بقلم غادة المرّ – كاتبه وناشطه سياسية
بيروتشيما… صناعٌةٌ لبنانيّةٌ من صُنعِ حكّامِنا ودولتِنا، فخرُ الصّناعةِ المحليّةِ.
نحنٌ رهائنُ تلكَ السّلطةِ… حررّونا. نحنُ أمواتٌ لم يُعلَنْ عن وفاتِهم بعدُ.
يا بيروتُ… سلامٌ لأرضٍ خُلِقَتْ للسّلامِ، وما رأتْ يوماً سلاماً، فمن أجلِكِ يا بيروتُ نُصلّي.
هذا الصّباحُ، صباحٌ يحملُ دموعَ الأطفالِ والشّهداءِ والأبرياءِ.
أشرقتْ شمسُ لبنانَ ،منذُ قليلٍ، إنبلجَ فجرٌ جديدٌ ونمتْ للفاجعةِ، براثنٌ وصمتٌ يشبه الصراخَ والأنينَ والوجعَ ،يشقُّ وجه َ السّماءِ.
أشرقَتْ الشّمسُ منذُ قليلٍ ، ويا ليتها لم تفعلْ. تمهّلْ يا فجر َالوجعِ، لا تسرعْ. تأخّرْ فالوجعُ لا يُحتَملْ، والفاجعةُ جللٌ. ووطني قلبُه لم يعدْ يحتمل ْ.
طلعَ النّهارُ ونمتْ للفاجعةِ عيونٌ وأفواهٌ. لم يعدِ الشّهداءُ الّذين كانوا للأمسِ القريب ِ بيننا سوىَ خيالاتٍ وصورٍ. كانوا البارحةَ أرقاماً ومجرّدَ أسماءٍ تبثُها الشّاشاتُ وتُكتبُ على أوراقِ المراسلين والصّحافيّن على أبوابِ المستشفياتِ.
اليومَ أصبحوا وجوهاً وملامحَ بشرٍ كانوا للأمسِ ينبضون حياةً وشباباً ، نمَتْ للأرقامِ اللّعينةِ الفاجرةِ، وجوهاً وأسماءً وغدتْ صوراً وضحكاتٍ ، تعيشُ في عيوننا وأفكارنا وعلى الورقِ و في قلوبِ الأهلِ والأحبّةِ .
هذا الصّباحُ الفاجرُ والفاسقُ، شمسُه وفجرُه موجعٌ ،سيزيلُ ضوؤه حجابَ العتمةِ والهروبِ من الحقيقةِ الفاقعة ِ.
ستصبحُ معه اليومَ، تلكَ الأرقامِ وتلكَ الأسماءِ الساكتةِ والنائمةِ في أسرّةِ الغفوةِ والنسيانِ، بشراً وناساً… سنتعرّفُ على حكاياتِهم ، هواياتِهم، قصّاتِ شعرِهم، ضحكاتِهم ولونِ عيونهم…
سنتأمّلُ تفاصيلَهم ونفتقدُ وجودَهم ونصمتُ أمامَ رحيلِهم الموجعِ، وكيف إبتلعتِ الأرضُ والبحرُ أحلامَهم بلحظاتٍ، في ضجيجِ ليلٍ مشؤومٍ وعرسِ فجورِ الإهمالِ.
اليومَ تحُولتِ الأرقامُ والأسماءُ وجعَ وطنٍ وموتَ عاصمةِ الحرفِ والأبجديّةِ .سيعيشون في قصص ٍ حزينةٍ ..سوف نبكيهم ، وسيعيشونَ في الذاكرةِ الجماعيّةِ للوطنِ .
أشرقَتْ شمسُ لبنانَ اليومَ ،بعدَ إنجلاءِ الضبابِ وتبَعثُرِ خيوطِ سُحُبِ الدّخانِ وعرسِ الألوانِ في سماءِ الذهولِ والصّمتِ ، وإندثرَ آخرُ خيوطِ العتمةِ والأملِ .لكنَّ الضوءَ مؤلمٌ، سيكون لعيوننا.
سنرى الفاجعةَ في وضحِ النّهارِ ،وهولَ الصدمةِ والدّمارِ.
سيصبحُ للفاجعةِ أصواتَ نحيبٍ وبكاءٍ وسيغرقُ الفرحُ في بحيرةٍ منَ الدّموعِ والأسى. وبخُطىً ثابتةٍ نخرجُ من طورِ اللاتصديقِ إلى طورِ الحقيقةِ الفاجرةِ والمرّةِ و سيصفعنا هولُ المأساةِ وفداحةِ الخسارة .
يا ليتَ شروقُ شمسِ لبنانَ اليومَ يتأخّرُ ولا يأتي… اليومَ … لبنانُ يستيقظُ من دونِ عاصمةٍ … اليومَ نحنُ سنشيّعُ وندفُنُ شُهدَاءَنا… اليومَ… لأولِ مرّةٍ، أمواتٌ يدفنونَ أمواتاً.
هذا الصّباحُ
هذا الفجرُ المُعتِمُ وأمامَ اللهِ وأمام َ العالمِ الذي يشهدُ على مأساةِ وطنٍ ، حّوله سياسيو ه وكلّ الطبقةِ الحاكمةِ الفاجرةِ والفاسدةِ والّتي تستحقُّ الرجمَ والشنقَ واللّعنةَ والشّتمَ ، جحيماً ووطناً منكوباً.
اليومَ يا حكاّمَ وطني الّذي ابتلانا القدرُ… بكم، بأسوءِ وأقذرِ حكومةِ ومجلسٍ نيابيٍّ و روؤساءَ دولةٍ على وجه ِالأرضِ وتاريخِ الدّولِ الحديثةِ.
إرحلوا… واصمتوا… لا نريدُ أن نرى وجوهَكم العاهرةَ والفاسقةَ بعد شروقِ فجر الحقيقةِ.
بفضلكم اليوم َ لبنان ُوطنٌ منكوبٌ، صباحه ُ ملوثٌ بإهمالِكم وفشلكم وفسادِكم الّذي فاقَ وغطَّى على صوتِ إنفجارِ المرفأ. ووصلتْ ترددّاتُه وأصداءُه لآخرِ الكونِ وإلى ربَّ السماءِ هناك .
اليومَ… نحن نُعلِنُ للعالمِ أننا رهائنٌ لدى تلك الطبقةِ الحاكمة ِ والمجرمةِ.نطلبُ المساعدةَ ونُعلِنُ أننا أمواتٌ لم تُعلنْ وفاتُهم بعدُ.وإنّنا نيعشُ في وطنٍ أصبحَ من غير ِ عاصمةٍ.قتلوا العاصمةَ بيروتَ… وغداً سيغتالون لبنان َ. وسنغدوا على لوائحَ تلكَ السّلطةِ رسميّاً… أمواتاً .
لبيروتَ أقولُ : قومي من تحتِ الرّدمِ… قومي من تحتِ الردمِ فأنتِ عاصمةٌ لا تعرفُ الإنحناءَ.قومي فأنتِ من الأشياءِ الرائعةِ الّتي يخسَرُها الأغبياءُ والجُبناءُ.هم لم يقفقدوكِ… لأنّهم لم يمتلكوكِ، ولم يمتَلِكوا روعةَ تاريخِكِ وحضارتِكِ يوماً.
ربما لم تكوني شيئاً مُهمّاً لهم ،أولئِكَ الأوباش ُوالتّتَرُ والجَهَلةُ، وكنتِ لهم مدينةً وشوارعاً وحجراً. ولكّنكِ لنا… كنتِ العالمَ والتّاريخ والفخرَ والثقافةَ والقلبَ والوطنَ.
ولهم أقولُ أغبياءٌ لملموا عارَكم وارحلوا… أنتم لا تستحقّوا بيروتَ ولا تستحقّوا هذا الوطنَ.