بقلم فرح نصور
تطبيق القانون “على ناس وناس”… لكن عن أيّ قانون نتحدّث؟ قانون مصادرة أموال الناس؟ في دولة يسري فيها القانون، تبسط العدل وتعطي المواطن حقّه ولا تتواطأ مع مَن يأكله.
وفي الحالة الاستثنائية التي نعيش فيها في ظلّ الأزمة الراهنة، من غير المنطقي معاقبة مَن يستردّ حقّه، فيما المسبِّب والمخالِف الأساسي للقانون، يسرح ويمرح ويُغطّى من فلان وعلّان. ترك الدولة مواطنيها لمصيرهم، دفع بسّام الشيخ حسين للإقدام على ما قام به، وقد نرى كبسّام الكثيرين في الأيام المقبلة، الوضع لم يعد يُحتمل، بعد أن سكت الناس كثيراً عن حقّهم منذ سنتين حتى اليوم.
في نظرة الى القانون وعلم النفس، ما الذي يدفع بالإنسان للوصول إلى هذه المرحلة من الانفعال؟ وما وضع بسّام القانوني اليوم ؟
في القانون
القضيّة تتألّف من شقّين: الشق الأول يتعلّق بحق المودِع، وحاله كحال بقيّة المودعين فهم أصحاب حق، وودائعهم صادرتها المصارف دون وجه حق، وما أقدم عليه الفاعل يُعدّ من باب استيفاء الحق تحكّماً، هذا ما يشرحه الخبير القانوني والدستوري، الأستاذ سعيد مالك، لـ”النهار”.
أمّا الشق الثاني، فهو الشق القانوني لهذا التصرّف، فبغضّ النظر عن أحقية ما أقدم عليه حسين لناحية استرجاع حقّه المثبَت والمكرَّس، لكن “قانوناً يُصنّف فعله من الأفعال الجزائية، ولو اقتصر الأمر على هذه الأفعال لكان الأمر أسهل، لكن ما جرى اقترن بأفعال جرمية منها احتجاز موظفين والتهديد باستعمال السلاح وحجز حرّية وغيرها، كلّها تنطبق عليها جرائم وعقوبات جزائية”.
ويضيف “صحيح أنّه يمكن للمودِع الكلام عن حال الضرورة بالحديث عمّا قام به، لكن ذلك لا يبرّر قانوناً ما أقدم عليه”.
وأوقف بسّام الشيخ حسين، بعدما أعطى المحامي العام التمييزي في بيروت القاضي غسان خوري إشارة قضائية ليلاً بتوقيفه، على عكس ما تم الاتفاق عليه أثناء المفاوضات معه. إذاً هل يُعتبر قرار القاضي إخلالاً بما أفضت إليه المفاوضات؟ برأي مالك، “بغضّ النظر عن الاتفاق الذي جرى خلال المفاوضات بين الفاعل والمسؤولين الآخرين، لكن لا يمكن لأيّ فريق وحتى لوزير الداخلية، الاتفاق على مخالفة القانون”.
فالقاضي غير مقيَّد بأيّ تفاوض يحصل بين أصحاب الشأن، ومؤتمَن على تنفيذ القانون، و”مع نبالة الفعل الذي أقدم عليه الفاعل”، يعتبر مالك أنّ “القاضي خوري لم يخطئ بوضعه إشارة قضائية على الفاعل والقانون يفرض عليه ذلك، وما جرى ليس اقتحاماً عادياً في ظروف بلد عادية، بل مشكلة اجتماعية قد يمتدّ أثرها على باقي المودعين”.
ووفق مالك أيضاً، إنّ إجراء القاضي خوري يصبّ أيضاً في ردع المودعين الآخرين عن أن يحذوا حذو الفاعل، “لأنّ القاضي مؤتمَن أيضاً على السلم الأهلي، وإطلاق سراح الفاعل بسهولة بعد التحقيق سيفتح الباب أمام الكثير من المتضرّرين للقيام بالفعل نفسه وقد يصل الأمر إلى انفجار اجتماعي”.
