المطلوب تشكيل حكومة فاعلة وانجاز الاستحقاقات المقبلة
وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين بمناسبة رأس السنة الهجرية الجديدة الاتي نصها :
“مع حُلولِ كُلِّ عامٍ هجريٍّ جَدِيد ، يقفُ المسلمونَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها مُحْتَفِينَ بعامٍ هجريٍّ جديد، ومُسْتَذْكِرين أحداثَ الهِجْرِةِ النَبَوِيَّةِ الشَّرِيفَة، التي تَسْتَحِقُّ الوَقْفَةَ المُتَأَنِّيَة، لأَنَّها كَانتْ في حَقِيقَتِها، حَدَثاً بالغَ الأهميةِ في تَارِيخِ وحَياةِ العربِ والمسلمين، وَهيَ لَم تَكُنْ سَفَرَاً وانْتِقَالاً لِتَحْصِيلِ مُتَعِ الدُّنْيَا ومَلَذَّاتِهَا، وإنما كانتْ انْتِقَالاً مِنْ أَجْلِ الحِفَاظِ على العقيدة، وتضحيةً كُبْرَى على حِسَابِ النَّفْسِ والمَالِ والأهْلِ والوَلَد، مِنْ أجلِ العَقِيدة، فهيَ تَبْدَأُ من أَجْلِ العَقِيدة، وغَايتُها العَقِيدة، وفِيهَا الإصرارُ على اتِّبَاعِ الحقِّ، والدَّعوةِ إلى نَهْجِ الهُدَى والرَّشَاد.
ذكرى الهجرةِ النبويةِ الشريفةِ ، عزيزةٌ على قلبِ كُلِّ مسلم ، وعلى قلبِ كُلِّ طالبٍ للحقّ ، ومُناضِلٍ في سبيلِه ، ففي العامِ الرابع عشر للبعثة ، الموافق للعام سِتِّمِئةٍ واثنينِ وعِشرينَ للميلاد، وفي مثلِ هذه الأيَّام ، كانت الهِجرَة النبوية الشريفة ، التي اضْطُرَّ إليها رسولُ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ وسَلامُهُ عليه ، فَغَادَرَ دَارَهُ وَأُمَّ القُرَى – مكةَ – إلى يَثرِب ، بَعدَ أَحَدَ عَشَرَ عاماً مِنَ الدَّعوَة . كانَ أصحابُه يُعَذَّبونَ بِمَكَّة ، ويُرَادُ رَدُّهُم عَنْ دِينِهِم ، وَقَد مَاتَ بَعضُهُمْ تَحتَ التَّعذِيب . وَقَد طَلَبَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلّمَ مِنَ القَادِرِينَ مِنهُم ، أنْ يُهاجِرُوا إلى الحَبَشَة، وَقالَ لهم : (إنَّ بِها مَلِكاً لا يُظلَمُ عِندَهُ أحد) ، فَمَضَتْ عَشَرَاتٌ منهم بِقِيَادَةِ جَعفَرِ بنِ أبي طالب ، اِبنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم . وبعدَ وَفاةِ جَدِّهِ وَعمِّهِ عليه الصلاةُ والسلام ، حَاصَرَتْ قُريشٌ أقرباءَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ في الشِّعْب ، حتى كادُوا يَموتونَ جَوعاً .
لقد مَضَى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ إلى يثرب ، بعدَ أَنْ كَانَ قد قَابَلَ سِرّاً جَمَاعَةً مِنْ سُكَّانِها مِنَ الأَوسِ والخَزْرَج ، وَتَوَثَّقَ مِنْ نُصرَتِهِمْ وَحِمَايَتِهِمْ له، وفي تلكَ الفَترَة ، وقد خَشِيَتْ قُريشٌ أَنْ يَجِدَ رِسُولُ اللهِ مَخرَجاً مِنِ اضْطِهَادِهِمْ وَعَذَابِهِم ، فَعَرَضُوا عليه أَنْ يُمَلِّكُوهُ عليهِمْ بِشَرطِ أَنْ يَتْرُكَ الدَّعوَة، فَقالَ صَلواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عليه: (واللهِ لَو وَضَعُوا الشَّمْسَ في يَمِينِي ، وَالقَمَرَ في يَسَارِي ، على أنْ أَتْرُكَ هذا الأَمْر، مَا تَرَكْتُه حتى يُظْهِرَهُ اللهُ أو أَهْلِكَ دُونَه!)
بَينَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا ، غَادَرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ الدِّيَارَ الحَبِيبة ، مُصْطَحِباً مَعَهُ أبَا بَكرٍ الصِّدّيق ، وَخَلَّفَ ابْنَ عَمِّهِ عَليّاً لِيُؤَدِّيَ الأمَانَاتِ التي بِذِمَّتِهِ عليه الصلاةُ والسلام . وقد هَاجَرَتْ قَبْلَهُ جَمَاعَة ، وَتَوَارَدَ بَعدَهُ المِئاتُ مُهاجِرِين ، حَيثُ حَدَثَ أمران: تَكَوَّنَتْ جَمَاعَةُ المُهاجِرِينَ في يَثرِب ، وَسَمَّى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلّمَ يَثرِباً : المَدِينَةَ ، وَدَارَ الهِجرَة . بينما أَطْلَقَ القرآنُ على أَهْلِ المَدِينَةِ اسْمَ الأَنْصَار . وَمَعَ المُهاجِرِينَ وَالأنصَار، بَنَى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ مَسجِدَه ، وآخَى بَينَ المُهاجِرِينَ والأَنْصَار ، وَكَتَبَ كِتَابَ المَدِينَةِ أَو عَهْدَها ، الذي يَنُصُّ على : (أَنَّ سَائرَ المُقِيمِينَ بِالمدينة على اخْتِلافِ أَديَانِهِمْ وَقَبَائلِهِمْ ، هُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاس) . وَمَعَ الأُمَّة ، قَامَتِ الدَّولة ، وَعَادَ المُشَرَّدُونَ إلى مَكَّةَ فاتِحِين ، وقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلّمَ لِبَني قَومِهِ الذينَ أَخْرَجُوه : (اِذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاء!) ، وَمَا مَضَتْ على الهِجْرَةِ سِتَّةُ عُقود ، حتَّى صَارَتْ دَارُ الإِسلامِ ثُلُثَ العَالَمِ المَعمُورِ آنذاك.
أيها المسلمون :
الهِجْرَةُ التي صَارَتْ حَدَثاً تَاريخِيّاً عظيماً ، كانتْ هي الأُفُقَ الذي انْفَتَحَ على الأُمَّةِ والدَّولةِ وَالعَالَمِ الإنسانِيّ ؛ بفضْلِ جُهدِ الرَّسُولِ وَجِهَادِهِ مَعَ أصحابِه ، لِيَتَغَيَّرَ بِهذا الحَدَثِ مَجرَى التَّارِيخ ، الذي تَحدَّثَ عَنْهُ أحَدُ أَصحاَبِ النَّبِيِّ بِالقَادِسِيَّةِ قائلاً : (جِئْنَا لِنُخرِجَ النَّاسَ مِنْ عِبَادَةِ العِباد ، إلى عِبادَةِ رَبِّ العِباد ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنيا إلى سَعَتِها ، وَمِنْ جَورِ الظَالِمين إلى عَدلِ الإسلام) . وهكذا فنحن عِندَمَا نَحْتَفِي بِذِكرَى الهِجرَة ، إنَّمَا نَحتَفِي بنِضَالِه عَليهِ الصلاةُ والسلام ، وبِالرِّسَالةِ التي حَمَلَها لِتَحرِيرِ الإنسانِيَّة.
أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :
لقد تغيَّرَ مَعنَى الهِجرَة ، وَتَغيَّرَتْ ظُرُوفُها . صَحِيحٌ أنَّ اللبنانيين يُهاجِرُون مُنذُ أَكثَرَ مِنْ مِائةٍ وَخمسِينَ عَاماً، وفي ظروفٍ أَكْثرُها اقتصادِيٌّ وَمَعِيشِيّ . لكنَّ هِجْرَاتِ العَقدِ الأَخِيرِ الكَثِيفَةَ وَالمُسْتَمِرَّة ، غيرُ طَبِيعِيَّة ، لأنَّهَا هَرَبٌ مِنَ الحَاجَةِ وَالجُوع ، بَعدَ الانْهِيَاِرِ الكَبِيرِ في سَائرِ مَناحِي الحياة . لبنانُ الجامعات ، ولبنانُ المستشفيات ، ولبنانُ العَيشِ الرَّغِد ، ولبنانُ النُّورُ وَالتَّنوِير؛ كُلُّ ذَلكَ تَضَاءَلَ إلى دَرَجَةِ الاخْتِفَاءِ والعَدَم . صَحِيحٌ أنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلّم ، عِندَمَا هَاجَرَ مِنْ مَكَّة ، كانَ قد تَعذَّرَ عليه العَيشُ فيها مِنْ جِهَة ؛ لكنَّهُ كانَ مِنْ جهّةٍ أُخرَى يَمْلِكُ مَشروعاً استطاعَ تَحقِيقَهُ في بِضْعِ سَنوات . أمَّا اللبنانيون بل والسُّوريُّون ، وَقَبلَهُمُ الفِلسطينيون ، فإنَّهُم يَهرُبُونَ مِنَ العَوَزِ والجُوع ، وليسَ لَهُمْ مَشروعٌ إلاّ رَجَاءَ البَقَاءِ على قَيدِ الحَياة . ونحن نعلمُ أنَّ المِئاتِ بَلِ الآلافُ مِنْهُم تَطوِيهِمْ غَيَاهِبُ البِحَار . فَهَلِ اختلافُ المَصائرِ عِلَّتُهُ افْتِقَادُ المَشرُوع ؟، أو أنَّ اللبنانيين لم يُناضِلوا كَمَا نَاضَلَ الرَّسُولُ صلى اللهُ عليه وسلمَ وأصحابُه طَوالَ مَا يَزِيدُ على القَرْن ، كانَ المُهاجرون اللبنانيون يَمْتَلِكُونَ مَشارِيعَ فَردِيَّةً أو جَمَاعِيَّة . أمَّا اليوم، فإنَّ المَشارِيعَ انْعَدَمَت ، وَطَرَدَتْهُمُ الفئاتُ الحَاكِمَةُ – مُسلَّحَةً أو غَيرَ مسلَّحةٍ – مِنْ دِيارِهم . وبعضُ الفئاتِ الحَاكِمَةِ والمُتحَكِّمَةِ عِندَنَا يتصرفون بفُجُورٍ أَسوَأُ مِنْ فُجُورِ كُفَّارِ قُريش، فأولئكَ اخْتَلَفُوا مَعَ المُسلِمِينَ الأوائلِ على الفِكرَة ، أمَّا بعضُ المُتَنَفِّذِين عِندَنا ، فقدِ اتَّفَقُوا على تَدمِيرِ حَياتِنَا ، وَجَعلِهَا مُستَحِيلةً ، بِحيثُ صِرْنَا مُخيَّرِينَ بَينَ خِيَارَينِ أحْلاهُما مُرّ : المَوتُ قَتلاً في أَوطَانِنا ، أَوِ الفَنَاءُ خَارِجَ تلكَ الأوطان ، وَحيثُ تَفقِدُ الحَياةُ مَعنَاهَا الإنسانَيّ.
أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :
الوَطَنُ عزيز ، ونحن اللبنانيين مَضرُوبٌ بِنا المَثَلُ في حُبِّ الوَطَن، لكنَّ المَكَارَةَ التي نَشَرَها المُتحَكِّمُون ، جَعَلتْ مِنَ العَيشِ في الوَطَنِ قِطعَةً مِنَ العَذَاب . هناكَ مُطارَدَةٌ في الليلِ والنَّهَار، وَإطباقٌ على جَعلِ العَيشِ مُستحِيلاً. ومَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الأشِقّاءِ وَالأصدقاء، وَمِنَ المُؤَسَّسَاتِ الدَّولِيَّة ، إلَّا وَنَصَحَ بِالتَّغيِيرِ وَالإصلاح . وَاعْتَقَدَ شَبَابُنَا أنَّ الحلَّ في الانتخابات . لكنَّ التَّغيِيرَ الذي جَلَبَتْهُ الانتخاباتُ ضَئيلٌ وَفَاقِدٌ في كَثيرٍ مِنْ وُجُوهِهِ لِلمَعْنَى. الوُجُوهُ هي الوُجُوه ، والتَّصَرُّفاتُ هي التَّصَرُّفات . لقد عَلَتِ الصَّرَخَاتُ فقط ، وَمَا تَزَالُ السُّلُطَات ، وَمَا تَزَالُ البُنُوكُ على سَطْوَتِها وَعَلى قَسوَتِها على المُوَاطِنِين ، مُعظَمِ المُوَاطِنين . وَظُرُوفُ التأزُّمِ تُخرِجُ مِنَ النَّاسِ أَسْوَأُ مَا في غَرائزِهِم . تَصَوَّرُوا ونحن على هذه الحَالَةِ مِنِ انْعِدَامِ الأَمْنِ وَالأَمَان، وَالحَيَاةِ الكَرِيمَة ، أَنْ تَأْتِيَ الدَّعوَةُ إلى تَقْسِيمِ بَلدِيَّةِ بَيرُوت . أَلا يَكْفِينَا مَا نَحنُ فيه مِنْ طَائفيةٍ بَغِيضَةٍ ، وَشَرذَمَةٍ لا حُدُودَ لها ، واقتراحاتِ مَخَارِجَ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلطَان، حتى نَصِلَ إلى الدِّفَاعِ عِنْ بَقايَا العَيشِ المُشتَرَك ، والجِوَارِ الآمِن ، وإنسانِيَّةِ الإنسان؟!
أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :
مَا يَزَالُ تَشكِيلُ حُكومَةٍ عَامِلَةٍ مُتَعذِّراً كَالعَادَةِ ، مع أنَّ المَطْلوبَ والمُلِحّ هو تشكيلُ حكومةٍ فاعلةٍ بأسرعِ وقتٍ ممكنٍ لتداركِ الانهياراتِ الكارثيةِ التي يعاني منها المواطنون والوطن . والمطلوبُ أيضاً التقيد بالمهل الدستورية لانجازِ الاستحقاقاتِ المقبلةِ في مواعيدها ومن أهمها انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية يكون على قدْرِ آمالِ وتطلعاتِ اللبنانيين ، أمَّا عن المَرَافِقِ التي مِنَ المَفرُوضِ أنْ تَخْدُمَ المُواطِنِين ، فَكُلُّها مُفَكَّكَةٌ أو مُتَعَطِّلة . وَيَقولُ لنا فلان : إنَّ الآخَرِينَ مَنَعُوهُ مِنَ الإصلاح . فَمَنِ الذي مَنَعَ مِنْ إِصلاحِ الكَهرَبَاء، وَخَرَّبَ القَضَاء ، وَأَغَارَ على البَنْكِ المَركَزِيّ ، وَتَنَبَّهَ فَجْأَةً إلى أنَّ هناكَ مَنْ يُخالِفُ القانون ؟. وهذا الخَرَابُ المُتَعَمَّدُ كُلُّه ، وَمَعَ ذلك ، هُنَاكَ الشَّكْوَى مِنْ ضَآلةِ الصَّلاحِيَّات ! الصَّلاحِيَّاتُ مُطلقَة ، لكنَّهَا دَائماً لِلتَّخريبِ وليسَ لِلبِنَاء.
أيها اللبنانيون :
دارُ الفَتوَى حَرِيصَةٌ على القِيَمِ الدِّينِيَّةِ المُمَثَّلَةِ بِمُؤَسَّسَاتِهَا وَرِجَالِهَا مِنَ المُسلِمِينَ وَالمَسِيحِيِّين، الذين هُمُ الدِّرْعُ الوَاقِي لِتَعزِيزِ مَكارِمِ الأخْلاقِ وَالتَّسَامُح، وَالرَّحْمَةِ وَالمَحَبَّة، التي لا يُمْكِنُ لِهذِهِ القِيَمِ أنْ تَجْنَحَ نَحوَ عَدُوِّ الأَرضِ وَالعَقِيدَةِ وَالمُقَدَّسَات.
أمَّا بِالنِّسْبَةِ إلى تَرسِيمِ الحُدُودِ البَحرِيَّة ، فهوَ حَاجَةٌ وَطَنِيَّة ، وَتَوقِيعُ الاتِّفَاقِ يُعطِي الأَمَلَ بِمُستَقبَلِ لبنان ، الدَّولَةُ هِيَ صَاحِبَةُ القَرَارِ في مُفَاوَضَاتِ التَّرسِيمِ بِخُبَرَائها ومُخْتَصِّيَها ، وَهِيَ المَسؤُولَةُ الوَحِيدَةُ عَنِ الوَطَن ، بِالتَّوَصُّلِ إلى تَحقِيقِ مَطَالِبِها وَمَصَالِحِها الوَطَنِيَّة ، وهذا الأَمْرُ يَتَطَلَّبُ الكَثِيرَ مِنَ الحِكمَةِ وَالدِّرَايَةِ وَالطُّرُقِ الدِّبْلوماسِيَّة ، وَلا غَيرَ ذَلك ، وَلْيَكُنْ مَعلوماً إذا حَصَلَ تَرسِيمُ حُدُودِنَا البَحرِيَّة ، وَتَمَّ الاتفاق ، فهذا هو حَقُّ لبنانَ الطَّبِيعِيُّ في ثَرَوَاتِهِ البَحرِيَّةِ مِنَ العَدُوِّ الإسرائيليِّ المُحتَلِّ لِأرضِ فِلَسطِينَ وَمِيَاهِهَا، وهذا يَتَطَلَّبُ مِنَّا الوُقُوفَ بِحَزْمٍ حَولَ القَضِيَّةِ الفِلسطِينِيَّة ، والسَّعْيَ عَرَبِيّاً وَدَولِيّاً لإقامَةِ الدَّولةِ الفِلسطِينِيَّةِ المُستَقِلَّة ، وَعَاصِمَتُهَا القُدْسُ الشَّرِيف.
