ضغط سلطويّ لتغيير الأكثرية الدستورية النيابية

سعيد مالك للمجلس الدستوري : أنتم قضاة الحقّ... حافظوا على قسمكم

بقلم د. ميشال الشماعي

من أخطر مظاهر انحلال الدّولة وانتهاء قدرتها الدستوريّة عندما يتمّ استخدام الدستور فيها خدمةً لفريق سياسيّ بطريقة غير دستوريّة، أو بالتحايل على الدستور نفسه عبر ممارسة الضغوط السياسيّة على المراجع الدستوريّة فيها لاستصدار قرارات بطابعها دستوري لكنّ جوهرها سياسي فئويّ بامتياز. عندها يتسلّط هذا الفريق باستخدامه غير المشروع للدستور وتصبح الدولة ساحة مستباحة لمشاريعه السياسيّة من دون أيّ حسيب أو رقيب.

وهذا ما يقوم به المحور الإيراني في لبنان، حيث يضغط على قضاة المجلس الدستوري لإبطال نيابة أربعة نوّاب من المعارضة أو أكثر، بهدف نقل الأكثريّة النيابيّة من ضفّة إلى أخرى. وهذه المسألة ليست مستغربَة على مَن نجح بالإنقلاب على دستور الطائف بالكامل، فقوّضه بقوّة سلاحه غير الشرعي ومنع تطبيقه على المستويات كافّة.

ولعلّ هذا النّوع من الممارسة قد استجدّ بعد إدراك هذا الفريق عدم إمكانيّة استخدام آلة القتل كما فعل بين الأعوام الممتدّة من 2005 حتّى 2008 لإنقاص الأكثرية النيابية التي أنتجتها انتخابات العام 2005، تحقيقاً لمصالح دويلته على رغم الجوع والفقر والمأساة.

فهو لن يتردّد اليوم بفعل أي شيء حفاظاً على وضعيّته القائمة، وحفاظاً على دور إيران المتقدّم في شرق المتوسّط، والأهمّ ليحافظ على شرعيّته وعلى شرعيّة تؤمّن له مصدراً شرعيّاً لتمويل مشاريعه التوسّعيّة في العالم العربي والإرهابيّة في العالم بأسره.

مقاربة دستوريّة في الممارسات غير الدستوريّة

مع هذا المشروع الذي يسعى لتغيير الكيانيّة اللبنانيّة وإلصاق هويّة حضاريّة جديدة بلبنان التاريخ يجب توقّع كلّ شيء. ففي وقت شيّع مع حلفائه أنّ الرئاسة فارغة من أيّ مفاعيل دستوريّة، ها هو اليوم يستميت للسيطرة على الرئاسة الأولى. وذلك لأنّه يدرك أنّ الرئيس، إن كان لبنانيّاً وسياديّاً وإصلاحيّاً عن حقّ فهو سيضرب المومنتم السياسي الذي نجح بفرضه منذ تسوية الدوحة في العام 2008؛ وسيشكّل هذا الرّئيس مدخلاً لإخراج لبنان من تحت هيمنته. فهل من مسوّغ قانوني للمجلس الدستوري لإبطال نيابة نواب من المعارضة من الناحية الدستورية ليتمكّن من امتلاك النصف زائداً واحداً فيستطيع عندها انتخاب الرئيس الذي يريده ؟

المحامي والخبير الدستوري الدكتور سعيد مالك يقول لنداء الوطن: «من الوجهة الدستوريّة، المجلس الدّستوري فور ورود مراجعة الطعن إليه يعيّن مقرّراً توكل إليه مهمّة إجراء التحقيقات اللازمة، والإستقصاءات الواجبة لتبيان صحّة أو زيف الإدلاءات أو مزاعم الجهة الطاعنة، على أن يقدّم هذا المقرّر تقريره في مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ إبلاغه المهمّة، حيث للمجلس الدّستوري بهيئته العامّة مهلة شهر للبتّ بالطعون بعد تقديم المقرّر تقريره».

ويتابع مالك «إذا رأى المجلس أنّ أسباب الطعن جدّيّة، يحقّ له عندها قبول المراجعة شكلاً وأساساً، وإبطال نيابة الفائز، وإمّا إبطال الانتخابات وإعادة إجرائها في هذه الدائرة، وإمّا إحلال الطاعن مكان المطعون بنيابته». ويؤكّد مالك أنّ هنالك مسوّغاً قانونياً يجيز للمجلس الدّستوري إبطال نيابة نائب فائز، أم أكثر، شرط أن يكون الطعن جدّيّاً ومستنداً إلى مخالفات فاضحة. وأن يكون لهذه المخالفات تأثير حاسم في إعلان النتيجة.

