بقلم جو لحود
الأمور لم تعد على حالها، فحالة النكران التي يعيشها المواطن اللبناني ما عادت نافعة مع كم الوجع والألم الهائلين والمتزايدين يوما بعد يوم.
ومع مرور الأيام تبدو المعادلة أكثر وضوحا وأكثر دقة، فبعد الرابع من آب 2020، ليس كما قبله مهما حاول البعض تجميل الصورة وأخد الأمور الى تفاصيل أخرى مرتبطة بالسياسة والاقتصاد والاستحقاقات الكثيرة التي يسعى كثيرون الى تقديمها ووضعها في الواجهة باعتبارها أساس انقاذ البلد.
وفي هذا الاطار يتمسك كل طرف بالاستحقاق الذي يصب في مصلحته بانيا عليه الأمال والخطط والمشاريع والاحلام، لكن وعلى ما يبدو فات هذه القوى المختلفة ان المواطن اللبناني أمسى في واد وهي في واد آخر، وباتت هذه الاستحقاقات مجتمعة لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد، فكل ما يعنيه هو التوقف عن اعتماد سياسة المناكفات والتلطي وراء الطوائف وحقوقها والبحث عن المصالح الضيقة، والا سيعود يوما دون أدنى شك الى الشارع مهما تأخر ومهما حاول الابتعاد عن هذه الخطوة.
فالغضب الصامت والموجع في نفوس جميع اللبنانيين لا بد له من ان ينفجر تماما كما انفجر المرفأ وسط استهتار واعلاء لسياسة “هيدا مش من صلاحياتي” التي أدخلت البلاد في دوامة من الوجع اللامتناهي.
وفي اطار الصلاحيات، يبدو من المعيب جدا ما يحصل في ملف التحقيق بانفجار المرفأ، كما يبدو لافتا جدا الصمت المطبق بشأن التحقيق منذ لحظة انتهاء الانتخابات النيابية في أيار الفائت، وكأن البعض في ذاك الوقت أراد استخدام المرفأ وضحاياه واهاليهم لمآرب ومصالح معينة، فالأصوات المدافعة بشراسة عن المحقق العدلي طارق البيطار وعن التحقيق خفتت وضاعت كلماتها في لعبة تعداد النواب ومحاولة خلق الكتل الاكثر قوة من أجل “غاية في نفس يعقوب”.
الواضح اليوم ان ما يحتاجة المجتمع اللبناني قبل كل شيء وقبل التلهي بلعبة الأرقام والصلاحيات والاستحقاقات غير النافعة، هو جلاء الحقيقة في ملف انفجار المرفأ، اذ ان الصمت عن الحقيقة وضع الجميع ومن دون ان يدروا في سجن كبير من اللاثقة واليأس والحزن العميق المستشري في نفوس اللبنانيين، من هنا تبدو المقارنة بين جريمة المرفأ واي جريمة اغتيال سابقة شهدها لبنان غير منطقية وغير مجدية، ففي المرفأ أصوات شعب متألم وأرواح ضحايا متعذبة لن تريحها سوى الحقيقة التي يمكنها دون سواها ان تعيد الحرية الى للطبقة السياسة التي كبلت نفسها والبلاد والشعب في آن معا.
من هنا يبدو السجن المؤبد والأشغال الشاقة حكما مبرما بحق جميع اللبنانيين دون اي استثناء، لكن الحكم هذا لن يدوم، فالحقيقة ستحرر الجميع وستدفع نحو أيام جديدة من الازدهار والفرح وعودة الحياة والطموحات وامكانية تحقيق الأحلام، فمهما طالت الأيام ومهما تحكم الظلام بمجرياتها يبقى الثابت الوحيد ان الحق سينتصر دائما على الباطل وان القيامة مصير أكيد مهما كانت الجلجثة السابقة لها صعبة ومضنية.