بقلم عقل العويط
قد لا يُستطاع – أو قد لا يُراد – انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهوريّة. إلى المعنيّين بهذا الاستحقاق، وأيضًا إلى المعنيّين بمسألة التحقيق في تفجير – لا انفجار – المرفأ وبيروت وأهل المدينة، أوجّه هذا النداء الحارّ: إيّاكم أنْ تغرقوا في الجدالات البيزنطيّة العقيمة، التي تستطيبها الكثرة الكاثرة من “الطبّاخين” ومن “المتنطّحين” إلى المشاركة في المطبخ والطبخ.
بناءً عليه، كلّ مَن يبادر – علنًا أو سرًّا أو بتحفّظٍ وكتمان – إلى المطالبة برئيسٍ – رئيس، سياديٍّ وإصلاحيٍّ ونزيهٍ ونظيف الكفّ والضمير والوجدان، بل كلّ مَن يلتقي موضوعيًّا حول النقطتَين – الدستوريّتَين (السيادة والإصلاح) – أحيله بتواضعٍ كلّيّ على مقالاتي في “النهار” (لا أريد “رئيسًا قويًّا” ولا “حكومة وحدة وطنيّة”)، (ما الرئيس؟ مَن الرئيس؟)، (لرئيسٍ عارفٍ بلبنان)، (لمَن يهمّهم الأمر) التي تدلّ على مفاتيح لخريطة طريقٍ انقاذيّةٍ محتملة لانتخاب الرئيس الموعود.
وبناءً عليه، يجب، تاليًا، أنْ “تُسحَب” من التداول par elimination كلّ الجدالات والإيحاءات البيزنطيّة والغمزات التبخيسيّة السلبيّة المتعلّقة بهذين الموضوعين أو بأحد أطرافهما (السياديّين والإصلاحيّين). من مثل “شطب” الأسماء المسترئسة، التي يكفي مجرّد إيرادها – عَرَضًا أو عفوًا أو قصدًا – لتعكير احتمالات تأمين المناخ الموضوعيّ والإيجابيّ.
ومثلما لا نريد رئيسًا إيرانيًّا، ولا رئيسًا إسرائيليًّا، لا نريد، بالقوّة نفسها، وبالمنطق المعياريّ نفسه، رئيسًا سعوديًّا، ولا رئيسًا أميركيًّا، ولا أيضًا رئيسًا فرنسيًّا (إلى آخره). علمًا أن لا مجال لـ”المساواة” بين هذه وتلك من “الأهواء” الرئاسيّة، التي تبدأ بالعبوديّة الكلّيّة والذمّيّة الكلّيّة والرضوخ الكلّيّ لمحورٍ ما أو لدولةٍ ما، ولا تنتهي بالتسويات والصفقات. هذه وتلك، لا أبشع منهما ولا أخطر على لبنان الدولة والدستور.
هناك احتمالان (رئاسيّان) لا ثالث لهما لإخراج لبنان من النفق الأسوَد واستعادة احتمالات الإنقاذ الكيانيّ والوجوديّ والدولتيّ والحياتيّ :
إمّا رئيسٌ يحظى – لظروفٍ ومعطياتٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ مؤاتية، واستجاباتٍ داخليّةٍ موضوعيّة، – بأكثريّةٍ كبيرةٍ جدًّا (نحو من ثلثَي أعضاء مجلس النوّاب، أكثر بقليل أو أقلّ بقليل)، من دون أنْ يكون هذا الرئيس “خيخة” أو “شرّابة خرج” أو “حجر شطرنج” أو “دمية” أو لا لون له ولا طعم ورائحة. بمعنى أن لا يكون صنيعَ ولا وليدَ صفقةٍ من صفقات “تبويس اللحى” والهرب إلى الأمام، البتّة، بل يكون الرئيس الآتي بـ”تلاقي” الظروف والمعطيات الموضوعيّة (الخارجيّة)، وقوّة “الكتاب” (الداخليّ)، كتاب الدستور. وبذلك يكون رئيس الرؤساء بلا منازع، وفوقهم أجمعين، وفوق الأحزاب والأطراف والمحاور والطوائف والمذاهب قاطبةً، فيكون قويًّا لا بطائفته ولا بحزبه ولا بهذا المحور الإقليميّ والدوليّ وذاك، بل يكون قويًّا بسلطان “الكتاب”، ودائمًا بموجب الدستور.
