بقلم هادي منلا – عضو هيئة تنسيقية في المرصد الشعبي
بتاريخ ١٩ شباط عام ٢٠٢١، تم كف يد القاضي صوان عن التحقيق في جريمة تفجير المرفأ تحت حجة الارتياب المشروع المقدم من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، والوزير السابق يوسف فنيانوس.
وقتها دعت لجنة أهالي شهداء المرفأ إلى النزول إلى الشارع خوفاً من نسف التحقيق وعدم كشف الحقيقة.
لبيت وشاركت كالعادة في التحركات التي تدعي إليها الاهالي. بعد إلقاء الكلمات وإغلاق الطريق بالاطارات المشتعلة أمام قصر العدل في بيروت، لفتتني سيدة عجوزة تلبس الكمامة، وعيونها تكاد ان تنفجر من شدة البكاء والقهر.
تقربت منها في محاولة اعرف انها سوف تكون يائسة من أجل بلسمت جراحها ،والتخفيف عنها، عندها سمعتها تقول وبصوت عال، انها لم تتظاهر قط في حياتها، ولم تعترض على أي إجراء تم اتخاذه من قبل الدولة، رغم ذلك تمت مكافئتها بتفجير أودى بحياة ابنها، وعيونها تذرف الدموع كشلال لا يعرف معنى التوقف.
عندها لم أستطع الكلام معها لشدة تأثري بما قالته، وتركت الاعتصام لأني لم أعد احتمل كمية الاوجاع الموجودة فيه، وعندما وصلت إلى السيارة انفجرت بكاءً، متخيلاً ماذا لو كانت أمي مكان هذه السيدة، من سوف يخفف عنها خسارتها، وكيف كانت سوف تتأقلم مع هذه الاوجاع والجراح.
استمريت على هذه الحال ليومين، قبل أن أعود نوعاً ما إلى حياتي الطبيعية، وأقول نوعاً ما لأن منذ الانفجار انا واغلب سكان بيروت لم نعد إلى حياتنا الطبيعية.
علمت لاحقاً ان هذه السيدة هي والدة الضحية أمين الزاهد، وما تفعله هذه السيدة مع أولادها يستحق أن يُدرس، لما فيه من إصرار ونضال لمعرفة حقيقة من قتل ابنها، فبالاضافة إلى مشاركتها الدائمة في اعتصامات الاهالي، عملت مع أولادها بكل طاقتهم ضمن لائحة بيروت تغيير.
والتقيت بهم في ١٥ آيار في احد الخيم أمام تجمع المدارس في بئر حسن، متحملين حرارة الشمس القاسية، ويتحدثون مع الداخلين إلى مركز الاقتراع من أجل التسويق للائحة، وبعضهم عمل كمندوب، وعند الحديث معهم قالوا ان ما يقومون به هو عربون تقدير للمحامين والناشطين المرشحين الذين تبنوا قضيتهم، ويحاولون و يناضلون معهم من أجل كشف حقيقة هذه الجريمة.
هذه السيدة بدل ان تكون معززة مكرمة في بيتها و حاصلة لحقوقها الاجتماعية عبر نظام ضمان الشيخوخة، نراها في الشارع تصرخ وتناضل لمعرفة من قتل ابنها، ولماذا، ولمصلحة من ؟
قصة هذه السيدة تبكي جبال، وتهد نظام بال فاسد عفن، أصبح استمراره يشكل خطر على حياتنا كل يوم.