تداعيات كارثية إذا حصل تصحيح رواتب القطاع العام من هذا المصدر

نطبع من ناحية ونسحبها من ناحية اخرى

مع إرتفاع سعر صرف الدولار وهبوط قيمة العملة الوطنية، وإنعاكسها على حياة المواطنين جميعاً ومن بينهم موظفي القطاع العام، دفع بموظفي القطاع العام المطالبة بربط أي زيادة أجور بالدولار، والأمر الذي يحذر منه الإقتصاديون، متسائلين من أين سيتم تمويلها، خصوصاً ان التجارب السابقة في هذا الصدد، لم تكن مشجعة. ففي العام 2017 أقرت سلسلة الرتب والرواتب بعد مطالبات دامت 5 سنوات، كما كانت الكلفة مقدرة بـ 900 مليون دولار وكانت النتيجة أن كلفتها وصلت الى 3 مليار دولار.

ولا شك أن التضخم الحاصل في الإدارة العامة كان أحد العوامل الأساسية في تطور الأزمة سوءاً، وهذا ما يؤكده الخبراء الإقتصاديون، إذ أن التضحم كانت له أسبابه وأبرزها عدم التخطيط لحاجة الإدارات والمؤسسات العامة من الموظفين، ناهيك عن المحسوبيات في التوظيف.

ففي البلدان التي تشهد نمواً إقتصادياً وتدفع فيها الضرائب وموازنتها مدروسة ومعتدلة لن يصل برفع الاجور الى إحداث أي تضخم، ربما تداعيات اخرى.

ويؤكد الباحث الاقتصادي والقانوني في المعهد اللبناني لدراسات السوق، كارابيد فكراجيان في حوار مع “نيوزفوليو أن الزيادة على الاجور في حد ذاتها لا ينتج عنها تضخم، وأن المشكلة الأساسية هي من أين سيتم تمويل رفع الأجور، لافتاً الى أن أي تمويل سيحصل عبر طباعة الليرة لا محال، لأن الحكومة لا يمكنها أن تقترض من اي جهة ولا خيار أمامها للتمويل الا من خلال البنك المركزي.

ويذكّر فكراجيان بما اعتمد سابقاً في تمويل زيادة الأجور، إذ كان هناك عجز وكانت تموّل الزيادة من ثم يقوم المصرف المركزي بسحب دولارات المودعين ليثبت سعر الصرف من خلال الهندسات المالية، وكنا نخبىء طبع النقد، بحيث “نطبع من ناحية ونسحبها من ناحية اخرى”.

حالياً، لا يمكن إعتماد الإستراتيجية نفسها، علماً “أنها تحصل على نطاق ضيق من خلال منصة صيرفة، وأصبحت مكشوفة وواضحة الفهم”، على حد قول فكراجيان، فيما الحل المتبقي يقتصر على طباعة مصرف لبنان لليرة لإقراض الحكومة.

ويحذر فكراجيان من أن زيادة الكتلة النقدية نتيجة الطبع هي التي ستسبّب تضخماً، ويكون إتجاه التضخم بحسب نسبة الزيادة، وستكون الزيادة خرافية إذا حصلت بحسب ما يقال أن تحتسب قيمة الراتب بالدولار على سعر صرف 1500 ومن ثم تدفع بالليرة اللبنانية على سعر منصة صيرفة، ما يؤدي الى تضخم هائل.

وفي سياق متصل، دولرة الإقتصاد باتت أمراً واقعاً ولو كان مقنّعاً، وليتمكّن اللبنانيون عموماً والموظفون في القطاع العام من تحمّل الأعباء قد لا يكون الحل في دولرة الرواتب فحسب، وبحسب فكراجيان الحل ان نقلّص القطاع العام لتتمكّن الحكومة من تحمّل قيمة الرواتب.

ويشدّد فكراجيان على ضرورة أن تقدّم موازنة بلا عجز ودون فرض ضرائب على الناس. وبالمقابل، ما يحصل حالياً من قبل المعنيين هو البحث عن واردات تغطّي أي زيادات في الرواتب، من خلال الدولار الجمركي وغيره، فلا يمكن تأمين قيمة أي رفع للرواتب إلا إذا أدخلت واردات على الخزينة.

ويشير فكراجيان الى أن الإعتماد على الضرائب لن يؤمن المطلوب، والأرقام التي يتوقعونها لن يحصلوا عليها وفي نفس الوقت سيدفع الأمر بالمؤسسات التي لا زالت تصارع وتعمل باللحم الحي و”بخسارة ” الى المجهول.

بالمقابل، تفيد مصادر في مصرف لبنان أنه حالياً لا يقوم المصرف بطباعة أموال بالعملة اللبنانية، إذ يقوم بجمع الكتلة النقدية من الأسواق، إنما في نهاية المطاف قد يحصل هذا الأمر.

ويلفت فكراجيان الى أنه “في بلد كلبنان خاضع لخضّات ولا يوجد فيه أي إستقلالية للمؤسسات وبنفس الوقت يقع في نقطة إقليمية تعاني من مشاكل، لا يمكن السير بمنحى السياسة النقدية الاستنسابية المعتمدة ونعني بإستنسابية، بحسب تعريفها الحقوقي والقانوني، سلطة استنسابية في يد الحاكم، الذي يخضع لضغوطات من قبل الجميع”.

ويعرض فكراجيان بعض الحلول التي قد تكون مفيدة ومنها “إما السماح للناس التسعير بالدولار او الإتجاه كلياً الى الدولرة الشاملة أو إنشاء مجلس نقد”، لافتاً الى انه اذا لم تغطِ الكتلة النقدية 100% بالدولار، لن يؤدي ذلك الى إسترداد الثقة. وإذا كانت فكرة إنشاء مجلس نقد غير مرحب بها، فليتم الإتجاه الى الدولرة لأن ذلك له تأثير على القدرة الشرائية للناس.

المصدر : المعهد اللبناني لدراسات السوق (LIMS)

اخترنا لك