بقلم العميد الركن جوزاف الأسمر – ضابط متقاعد من الجيش اللبناني
لن انسى ذاك اليوم الرهيب الواقع في الرابع من شهر أب عام ٢٠٢٠.
حوالي الساعة السادسة مساء و آنا في منزلي في عين الرمانة سمعت انفجار عميق كأنه ناتج عن انفجار قنابل فراغية كالتي استخدمت في حرب تموز عام ٢٠٠٦ من قبل سلاح الجو “الصهيوني”.
وسمعت هدير طائرات حربية فتوجهت من غرفة القعدة الى الشرفة و قبل وصولي إلى الدار سمعت انفجار هائل و عصف غير مألوف هزّ البناء و قبع الواجهة الغربية و تبعثر الزجاج.
ظننت أن سيارة مفخخة قد انفجرت في الشارع الملاصق للبناء، خرجت الى الشرفة و لم أرى أي شيئ غير غيمة كثيفة فوق المرفأ ولم أعد أسمع غير هدير طائرات حربية.
بدأت الأخبار تصل عن الانفجار تباعا و بدأ ينكشف حجم الدمار و تتصاعد ارقام الإصابات.
تلقيت اتصال من غرفة عمليات الثورة ( جبهة ١٧ تشرين ) يطلب مني التوجه إلى منطقة مستشفى الروم في الإشرافية مع الشباب لمعاينة بناء قديم أنهار على قاطنيه.
وصلنا و كان المشهد الرهيب، بناء تحول إلى ركام، صراخ، اصوات سيارات الإسعاف و ذهول عام.
بدأنا عملية إنقاذ سريعة دون توافر العتاد اللازم لإنجاز المهمة، و استمر عملنا حتى صباح اليوم التالي، حيث عثرنا على خمسة أشخاص أحياء تحت الركام من بينهم طفل لم يتجاوز الخمس سنوات، مع انتشال أربعة جثث أخرى.
توجهنا من بعدها الى مكتبي الكائن في منطقة المدور المنطقة الاكثر تضررا، و كان مغطى بالزجاج المبعثر و أكملنا الى المرفأ لاستطلاع الوضع الميداني، لم نتمكن من الدخول الى حرم المرفأ بسبب الطوق الأمني المحكم.
تبنى “العدو الصهيوني” عملية التفجير بعد دقائق من حصولها، لكنه تراجع بعد وقت وجيز حين علم بالعدد الكبير للإصابات، الاف الجرحى و الشهداء و بمستوى التدمير و اتساع دائرته.
تفجير ٧٥٠ طن من نيترات الأمونيوم “% 33 Azot” يعني بالمفهوم الحربي “ذخيرة تدمير شامل”.
هذا التفجير بمثابة “انفجار نووي” حصل في وسط بيروت العاصمة نتيجة لتخلّي الدولة اللبنانية عن سيادتها حتى على المرافق العامة، ونتيجة لانتشار الفساد الإداري، الذي يأخذ طابع المحاصصة و التسليم بالأمر الواقع و الخضوع لإرادة الدويلة و شياطينها المنتشرين في مختلف مراكز الدولة الإدارية و العسكرية و الأمنية.
الغريب، و رغم كل الذي حصل اجتمع، المجلس النيابي الجديد مؤخراً و في أول جلسة تشريعية له انتخب أعضاء “المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”، كل ذلك من أجل حماية المتهمين و المطلوبين للعدالة بتفجير المرفأ ومنهم “رئيس الحكومة السابق حسان دياب، الوزراء السابقين علي خليل، غازي زعيتر و يوسف فنيانوس….”.
في هذه الذكرى، يوم الرابع من آب سننطلق بتظاهرة من أمام اطفائية بيروت بإتجاه بوابة مرفأ بيروت تحت شعار “سنحاسب مسببي تفجير ٤ أب”.