بقلم الناشط السياسي أسعد م.الراعي
بعد مرور ١٠٠ عام على إِنشاء وإِعلان دولة لبنان الكبير جاء هذا التفجير المزلزل…
أَن يكتب المرءُ عن هذا الحَدَث المُفجع لهوَ أَمرٌ صعبٌ للغاية. فما عساه أَن يقول !! لقد قيل الكثير وما يجب أَن يُقال لا يزال قَيد الكتمان أَعني بذلك “الحقيقة” و”العدالة”.
أَمطلوبٌ هو، وصف الكارثة ؟
وهل من أَحدٍ يمكنه وصفها ؟
أَمطلوبٌ هو، إِحصاء الأَضرار ؟
وهل من أَحدٍ لديه دِقَّة الإِحصاء ويقارن بين ما قبل التفجير وما بعده ؟
أَمطلوبٌ هو تخمين وتقدير قيمة الخسائر ؟
لذلك، حين نتَّفق على الوصف والإِحصاء والتخمين، تتَّضِح معالم الخسائر، وليست بالطبع جميع الخسائر.
الخسائر الماديّة يمكن حصرها وتقديرها لكن ما هو أكيد، أَنه لا يمكن تقدير قيمة الخسائر في الأَرواح والخسائر في المعنويات والخسائر في النفوس.
اليوم سوف أَكتب، سوف أَستلهم وأَكتب، سوف أَتناقش مع الله وأَكتب.
أَسأل الله أَولاً : لماذا حصل ما حصل ؟ أَهذا قضاءً وقدراً ؟
لماذا الضحايا البريئة تكون دائماً الهدف الأسهل ؟ مسنّين، عجزة، نساء، رجال، شابات، شبّان، أَطفال…
لماذا تشريد العائلات فقد كانوا يعيشون بالسِتر مع ذكرياتهم وتذكاراتهم ومدخَّراتهم وأَحلامهم.
لماذا هذا الكَمّْ الهائل من الدمار ؟
إِنه نصف العاصمة بيروت : سيارات، بيوت، محال تجارية، مستودعات، بُنى تحتيَّة، مؤسسات، دور عبادة، مستشفيات ومدارس وغيرها.
بيروت مدينة الفقير والغني مدينة المشرَّد واللاجئ بيروت التاريخ بيروت أُم الشرائع بيروت العيش المشترك بيروت الحريّة والمتجددة دوماً…
ما هدف هذه الرسالة يا رب ؟
أَلهذه الدرجة كنّا نعيش اللامبالاة والإِستهتار في لبنان كي يكون التفجير نتيجة ؟
أَلهذه الدرجة كانت “معميَّة” قلوبنا ؟
أَلهذا الحد يسيطر الشر والإرهاب ؟
أَهَلّ هذا هو عقابٌ لنا ؟ عقاب، من لا يحاسب مسؤول ؟
نحن نرضى بمشيئتك يا رب لكن على ما هو واضح أَنه طالما لم تَظهَر الحقيقة بعد ولم يحاسب المسؤول، نعتبر أَن التفجير سيتكرر في كل لحظة والشرّ لا زال مسيطراً.
أَهالي الضحايا، لغاية هذه الساعة، يعيشون ما هو أَبشع من هذا التفجير.
أَصحابَ المُمتلكات المدمَّرة يتحطَّمون بإستمرار عند شروق الشمس ويردِّدون : “راح جنى العمر”.
من سافر وترك وطنه لبنان منذ ٤ آب ٢٠٢٠ وبعده يعيش الحزن والصدمة وكَسْرَ الخاطر أينما هو…
بالحقيقة، ليس هنالك مكاناً للإِنسانية أو للمسؤولية عند مَن :
خطط لإِستيراد هذه المواد، من “طنَّشَ” عند وصولها المرفأ وتفريغها وتخزينها، مَن أَمَّن حراستها وواكبها بسريَّة تامَّة…
إِنه بالحقيقة “جُرمٌ” عن سابق تصوُّر وتصميم بكل ما لهذه الكلمات من معنى.
السؤال البديهيّْ لجميع المسؤولين سياسيين كانوا أَو عسكريين : عن ماذا أَنتم مسؤولون ؟!
الشعب، لن يكفر لأَن إيمانه كبير، بالله أَولاً وتشبُّثه وحبِّه للوطن لا حدود له، لكن الثمن باهظ وهذا هو ثمن الأَوطان.
من يعطينا وطناً، يمكنه إِسترجاعه منّا ساعةَ يشاء… الأَوطان لا تُعطى بل تؤخذ وشعبها هو من يحافظ ويدافع عنها حتى الشهادة… الأَوطان تُنظَّم من خلال دولة قادرة ومؤسسات دستورية وقواها العسكرية المسلَّحة الشرعية، ويكون شعبها هو مصدر السلطات فيها وهو من يُثبِّتها ويُشرِّعها.
أَما رجال السياسة ورجال الدولة بالمطلق عليهم أَن يكونوا من نخبة المواطنين المنذَّهين المترفِّعين أصحاب كفاءة وحنكة وحكمة، لا يمكنهم التغاضي عن أي شيء، فَمَن يتهاون بالصغائر يسقط رويداً رويداً بالكبائر، فالحُكم مسؤوليَّة والمنصب هو لتطبيق القوانين وليس للتباهي أو للغطرسة…
أيها المسؤول سوف تُحاسَب والتاريخ لن يرحمك.
هذا التفجير المشؤوم هو وصمة عارٍ على جبين من سيُظهره التحقيق وكل من لم يتحمَّل المسؤولية.
أرواح الشعب وممتلكاته وتاريخه وتوازنه وأحلامه ليسوا لعبةً بِيَدِ أَحدٍ مهما علا شأنه.
أيها الضحايا، أُرقدوا بسلام، أنتم شهداء الوطن في سبيل قيامته، وعدنا لكم أَن ما بعد ٤ آب ٢٠٢٠ لن يكون كما قبله.
وللأهالي والمنكوبين، صبَّرَكم الله، سوف تنعمون بالوطن وسوف تتجزَّرون فيه أَكثر وأَكثر، فدماء ضحاياكم وعرق جبينكم امتزجوا مع ترابه… ثقوا بذلك .
لبنان يَسْتَحِقّْ، وسيتحوَّل هذا التفجير الى ركيزة اساسيَّة صلبة لبناء دولة لبنان جديد وشعب وطنيٌّ راقي مع بداية المئويَّة الثانية.
بيروت ٤ آب ٢٠٢٢