حشود في الديمان الأحد… و “عقل شرير” يدير البلد

بقلم دنيز عطالله

“لا. لا تتساوى البطريركية المارونية مع أيّ من مكونات البلد لجهة ترفعها عن كل مصلحة إلا مصلحة لبنان وشعبه. ولا، لا نرضى لا بامتحانات بالوطنية ولا بالتعدي على إرث طويل من الحرية حملناه وحميناه لصالح كل اللبنانيين، احتراماً لكل خصوصية في البلد، أغنته واغتنت به”.
يؤكد هذا الكلام لأسقف ماروني لـ”المدن” أن البطريركية المارونية متمسكة بسقف خطابها العالي الذي أطلقه “المجمع الدائم لسينودس الأساقفة الموارنة” من الديمان، على خلفية التحقيق مع راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة، المطران موسى الحاج.

الرئيس يستقبل الحاج
يضيف الأسقف أن كل “محاولات حرف الموضوع عن سياقه الحقيقي وفبركة روايات بوليسية لا يمكن وضعها إلا في خانة التوقيت المشبوه، الذي لا يفوت الكنيسة، كمؤسسة، فهم رسائله والرد عليها”.

في هذا السياق، يمكن إدراج زيارة المطران الحاج لرئيس الجمهورية ميشال عون يرافقه راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون.

قطع اللقاء الطريق على الكثير من الكلام. فبعد “الحرم” البطريركي على متابعة التحقيق مع المطران الحاج ، يستقبله رئيس البلاد، مسقطاً إمكانية أي مضبرة اتهام بحقه. إذ كيف يمكن لرئيس جمهورية أن يستقبل “متهماً” وبتهم، تلمح أوساط حليفة للرئيس، أنها تتصل بطريقة أو بأخرى بـ”العمالة”؟

حرق أوراق رئاسية
لا تستبعد أوساط كنسية، رداً على سؤال، أن يكون توقيت “الحادثة التي حصلت مع المطران الحاج مرتبطة بمواقف البطريرك الراعي، خصوصا لجهة “مواصفات الرئيس” التي يكررها ويحددها البطريرك منذ نحو شهرين ويواظب على تكرارها والتوسع فيها”.

وتستغرب “كيف يصدف أن تبدأ مضايقات المطران الحاج وتجاوز الأصول والقوانين في التعاطي معه متزامنة مع كلام البطريرك. فقد سبق للمفوض السابق للحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي صوان أن أصدر قراراً، صدّقته معاونته يومها القاضية منى حنقير، قضى بعدم صلاحية المحكمة العسكرية بملاحقة المطران. ولكن المضايقات لم تتوقف وصولاً إلى توقيفه الأخير والتحقيق معه”.

تتحفظ المصادر على الرد على سؤال حول ما يُهمس به من “استهداف قائد الجيش ضمناً، وحرق أوراقه الرئاسية على اعتبار أن تصريح النائب البطريركي على حيفا والأراضي المقدسة يصدر عن قيادة الجيش”. مكتفية بالرد “لا معلومات لدينا”.

عقل شرير يحكم البلد
لكن نائباً مسيحياً يؤكد أن “المتابع ينتبه أنه تم قبل فترة، تم تسريب خبر -لا يبدو بعيداً عن مصادر أمنية- يشير إلى استهداف محتمل لشخصية روحية من خلال اختلاق ملف قضائي لها. فُهِم أن هذا التسريب نوع من تنبيه ولفت نظر، على خلفية رفع المسؤولية. ففي النهاية هناك إشارة قضائية يفترض أن تلتزم بها المؤسسات الأمنية”. ويضيف “على أي حال المنزعجون من مواصفات الراعي وإصراره على انتخاب رئيس كُثر”.

وتمنى النائب الداعم لمواقف بكركي “لو أن المجمع الدائم لسينودس الأساقفة طالب بإلغاء المحكمة العسكرية وحصرها بدورها الأساس، أي محاكمة العسكريين، عوض أن يطالب بإقالة قاضٍ مهما أخطا كما فعل -بكل تأكيد- القاضي فادي عقيقي”. أضاف إن “العقل الشرير الذي يحكم البلد استطاع أن يضع بكركي في موقف مطابق، في الشكل، لما تنتقده من المطالبة بتنحية أو إقالة قاضٍ”.

أحد حاشد في الديمان
وفيما تستمر المواقف المندّدة بما تعرض له المطران الحاج، ومن خلاله البطريركية المارونية، تمت الدعوة إلى تظاهرة مؤيدة لمواقف الكنيسة بعنوان “لبنان نحو الديمان”، حيث من المتوقع أن يشهد المقر الصيفي للبطريركية يوم الأحد 24 تموز، حشداً شعبياً “مدروساً”، إضافة الى وفود نيابية وشخصيات سياسية.

الحركة الثقافية-انطلياس
ووسط كثافة التعليقات والمواقف السياسية، بدا لافتاً للانتباه موقف الحركة الثقافية –أنطلياس التي رأت أن “من واجبها إعلان موقف واضح من القضية التي تشغل الرأي العام حالياً” من منطلق “معرفتنا به كراهب أنطوني في دير مار الياس–أنطلياس، وهو نموذج الراهب المثقّف والعالِم”. واستفادت الحركة من المناسبة لتشنّ حملة على الواقع المزري ومسببّيه.

وجاء في البيان “في أيام يواجه فيها شعبنا اللبناني ما يشبه الإبادة الجماعية من خلال مصاعب الحصول على الخبز والكهرباء والمياه والاستشفاء والدواء والمدرسة والجامعة والبنزين والمازوت والغاز، ناهيك عن سرقة أموال المودعين وتهريبها من قبل قراصنة السياسة والمال إلى الخارج، وتصاعد الغلاء 29 مرّة، وتفاقم الهجرة والبطالة، وانهيار المؤسسات العامة، في مواجهة هذا الواقع استلهم المطران الحاج سيرة البطريرك الحويك في مواجهة خطط جمال باشا في إبادة أبناء جبل لبنان خلال الحرب العالمية الأولى، وتحمّل مشقّة نقل بعض الأدوية والمساعدات من أبناء الرعية إلى إخوانهم من كل الطوائف على أرض الوطن”.

أضاف”بدل أن يتحرّك بعض القضاة والأجهزة الأمنية لمحاكمة من هرّب الأموال وصادر الودائع ومن يتلاعب بالدولار، ومن أفقد العملة الوطنية قيمتها الشرائية إلى أقل من 5% مما كانت عليه قبل الأزمة، ويضع حدّاً للغلاء الفاحش، ويحاكم من تخلّى عن الثروة البحرية بتبنّي الخط 23 الإسرائيلي بدل حق لبنان بالخط 29 العلمي والقانوني والمنطلق وحده من نقطة الحدود البرية في رأس الناقورة، بدل كل ذلك يتمّ اتخاذ إجراءات مخالفة للقانون وللأعراف”.

وأوضح “لقد سبق وصدر عن المحكمة العسكرية بتاريخ 5/5/2022 حكم موقّع من القاضي النزيه والشجاع فادي صوان ينص على “عدم صلاحية القضاء العسكري اللبناني في ملاحقة (المطران الحاج) ومحاكمته جزائياً، سنداً للمادة /1060/ من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الصادرة عن الفاتيكان سنة 1990، والنافذة في لبنان منذ سنة 1991، والتي تمنح، حصراً، بقداسة البابا في الفاتيكان حق محاكمة الأساقفة الملاحقين بقضايا جزائية”.

ويسأل البيان “من هي السلطة التي وضعت نفسها فوق القوانين وفوق اجتهادات القضاة النزيهين في المحكمة العسكرية؟ وما هي الأهداف الخفية من وراء ما جرى؟ وما هي الرسائل المراد توجيهها الى الكنيسة المارونية؟ وهل يُراد إدخال الوضع اللبناني في أتون الفوضى والانقسام؟”.

وأيدت الحركة “البيان الصادر عن المجمع الاستثنائي للمطارنة الموارنة” وطالبت بـ”تعديل نظام المحكمة العسكرية بحيث تقتصر على العسكريين وحدهم”.

ودعت “الشعب اللبناني إلى التعاطي مع هذه القضية وغيرها بروحية الوحدة الوطنية، والتركيز على أولوية معالجة الكارثة المالية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني شعبنا من نتائجها، وأهمية احترام الحريات العامة، والحفاظ على استقلال وسيادة الدولة اللبنانية، وترسيم حدودها السائبة والعمل بجدّية على ضبطها أمنياً أمام موجات التهريب في مختلف أشكاله”.

وختم بيان الحركة بالتذكير”أن مثقفاً لبنانياً كبيراً هو خليل غانم قال للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني : “القانون والدستور فوق السلطان”.

وعليه، فليبتعد منفذو الأجندات الخارجية عن مخطّطاتهم، وليعودوا إلى القراءَة الجيّدة لتاريخ لبنان. فقد رحل جمال باشا وبقيت البطريركية المارونية واحدة من أبرز المرجعيات الوطنية التي تنطق بالحق وتدافع عن مصالح الشعب والوطن”.

اخترنا لك