراني في سوريا فإنّ هناك خلافات كبيرة ما زالت تتحكم بوجهات النظر بينهما، خصوصاً حول الملف الفلسطيني.
فبايدن لم يعد يرى كل ما انتهت اليه محاولات تنفيذ «صفقة القرن» وهو يتحدث عن «حل الدولتين على أرض واحدة» وإمكان إعطاء السلطة الفلسطينية اعترافاً محدوداً بالقدس الشرقية بإحياء قنصليتها فيها قبل اعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن وهي من الشروط السعودية للبحث في التطبيع مع اسرائيل.
– ما يمكن ان تنتهي اليه لقاءات بايدن مع القيادة السعودية وطريقة الوصول الى ترميم العلاقات معها ولا سيما تجاوز الازمات التي حكمت علاقات بايدن بولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل إحياء التفاهمات التي أرساها الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي قادت الى اتفاقات بأربعمئة مليار دولار للسنوات العشر المقبلة وادارة الاستثمارات في مجالات التسلح والاتصالات والمشاريع الانشائية الكبرى وفق رؤية 2020 – 2030 لولي العهد.
– ما يمكن ان تنتهي اليه قمة جدة الأميركية ـ الخليجية – العربية المنتظرة اليوم وما يمكن ان تؤدي اليه في مواجهة المخاطر الايرانية على رغم من المصاعب التي تواجهها على اكثر من صعيد. فالقدرات التي تتمتّع بها الدول المشاركة في القمة غير متساوية، وعلاقات كل منها بطهران تختلف عن الاخرى ولكنها تلاقت على ضرورة إنهاء ملف اليمن ووقف التدخلات الايرانية في شؤونها الداخلية وصولاً الى اعادة ترتيب السلطة في العراق واعطاء الاردن ما يطلبه من ضمانات تتصل بمخاطر ما يسمّيه ملكه بـ»الهلال الإيراني» المتحكّم بمحيطه من العراق الى سوريا فلبنان.
على هذه الخلفيات وما ستحمله زيارة بايدن من جديد مُحتمل، يتوقف المراقبون أمام المواقف الاقليمية والدولية التي عبّرت عن الأجواء الاستفزازية التي تسببت بها الزيارة والتي عبّرت عنها مواقف عدة أبرزها الدعوة المفاجئة من اجل عقد قمة ايرانية ـ تركية ـ روسية في طهران مطلع الأسبوع المقبل.
ففي مواجهة الترحيب بزيارة بايدن التاريخية ارتفعت أجواء التشكيك التي عبّر عنها بنحو واضح الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الذي حسم قبل الزيارة بقوله انها «لن تحقق الأمن للدولة العبرية» ولن «تزيد من الدول التي طَبّعت معها وفق اتفاقات ابراهام التي أدخلت إسرائيل إلى عمق الخليج العربي».
وانطلاقاً من هذه الأجواء التي أوحت بمواجهة جديدة بين «قمة جدة» و«قمة طهران»، ليس صحيحاً ان الثانية تعقد للبحث في الوضع في سوريا وتطورات الغزو الروسي لأوكرانيا فحسب، لا بل إنها تنتظر نتائج القمة الاولى اليوم لتبني على الشيء مقتضاه، فالطحشة الأميركية في المنطقة التي قادها بايدن شخصياً ستغيّر في كثير من المعادلات القائمة.
وانّ الستاتيكو الذي بني من قبل على اساس ادارة واشنطن لأزمات المنطقة من بعد قد تغيّرت. وباتت منطقة النزاع بكاملها تحت غطاء القيادة الوسطى للجيش الاميركي ولن تسمح واشنطن بالتوسع السعودي في اتجاه الصين وروسيا، ولن تسمح ايضاً باستمرار السيطرة الايرانية المتزايدة خارج اراضيها وربما ستلجأ الى عقوبات إضافية نتيجة اتهام طهران بعرقلة انتخاب الرئيس العراقي الجديد منذ الخريف الماضي، وتدخلات «الحشد الشعبي» ولا توافقها على خطواتها في سوريا ولبنان كما في اليمن.
وهو ما سيدفع بـ«قمة جدة» الى البت بمجموعة من الخطوات التنسيقية التي قد لا ترقى اليوم الى ما يسمّى «الناتو العربي» ولكنها ستنتهي الى مزيد من التنسيق وتقديم التسهيلات المتبادلة التي تعزز المواجهة مع الخصوم والأعداء.
ويختم المراقبون الديبلوماسيون هذه القراءة بالقول انّ كل هذه المعطيات أدت الى تجميد المفاوضات السعودية ـ الايرانية كما على مسار الاميركية ـ الايرانية.
ولذلك تجدّدت المخاوف من المخاطر حول مستقبل عملية الترسيم البحري في الجنوب على رغم من حديث الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين عن تقدّم ملحوظ للتقريب في وجهات النظر بين لبنان واسرائيل. ذلك انّ الاشارات التي اطلقها «حزب الله» أخيراً لا توحي أن الامور ماشية كما يشتهيها لبنان الرسمي وان تغيرت هذه المعطيات في وقت قريب سيكون علينا ان نترقّب ما ليس في الحسبان، فالاجواء السلبية تخيّم على المنطقة وأي رؤية إيجابية قد تكون مفاجأة جدية فلنراقب وننتظر.