وإمّا رئيسٌ – رئيسٌ يتمتّع بالصلابة الوطنيّة والأخلاقيّة، وبالسيادة الدستوريّة والقيَميّة على ذاته وقراره، فيحظى بأكثريّة نصف عدد نوّاب المجلس زائدًا واحدًا أو إثنين.
في اعتقادي المتواضع، أنّ ثمّة أسماءً تليق بكلٍّ من هذين الاحتمالَين، و”مواصفاتهما”.
لكي يأتي – رئيس الاحتمال الأوّل – الذي يحظى بأكثريّةٍ قريبةٍ من الثلثين (أكثر أو أقلّ)، هذا يستدعي بشكلٍ لا لبس فيه :
“اقتناع” “حزب الله” والأطراف الداخليّين المؤيّدين له والملتحقين به، والأطراف الإقليميّين الذين ينتمي إليهم “الحزب”، باستحالة الإيغال في سياسة مصادرة الدولة اللبنانيّة، وتفكيكها، وتغييبها، وتمريغها، ونحرها، والاستيلاء عليها.
لو كان لي أنْ أتمنّى، لتمنّيتُ الفوز بهذا الرئيس (مستحيل؟ ربّما). لكنّي لا أسمح لنفسي – كمواطن – بأنْ أغلق الباب نهائيًّا على مثل الاحتمال، علمًا أنّه صعب المنال، وعيًا للتعقيدات الداخليّة والخارجيّة التي تحيط بالقضيّة اللبنانيّة وبمسألة الشرق الأوسط.
لكي يأتي – رئيس الاحتمال الثاني – الذي يحظى بأكثريّة نصف عدد نوّاب المجلس زائدًا واحدًا أو إثنين، هذا يستدعي :
– “تلاقيًا” عقلانيًّا واقعيًّا موضوعيًّا براغماتيًّا (صعب المنال، لكنّه ليس مستحيلًا البتّة) من تكتّل نوّاب 17 تشرين والنوّاب الاعتراضيّين الجدد (على تنوّع مشاربهم)، وكتلة “تجدّد” (معوّض، عبد المسيح، مخزومي، ريفي)، وكتلة “وطن الانسان” (افرام وجميل عبّود)، وكتلة “اللقاء الديموقراطيّ” (الحزب التقدّميّ الاشتراكيّ وحلفاؤه)، وكتلة حزب الكتائب، وكتلة “الجمهوريّة القويّة” (حزب “القوّات” وحلفاؤه)، إلى نوّابٍ آخرين محتملين (قد تستيقظ استقلاليّتهم في آخر لحظة!).
هذا “التلاقي” يحتاج – لكي يبصر النور – إلى اجتهاد حكماء وعقلاء. وما أكثرهم.
إذا لم “يلتقِ” هؤلاء، فهناك احتمالان حالكان وقاتلان لا ثالث لهما: إمّا يأتي رئيسٌ يواصل “مسيرة” الرئيس الحاليّ ووارثه (وأيّ “مسيرة”!)، وإمّا لا نحظى برئيسٍ البتّة، فيبقى مقام الرئاسة خلوًا من شاغلع. وفي هاتين الحالَين، لا بدّ من “التبشير” بحلول الزمن القياميّ الخالص: أبوكاليبس الأبوكاليبس.
هذا في ما يتعلّق بانتخاب الرئيس، الذي تعتري احتمالَيه الإنقاذيّين المشار إليهما أعلاه، تعقيداتٌ وتشابكاتٌ وتناقضاتٌ وحساباتٌ، ثمّ جدالاتٌ وأنانيّاتٌ وصغائرُ (ومراهقاتٌ و… خسّ!!)، لا جدوى منها، بل قاتلة للبنان واللبنانيّين.
… أمّا التحقيق في تفجير المرفأ فحالُ العقبات والعراقيل التي رُفِعتْ – ولا تزال – في مساره، كما حالُ الذرائع والتبريرات المقدّمة لعدم إحراز تقدّمٍ فيه، ولشلّ يد قاضي التحقيق، كحال مَن يريد أنْ يقنعكَ عبثًا بأنّ الشمس في لبنان لا تشرق من الشرق، بل من الغرب، بل من الشمال. بل: لِمَ لا من الجنوب!