بقلم اندريه قصاص
عندما يتحدّث رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عن مواصفات الرئيس العتيد يظنّ الذين يسمعونه أن الرجل يقف أمام مرآة. فهو بكلامه عن “رئيس يتجسّد بكتلة نيابية ووزارية تدعمه وتزيد من قوة صلاحياته وموقعه” إنما يتحدّث عن نفسه بإعتباره يرأس كتلة نيابية مسيحية كبيرة في البرلمان نتيجة الإنتخابات الأخيرة. ولكن نسأل : هل قصد بذلك أيضًا رئيس “حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ،أم أن ما ينطبق عليه لا ينطبق على غيره؟
من قرأ جيدًّا في كلام باسيل يؤكد أن الرجل عندما قال ما قاله لم تخطر بباله أن هناك غيره له حيثية تمثيلية، وبالطبع لم يكن يقصد بكلامه الدكتور جعجع، بل كان كل همّه أن يظهر بأن ليس لرئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية أي حيثية تمثيلية، وبالتالي فإن ظروف وصوله إلى السدّة الرئاسية، في نظر باسيل، هي في حدود الصفر.
ما قاله باسيل من أمام سنديانة الديمان موجّه إلى فرنجية في الدرجة الأولى، وإلى “حزب الله” في الدرجة الثانية، وذلك لقطع الطريق على حارة حريك قبل إتخاذ أي قرار بدعم حليفها الزغرتاوي لرئاسة الجمهورية. وبذلك يكون باسيل في حِلّ من أي إلتزام مسبق بما يمكن أن يقرّره السيد حسن نصرالله بنفسه في الموضوع الرئاسي، وهو يتنصّل أيضًا من مفاعيل “إفطار حارة حريك الرمضاني”، الذي جمعه مع فرنجية تحت سقف واحد، وإلى مائدة واحدة، وغمسّا من الصحن نفسه.
هؤلاء القارئون الجيدّون في مرامي الكلام الباسيلي يعيدون رئيس “التيار الأورونجي” ست سنوات إلى الوراء، ويذكرّونه بأن الرئيس ميشال عون إنتُخب على أساس أنه رئيس أكبر كتلة نيابية ومسيحية في البرلمان، وهو الذي أتى تحت شعار “الرئيس القوي”، وكانت لديه في الحكومات المتعاقبة قوة وزارية لا يُستهان بها، ولكن هذه الحيثية التمثيلية نيابيًا وشعبيًا، وهذه القوة الوزارية لم تزد “من قوة صلاحياته وموقعه”، بل جلّ ما نتج عن عهد “السنوات العجاف الست”، على حدّ تعبير النائب وائل ابو فاعور، كلام إختصره باسيل بنفسه وجميع الذين يقرأون الكتاب نفسه، ومفاده: “ما خلّونا”.
عندما تطرق رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط في حديثه مع وفد “حزب الله” في لقائهما الأخير إلى مواصفات الرئيس العتيد للجمهورية لم تخطر ببال المجتمعين المواصفات التي حدّدها باسيل، وهم يعرفونها عن ظهر قلب حتى قبل أن يتحدّث عنها من الديمان بعد لقاء المصالحة مع البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي.
فالمواصفات التي يراها جنبلاط ملائمة للمرحلة المقبلة لا تنطبق بالطبع على باسيل أو على جعجع، وحتى على فرنجية، بل هي مواصفات عامة قد يجدها في كثير من الأشخاص القادرين على أن يمسكوا بعصا الحكم من النصف. فهم ليسوا “ممانعين”، اي ليسوا من فريق 8 آذار، وليسوا بالطبع من “السياديين” بالمفهوم المتداول من قبل ما تبقّى من فريق 14 آذار، بل هو شخص يستطيع أن يوفّق بين الأثنين، فلا يكون “ممانعًا” مئة في المئة، ولا “سيادّيًا” مئة في المئة، بل “بين بين”.
فما بين مواصفات باسيل ومواصفات جنبلاط ماذا سيختار “حزب الله”؟
هذه المواصفات لم يعطِ وفد “حزب الله” جوابًا عنها، بل فضّل التريث قبل أن يعطي رأيه النهائي. وهو رأي سيكون مرتبطًا على الأرجح بما ستشهده المنطقة من تطورات، ولاسيما على الخطّ التفاوضي بين واشنطن وطهران في الملف النووي، بعد بلورة الردّ الإيراني على الطرح الأوروبي.
ولكن ما يمكن القول في هذا المجال، ولو من باب إستنتاجي، أن “حزب الله” لن يوافق على مواصفات جنبلاط، بل يفضّل أن يكون الرئيس العتيد “ممانعًا”، وبالتالي فإن خير من يعبّر عن هذا الخطّ، في رأي الحزب، هو سليمان فرنجية.