بقلم د. يوسف سلامة – وزير سابق ورئيس لقاء الهوية والسيادة
في الأول من أيلول سنة ١٩٢٠ ولدت دولة لبنان الكبير من رحم الانتداب الفرنسي وبإرادة لبنانية جزئية.
في ٢٢ تشرين الثاني من سنة ١٩٤٣ أبصرت دولة الاستقلال النور بمساعدة بريطانية وبإرادة وطنية جامعة.
١٣ نيسان ١٩٧٥ انفجرت حرب أهلية إقليمية كشفت ازدواجية الولاء عند اللبنانيين وأطاحت بمرتكزات الدولة وبوجهها الحضاري فخسر اللبنانيون وأهل المشرق وجمهور الصحراء العربية متنفسًا لهم وواحة سلام وحرية ورقي.
وفي ٤ آب ٢٠٢٠ انكشف تآمر الخارج والداخل على لبنان فامتزج الدم اللبناني في معمودية واحدة وواجه مصيراً واحداً.
تبلورت مع الحدث صورة المواطن اللبناني و المواطنية اللبنانية على أنقاض دولة لبنان الكبير ومن رحم انفجار مرفأ بيروت الذي تسببت به قوى الشر المتمثلة بسلاطين الخارج وشياطينه، وبسلطة داخلية متواطئة وعميلة.
٤ آب ٢٠٢٠ سيبقى ذكرى مؤلمة تهز ضمائرنا، ومحطة اليمة تمزق أحاسيسنا وتحرق وجداننا الوطني لتجعل من رماده شعلة تضيء على واقع دولة لم يعرف أبناؤها أن يحافظوا عليها يوم كانت في ربيع شبابها، وترسم في الوقت نفسه مسيرة وطن كان وسيبقى كبيرا في ذاكرة التاريخ.
٤ آب ستظل تشهد على مأساة شعب حاصرته الطائفية والمذهبية في مربع انتحاري لم يعرف يوما أن يكسر طوقه ويخرج منه ويحاسب جلاديه وينتخب سلطة توصله إلى بر الأمان.
مهما حاولوا تزوير التاريخ ورفع بصمات جريمتهم عبر هدم إهراءات بيروت ليحولوا دون أي محاكمة قضائية جدية وعادلة، لبنانية كانت أم دولية، فإنهم لن ينجحوا بمحو آثار الجريمة من ذاكرة ووجدان اللبنانيين والعالم.
لقد كشف ٤ آب صورة الجلاد الذي يحكمنا وصورة الشعب القطيع الذي نأمل منه أن يتمرد على ذاته ليدخل التاريخ بإرادة صلبة، حرة وناضجة، تعكس بصدق فكر قدموس وتطلعات أهل فينيقيا وعزيمتهم، ووطنية وطموح الأمير فخر الدين المعني الكبير، ورؤية وحكمة البطاركة الكبار الذين رأوا بلبنان الكبير موئلا للحرية ومختبرا لثقافة الحياة المشتركة فجعلوه أكبر من وطن وحولوه إلى رسالة لن يقوى عليها جوع التسلط الكافر ولا كل أطماع الإقليم والعالم.
فلو لم يكن لبنان موجوداً، لوجب إيجاده ليبقى منارة تشِع ومساحة حوار وتلاقٍ تُعيد للإنسانية معناها المرتجى و للحضارة بعدها الشمولي و الوازن.
يا شبابنا الواعد لا تخف…
حتى لو سكت شعبنا واستسلم لماضيه البشع فستصرخ به حجارة بيروت الجريحة وتعيد له نبض الحياة.