ويشجب مالك ذهاب المجلس الدّستوري باتّجاه إبطال نيابة أربعة نوّاب ليس لهدف إلا لتغيير الأكثريّات في المجلس النيابي مستفيداً من الصلاحيّات الممنوحة له بمقتضى القانون رقم 250/93. ويرى مالك «أنّ هذا أمر غير جائز وغير مباح. فالمجلس الدّستوري مقيّد بأحكام القانون ونصوصه وليس بإرادة أهل السلطة وأصحاب القرار».

مع الإشارة إلى أنّ عدد الطعون المقدمة بعيد الانتخابات التشريعية الأخيرة قد بلغ 15 طعناً شملت 18 فائزاً، و10 دوائر انتخابية، فيما حظيت دائرة الشمال الثانية (طرابلس ـ المنية ـ الضنية) بالعدد الأكبر وهي أربعة طعون.

هل من طريقة قانونية للحدّ من التأثير السياسي على المجلس الدستوري؟

وفي هذا السياق يرى الدكتور مالك أنّ «الطريقة الفضلى للحدّ من التأثير السياسي في المجلس الدستوري تكمن في تحصين المجلس الدستوري نفسه. فصحيح أنّ أصحاب القرار عيّنوا وانتخبوا أعضاء هذا المجلس، ولكن يقتضي على هؤلاء القضاة أن يكونوا قضاة شجعاناً في مقاومة التحديّات والتأثيرات والمداخلات التي يمكن أن يتعرّضوا لها». ويجزم مالك أنّ « الطريقة الفضلى للحدّ من تأثير أهل السياسة على المجلس الدّستوري تتمثّل بوجوب إقفال أبواب المجلس بوجههم، وإسدال ستارته عن مجريات متابعة التحقيقات».

وعند سؤالنا عن إمكانيّة نجاح فريق السلطة بتبديل نتائج الانتخابات، يلفت مالك إلى أنّه «من الثابت أنّ فريق السلطة سيسعى جاهداً للتأثير على أعضاء المجلس الدّستوري، تحقيقاً لمكاسب سياسيّة ضيّقة، لكن ذلك بحال نجاحه سيضرب صورة آخر المؤسسات التي نراهن عليها، ولم يبقَ لنا رهان إلّا على القضاء والمؤسّسات الأمنيّة». فبرأيه «إذا سقط القضاء في امتحانه فعلى الوطن السلام. والرهان اليوم على المجلس الدستوري رئيساً وأعضاء».

وتجدر الإشارة إلى أنّ الفريق الحاكم بجناحيه الأساسيين أي منظّمة «حزب الله»، وحليفه «التيار الوطني الحر» هو مع البتّ ببعض الطعون النيابية لمصلحته في مناطق مختلفة؛ خصوصاً في طرابلس، وعكار، ومرجعيون، وجزّين وبعبدا لتثبيت ثلاثة أهداف :

1- تثبيت شرعيّة وجوده عبر سيطرته على الشرعيّة الحقيقيّة.

2- تثبيت أكثريّته النيابيّة بهدف السيطرة الدستوريّة على مكمن التشريع أي البرلمان اللبناني.

3- تثبيت مشروعه التوسّعي انطلاقاً من الشرعيّة اللبنانيّة ليكون أنموذجاً دستوريّاً يُحتذى به في باقي البلدان العربيّة التي يطمح بالسيطرة عليها إنطلاقاً من الوجود الشيعي فيها.

وتوجّه مالك بكلمة مباشرة إلى المجلس الدستوري رئيساً وأعضاء قائلاً لهم: «صحيح أنّ أهل السياسة سيلجأون إلى أساليب الترهيب والترغيب كافّة بغرض قلب الطاولة والمعادلات في المجلس النيابي وصولاً إلى الانتخابات الرئاسيّة بأكثريّات مؤكّدة ومريحة، لكن لا تجعلوا من أنفسكم ومن مؤسّستكم كبش فداء لهؤلاء السياسيّين الانتهازيّين الذين سيحقّقون من خلالكم مكاسبهم. ومن بعدها سينكرونكم وسيرجمونكم وسيتنكّرون لجميلكم معهم. فأنتم قضاة الحقّ. حافظوا على قسمكم».

وإذا ما عدنا قرابة العقود الثلاثة نجد المشهد ذاته. يومها كان مسرح الانقلاب على القانون والدّستور على مذبح كنيسة سيّدة النجاة. وعندها كان قلق اللبنانيّين واحداً، وانتظار متى قد تصدر مذكّرة توقيف بحقّ أيّ منهم هو الهاجس الذي لم يخفهم، بل ذهبوا ببسالة لمواجهة مَن استخدم القانون والقضاء للقضاء على القضاء والدّستور والدّولة. وهل أصبحنا في دولة، القضاء الدّستوري فيها في خدمة فريق سياسيّ ضدّ آخر؟ الخبير الدّستوري الدكتور سعيد مالك يختم قائلاً: «إذا كان القضاء بخير فالوطن بكامله بخير».

اخترنا لك