وَلْيَعْلَمِ القَاصِي وَالدَّانِي أَنَّ لبنانَ كَانَ وَسَيبْقَى ، بِعُمْقِهِ وأُمَّتِهِ العَرَبِيَّة ، وَتَعَاوُنِهِ مَعَ أشِقَّائهِ العَرَب ، مِنْ خِلالِ التِزَامِهِ قرَارَاتِ جَامِعَةِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّة ، التي أَكَّدَتْ أنَّ لبنانَ دَولَةٌ عَرَبِيَّةٌ حُرَّةٌ مُستَقِلَّة ، وهذا يَدْفَعُنا لنُؤكِّدَ أنَّ عَيشَنَا الوَاحِدَ يكونُ بِوَحْدَتِنَا الوَطَنِيَّة، لِيَبْقَى لبنانُ بِتَنَوُّعِهِ الإسلامِيِّ المَسِيحِيّ ، نَمُوذَجاً حَضَارِيّاً في هذا الشَّرقِ العَرَبِيّ ، الذي يَئِنُّ مِنَ الأَزَمَاتِ المُتَلاحِقَة ، بِسَبَبِ الاحتلالِ الصُّهْيُونِيِّ لأرضِ فِلَسطِينَ المُبَارَكَة.
أيها المسلمون :
في ذِكرَى الهِجرَة ، نَتَذَكَّرُ قَولَهُ صَلواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عليه : (إنَّمَا الأَعمَالُ بِالنيَّات ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى . فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِه ، فَهِجْرَتُه إلى اللهِ ورَسُولِه ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنيا يُصِيبُها أَوِ امْرَأةٍ يَنْكِحُها ، فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إليه) . فالنيَّةُ أَصْلٌ في صِحَّةِ العَمَل ، سَواءٌ كانَ العَمَلُ بِالدَّاخِلِ الوَطَنِيّ، أَو عَمَلَ مُهَاجِرٍ لبنانِيٍّ قَدِيمٍ مِنْ أَجْلِ الدَّاخِلِ المُعاني.
في ذِكرَى الهِجرَةِ التي أَنْشَأَتْ أُمَّةً وَدَولة ، نَسأَلُ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعالَى ، أَنْ يُوَفِّقَنَا لِصِحَّةِ النَّوَايَا، وَصِحَّةِ الأعمال . وقد نَهَانَا القرآنُ الكَرِيمُ عَنِ التَّلاعُنِ وَالتَّبَرُّؤِ فقال : ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ . لكنَّنَا نَقول : يا رَبِّ غَيِّر، يا رَبِّ نَجِّنا مِنْ شُرُورِ الحَاكِمِينَ المُكَابِرِين ، يا رَبِّ أَنْقِذِ المُوَاطِنينَ المَسَاكِينَ مِنْ أَهْوَالِ المُسَيطِرِين .
في مُنَاسَبَتَينِ يَتَحَدَّثُ القرآنُ الكريمُ عَنِ الحُبِّ والرِّضَا فيقولُ : ﴿رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ وَرَضُوا عنه﴾. وَيَقولُ : ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه﴾. فيَا رَبِّ هَبْ شَعْبَنَا حُبَّكَ وَرَحْمَتَكَ وَرِضَاك. فَقَدْ بَدَأْتَ عِبَادَكَ بِالمَحَبَّةِ وَالرِّضَا ، وَقُلْتَ وَأنْتَ الأَجَلُّ الأعلى : ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾. فآمِنْ وَطَنَنَا ، وَارْحَمْ كِبَارَنَا وَصِغَارَنَا ، وَاهدِ شَبَابَنا إلى مَا تُحِبُّ وَتَرضَى ؛ إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيم . وَيَا رَبِّ سَلِّطْ قُدرَتكَ وقهْرَكَ على البُغَاةِ وَالطُّغاة ، الذين يَتَمَرَّدُونَ عَليك، وَيُعَذِّبونَ عِبادَك .
في ذِكرَى الهِجرَة، نَلُوذُ بِالإيمانِ بِكَ مِنْ هذا الهَول ؛ فإنَّهُ لا كاشِفَ لِلغُمَّة إلاَّ أنت . اِرفَعْ هذه الغُمَّةَ عَنْ عِبَادِك ، كَمَا رَفَعْتَها عَنِ المُهَاجِرِينَ الصَّادِقِينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم : ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ صَدَقَ اللهُ العظيم .
وكلُّ عامٍ هجريٍ وأنتم بخير ، والسَّلامُ عليكم ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه.