بقلم نبيه البرجي
… ولكن من يحكم برج بابل اللبناني ؟
لا فرانز كافكا عندنا ليقول «لم يعد أمامنا سوى أن نسأل السيد الشيطان ما اذا كان يعطي فرصة أخيرة … للحياة» . ربما ليتقاطع كلامه مع كلام شخصية خليجية بعيدة عن الأهواء. «لو كان الشيطان من يقودكم لكانت أحوالكم أفضل مما عليه الآن، ومما ستكون عليه غداً».
قال «لو كان لدى حكامكم الحد الأدنى من الضمير الســياسي ، كقاعدة أخلاقية لقيام الدولة ، لما ارتضى أي منهم البقاء في موقعه . الفراغ قد يحمل الناس على تدبر أمورهم بأنفسهم ويجعل بلادكم تستعيد ثقة الآخرين الذين لا تتصور مدى ازدرائهم لتلك الطبقة السياسية ، ربما الأكثر بشاعة والأكثر وقاحة في التاريخ» !
لاحظ أن «ما من جهة دولية أو اقليمية تمتلك رؤية للحل حتى ولو كان الحل الانتقالي ، للكارثة التي تعدت حدودها السياسية والاقتصادية لتغدو كارثة وجودية .
حتى أنني سمعت من ديبلوماسي أميركي عندنا قوله ان القادة اللبنانيين باقون على كراسيهم العرجاء بانتظار أن يبتلعوا عائدات الغاز التي قد تذهب هباء مثلما ذهبت أموال الناس وأموال الدولة. نصف مع أميركا ونصف ضد أميركا .
نصف مع ايران ونصف ضد ايران . نصف مع «اسرائيل» ونصف ضد «اسرائيل. « متى يصبح نصفكم مع لبنان، والنصف الآخر مع لبنان، وأنت الذي تعرف مدى تعلق كبار عائلتنا أحياء وأمواتاً بلبنان وبأهل لبنان» ؟
استذكر كلام مسؤول كبير من بلاده فارق الحياة من سنوات قليلة «هذا اللبنان الذي علّمنا كيف تكون الحياة ، أخشى أن يتخلى يوماً ما عن هذا الدور ، ليعلمنا كيف يكون الموت . أنتم الذين رفعتم رؤوسنا ، رؤوسنا الضائعة في تعرجات التاريخ تبدون الآن وقد فقدتم رؤوسكم».
يثير ذهول الشخصية الخليجية البعد الزبائني أو البعد المكيافيلي ، لدى المقامات السياسية والمقامات الدينية، «أنت تعلم أي علاقات تربطني بشخصيات اعلامية وسياسية وديبلوماسية عربية وغير عربية .
الكثير من هؤلاء يحدثونك عن الاتصالات التي تقوم بها بعض تلك المقامات لالغاء الدولة اللبنانية بالصيغة الراهنة كدولة اندماجية يتمحور وجودها على التفاعل الانساني والتفاعل الثقافي والتفاعل التاريخي ، لتنشأ مكانها دويلات طائفية على غرار الدوقيات الأوروبية في قرون غابرة» .
سأل «أي لبنان يبقى ، وأي وهج يبقى ، اذا ما تحوّل الى شظايا طائفية لتغدو كل مكونات الظاهرة اللبنانية مجرد أقليات ميتة»؟
تحدث عن «كانتونات أقرب الى الغيتوات ولن أتردد في القول انها أقرب الى المقابر . حتماً السنّة والشيعة باقون على اجترارهم الميكانيكي لثقافة الكراهية ، كانعكاس للأزمة التاريخية التي يواجهها الاسلام .
أما المسيحيون الذين يسعون الى دولة خاصة بهم فلسوف يتحولون الى قبائل وبصراعات دموية لا بد أن تنتهي بتصفية هذه الدولة التي لن تكون في أي حال نسخة عن القسطنطينية أو نسخة عن بيفرلي هيلز».
كشف كيف أن كبار المسؤولين في بلاده «حاولوا اقناع بعض أصحاب القرار من أشقائنا الخليجيين بأن يبقى لبنان خارج «صفقة القرن» ان بسبب التعقيدات والتشققات الداخلية القابلة للانفجار ، أوً لأن «اسرائيل» التي تستوطن رؤوس قادتها عقد ايديولوجية وتاريخية رثة لا تستطيع أن تتحمل النموذج اللبناني بتنوعه وبحيويته ، وهي لم تتوقف عن محاولة تفكيكه بأي طريقة كونه يمثل تقويضاً لكل البنى الفلسفية التي تقوم عليها الدولة العبرية».
في نظر الشخصية الخليجية التي عرّجت على لبنان أخيراً ، في زيارات خاطفة ،»أن تميزكم في تناقضاتكم وفي تفاعلكم مع ديناميات الحداثة لكن مصيبتكم في كونكم تحولتم الى مستنقع طائفي.
نوع من برج بابل حيث لا أحد يفهم لغة الآخر . وهذا تحديداً ما تريده المنظومة السياسية بذهنية عرابي المافيات لا بذهنية رجال الدولة».
ما السبيل الى الحل في هذه الحال ؟ «أعتقد ويعتقد معي آخرون ، أن حكامكم باتوا كالثمار المهترئة ، لا بد أن يتساقطوا الواحد تلو الآخر . المشكلة في «اختراع» الطبقة البديلة . لقد تابعت اقوال ومواقف من تدعونهم «النواب التغييريين» . حالة أخرى وكما كتبت أخيراً، من صنع… الفانتازيا اللبنانية» !!