في المقابل، يرى المحامي أيمن رعد، وهو من المحامين الناشطين في انتفاضة تشرين، أن “المادة ١٨٤ عقوبات لا تنطبق على حالة بسّام الشيخ حسين”. وفي رأيه،
“المطلوب اليوم تكرار وتثبيت الاجتهاد القضائي الذي حصل في ملف المودع عبد الله الساعي، أي استيفاء حق بالذات سندا للمادة ٤٢٩ عقوبات”.
حالة اللاعدالة واليأس
كيف يرى علم النفس ما قام به حسين ؟ الإنسان هو كائن ضمن المجتمع، وعندما لا يعطيه المجتمع حقّه، سيشعر بالإحباط والغضب.
وفي حديثها لـ”النهار”، تشرح الاختصاصية في علم النفس العيادي، الدكتورة ماري شاهين، أنّ العدالة وُجدت لإحقاق الحق والمساواة بين الناس، ومن المفترض أن تحمي الدولة المواطن وتطبّق العدالة عبر إعطائه أمواله، فهي أموال كان يخبّئها للأيام الطارئة، وحان الوقت لاستخدامها لكنّه لم يستطع.
إذن “غابت العدالة، وعندما تغيب نصبح في شريعة الغاب، وأعتقد أنّنا صرنا في هذه المرحلة من عدم تطبيق القوانين التي من المفترض أن تحمي المودِع”.
بسّام تقبّل الصعاب، وضيق الأحوال المادّية خلال العامين في الأزمة، لكن عندما وصل الأمر إلى مسألة حياة أو موت بمرض والده، والوالد عزيز على نفس الإنسان، “الدولة لم تترك له حلّاً إلّا أن يصل إلى هنا، وذلك ليس تبريراً لما قام به، لكن عندما يفقد الإنسان العدالة والأمل في مرحلة حرجة لشخص عزيز على قلبه، يصل إلى حائط مسدود ويفقد التركيز والقيم ويدخل حالة انهيار أعصاب تام”، وفق شاهين.
ماذا لو كان الشخص يتمتّع بأخلاق عالية؟ تجيب شاهين بأنّه “حتى وإن كان الشخص إنساناً ذا خلقيات جيدة، في حال دخوله في حالة اليأس الكلي، لن يميّز الصحّ من الخطأ، لأنّ هناك دوافع أكبر تسيّره حينها، ومهما كان غير عنيف، فقد يصل إلى فقدان توازنه العقلي ويميل إلى نوع من الانهيار”.
لكن هل يمكن لشخص في حالة عصبية قصوى إلحاق الأذى بالآخرين حقاً إن لم يصل إلى مبتغاه، أم يكتفي بالتهديد فقط؟ برأي شاهين، الأمر يتعلّق بالمفاوضات الدائرة في الكواليس. وعادة، إن لم يُعط الشخص الحجّة ليهدأ، فسينفعل أكثر.
وفي حال بسّام، هو بحاجة إلى المال، ولو لم يُعطَ هذه الأموال لازداد انفعاله، لكن لا يمكن لأحد معرفة إن كان سيقدم على القتل أم لا، فهناك لحظة بين الجنون والوعي قد يقدم فيها شخص على ارتكاب جريمة قتل، و”المسافة هي شعرة بين ضبط النفس والتركيز، وبين الانهيار وارتكاب جريمة”.
وقد شهدت الحمراء أمس حادثة هي الأخطر منذ بدء الأزمة ال#مصرفية، مع إقدام الشيخ حسين على اقتحام “فيديرال بنك”، واحتجاز من بداخله بقوّة السلاح، لأكثر من 6 ساعات، قبل أن تفضي المفاوضات لإنهاء العملية مقابل تسديد مبلغ 30 ألف دولار كجزء من وديعته، بعدما رفض المصرف سابقاً تسديد أمواله الشهرية وفق التعميم 161، ولحاجة والده إلى إجراء عملية جراحية.