بقلم العميد الركن جورج نادر – جبهة 17 تشرين
الإنفجار الهائل المصنّف الأشد في العالم بعد هيروشيما وناكازاكي، والذي حصد أكثر من 230 قتيل و6000 جريح ودمّر أكثر من نصف العاصمة وهجر سكانها، لم يستطع أن يهزّ ضمير المسؤولين ولا أن يحرّك فيهم أدنى شعور من الإنسانية والمواطنة.
تضامن اللبنانيين فيما بينهم، و حشدوا طاقاتهم وإمكاناتهم الفردية والجماعية، وتنادت الجمعيات الأهلية والمواطنون إلى المساعدة الطوعية، فمنهم من قدّم الجهد والعمل اليدوي، ومنهم من سخّر الآليات والمعدّات والمال اللازم لشراء المستلزمات لتنظيف وإعادة البناء.
ولم يُلحظ، بإستثناء الجيش، أي مؤسسة رسمية ساعدت أو ساهمت في جزء يسير من هذا العمل الضخم الذي هو مسؤولية السلطة دون سواها، هذه السلطة التي تسبّبت بشكل أو بآخر، بالتغاضي أو التواطؤ أو اللامبالاة أو التقصير أو السكوت المريب أو التخطيط أو المساعدة في التنفيذ، بإستقدام المواد المتفجّرة وتخزينها وإفراغ القسم الأكبر منها خارج المرفأ.
هذه السلطة المتّهمة من قبل القضاء العدلي، حمت المتّهمين وقادة أجهزة أمنية، ولم تسمح للقضاء حتى بالإستماع إليهم بالتذرّع بالحصانة تارةً، وطوراً بدعاوى الردّ والشك ومخاصمة الدولة.. ألخ، حتى أن بعض المتهمين ترشحوا للإنتخابات النيابية وفازوا، كما حصدوا العدد الأقصى من أصوات النواب في إنتخابات اللجان النيابية، وفي لجنة الإدارة والعدل، والمفارقة العجيبة : نائب متّهم وفار من وجه العدالة، يُنتخب للجنة العدل…
سلطة سقطت أخلاقياً وشعبياً، وتسبّبت للوطن بعزلة عربية ودولية، لا زالت تُمسك برقاب الناس وأرزاقهم، تجوّعهم، تفقّرهم، تحرمهم أدنى مقوّمات الحياة من ماء وكهرباء واتصالات وحتى رغيف الخبز.
قبل 17 تشرين، كنا مع بعض الرفيقات والرفاق في ما سُمّي آنذاك بالمجتمع المدني نتساءل دوماً : اين غضب الشعب، ولماذا يستكين للفساد والتبعية، لماذا يستسلم لقدره ولا يثور لكرامته وحقّه في الحياة الحرة الكريمة ؟
وأتت اللحظة التي كنا نتظر، ونزل الشعب بمئات الآلاف إلى الساحات والشوارع وملأها هاتفاً : الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي، إصلاح النظام، كلن يعني كلن…، استبصرنا خيراً واعتقدنا أن لحظة الحساب دنت، الشعب المنتفض سيُسقط العروش والقصور والزعامات الطائفية، ويستردّ السلطة المغتصبة…
لا أريد تحليل اسباب تعثّر أو فشل، كما يحلو للبعض التوصيف، الإنتفاضة، فهي كثيرة وتحتاج إلى أكثر من مقال وندوة، إنما أعتقد أن الأيام التي نعيش هي شبيهة بالتي سبقت 17 تشرين، لكنّ سوادها أحلك، ولحظة الإنفجار الشعبي آتية، ليست كـ 17 تشرين، بل ستأخذ منحىً عنفياً في الإتجاهات كافة.
والمحرّك الأساسي لهذا الإنفجار هو الحاجة الماسّة إلى أدنى مقوّمات الحياة من رغيف وماء وكهرباء وإتصالات، ولأن شظايا هذا الإنفجار ستطال كل الزوايا والخبايا وكل الشوارع والساحات و”البيئة” الحاضنة لمن يسمّون أنفسهم أحزاباً وزعماء يرتدون عباءات الطوائف و “يوظّفون” الدين في خدمة مصالحهم…
لذلك يقتضي على كل مجموعات ومكوّنات قوى التغيير والثورة، لمّ الشمل، خصوصاً بعد هذه الانتخابات التي أفرزت القمح من الزؤآن، و ظهر بوضوح في صفوفها من يعمل لصالح أحزاب السلطة وأجهزتها، وبان المرتشي والمتسلّق والوصولي، حيث بقي فوق الغربال القوى والأشخاص الأنقياء الملتزمون الواعون.
وعلى هذه القوى، إلتزاماً منهما بمبادئ 17 تشرين، إعادة التجمّع وفق رؤية سياسية واضحة، وإنتاج حزب علماني رؤيوي نهضوي يواجه أحزاب السلطة، والعمل على إزالة النهج السياسي الطائفي البائد، وإقامة سلوكيات سياسية وطنية متطوّرة تبني دولة الحق والعدالة والسيادة والحرية.
على هذه القوى، التي ليس لديها ترف الوقت، مسؤولية إعادة الأمل للناس، الذين فقدوا الأمل، وإستعادة ثقتهم بـ “الثورة” كي تبقى الشعلة التغييرية مضاءة، فالوقت يداهمنا، وأهل السلطة في كوكب، آخر والإنفجار أتٍ في وقت ليس ببعيد…