بقلم د. ميشال الشماعي
يكثر الحديث اليوم عن المواصفات المطلوبة للرئيس العتيد، ونجح الأوروبيّون عبر الفرنسيّين بالتسويق لرئيس يحمل المواصفات الإقتصاديّة – الماليّة فقط، على أن يكون الرئيس هو المنقذ للوضع الإقتصادي، والقادر على إنجاز الإتفاق مع صندوق النقد الدّولي، وهذا ما يستغلّه «حزب الله»، لا سيّما مع علمه باهتمام فرنسا بإنجاز الإتفاق النووي الإيراني – الأميركي لتحرير النفط الإيراني، علّه يكون البديل عن النفط الروسي إلى أوروبا التي قد تتجمّد من الصقيع على أبواب الشتاء المقبل.
مقابل ذلك كلّه، المقاربة المواجِهَة هي التي تشخّص أنّ الإشكاليّة الحقيقيّة التي تعترض الواقع اللبناني هي إشكاليّة من طبيعة سياسيّة، بُعدها كيانيّ بامتياز يترجم الخلاف حول رؤية مختلفة للهويّة اللبنانيّة من مجموعتين سياسيّتين مختلفتين. ولهاتين المجموعتين إرتباطات دوليّة وإقليميّة. لكن ما يجب تمييزه هنا هو أنّ العلاقات من باب الإحترام المتبادَل شيء، والولاء والإلتزام شيء آخر مختلف تماماً.
والإرتباط الفكري والثقافي والمجتمعي شيء أمّا الارتباط الحضاري إلى حدّ الإلتزام؛ فذلك شيء آخر مختلف تماماً.
بناء عليه، صحيح أنّنا في لبنان أمام مشكلة إقتصاديّة قاتلة تفتك بالحجر والبشر، لكنّ السبب الرئيسي لهذه المشكلة ليس من طبيعة إقتصاديّة، بل هو من طبيعة سياسيّة. لذلك المطلوب اليوم رئيس يعالج الإشكاليّة السياسيّة التي أدّت إلى الأزمة النقديّة – الإقتصاديّة، وبالتّالي بعد معالجة الإشكاليّة السياسيّة يحلُّ حتماً باقي الإشكاليّات وبالطريقة التدريجيّة العلميّة كما يجب.
لذلك كلّه، المطلوب اليوم رئيس من طبيعة إنقاذيّة سياسيّة لا من طبيعة نقديّة ماليّة إقتصاديّة. من هنا تعتبر المقاربة الفرنسيّة لحلّ الأزمة اللبنانيّة السياسيّة مقاربة خاطئة. وعلى ما يبدو أنّ الفرنسيّين قد نجحوا بعلاقاتهم مع الإيرانيّين بإقناع «حزب الله» بهذه المواصفات الرئاسيّة.
ولعلّ هذا ما حدا ببيك المختارة إلى اتّخاذ المبادرة الحواريّة تجاه الحزب؛ مع حرصه المطلق على إبقاء «إجر بحقلة الأميركي وإجر ببور الأوروبي»، وذلك بانتظار إنضاج الإتّفاق النووي الأميركي – الإيراني الذي تمّ إجهاض محاولة إنعاشه الأوروبيّة. ما يؤكّد سقوط المقاربة الفرنسيّة للأزمة اللبنانيّة.
لكن ما يجب التنبّه إليه في هذا السياق هو الإرادة اللبنانيّة التي يجب أن تبقى صلبة متمسّكة بما هو حلّ جذريّ للأزمة اللبنانيّة لا السعي وراء الحلّ الجزئي.
وما بين الجذريّ والجزئيّ، حذارِ من تطيير الرئاسة لإنقاذ مشروع «حزب الله» وحلفائه المعاقبين دوليّاً للوصول إلى إسقاط الجمهوريّة الثانية بهدف بناء الثالثة التي يطمح مشروع إيران في لبنان بأن تكون الثابتة له ولمشروعه. لكن فليعلم هؤلاء كلّهم، أنّ الإشكاليّة هي وفق المعادلة الآتية : لكلّ مشروع بحقّ لبنان هنالك مشروع لأجل لبنان.
وفي نهاية المطاف لا يمكن أن ينتصر المشروع الذي لا يتطابق مع تطلّعات اللبنانيّين الذين قالوا كلمتهم في 14 آذار وفي 17 تشرين وفي 15 أيّار.
وعلى ما يبدو أنّ أيّ رئيس عتيد سيكون وليد تسوية قوامها السيادة أوّلاً بعدما بات الثلث المعطّل السيادي بيد «القوّات اللبنانيّة».
وفي هذا السياق، يجب التمييز بين التعطيل الذي كان يمارسه فريق الثامن من آذار لإيصال رئيس أو وزير أو رئيس حكومة من قبله، وبين التعطيل الذي قد يمارسه الفريق السيادي لإيصال رئيس سيادي بهدف تحقيق المشروع السيادي.
وهذا ما كان يتمّ بهدف تأمين وظيفة «وزير» لمرشّح راسب في الانتخابات النيابيّة، أو بهدف تأمين قدرة سياسيّة أكبر لنائب عليه عقوبات دوليّة، عبر توزيره في حكومة مبنيّة على مبدأ المصالح المشترَكَة.
هذا الصراع على أساس مواصفات الرئيس ستتمّ ترجمته حتماً في اختيار الرئيس المناسب للمرحلة المناسبة. ولن يكون الرئيس العتيد نتاج تداعيات ومفاوضات إقليميّة بل سيكون نتيجة خيارات وطنيّة. وفي هذا السياق، على الأفرقاء السياسيّين كلّهم أن يتحمّلوا مسؤوليّاتهم السياديّة تجاه الناس الذين أعطوهم هذه الوكالة الشعبيّة في انتخابات 2022. وإلا ستتمّ استعادة مشهديّتي 14 آذار و17 تشرين لانتزاع قرار الحقّ من الباطل.