هل يؤدّي الصراع الثنائي في العراق إلى الفراغ ؟

بقلم د. ميشال الشماعي

دخل اعتصام التيّار الصدري أسبوعه الرابع حيث تطوّر في تصعيد لافت باتّجاه السلطة القضائيّة على وقع الأزمة التي تعيشها البلاد منذ عشرة أشهر. وبدأ هذا الاعتصام يأخذ مدى واسعًا بين العراقيّين الذين يرفضون استخدام مؤسّسات الدّولة من قبل الإطار التنسيقي التابع لإيران، فنصبوا خيمهم أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في بغداد أمام البوّابة الخارجيّة في حيّ الحارثيّة، فعلّق المجلس والمحاكم التابعة له العمل.

وجاء هذا الاعتصام بعدما منح مقتدى الصدر هذا المجلس مهلة لحلّ البرلمان، وإجراء انتخابات نيابيّة مبكرة. وحتّى الساعة لم ينفّذ هذا القرار بحجّة عدم اختصاص المجلس بهذه القضيّة. بمعنى آخر يعدّ ذلك كفعل الهروب إلى الأمام. وتجدر الإشارة إلى أنّ المجلس كان قد عقد جلسة، برئاسة رئيس محكمة التمييز الاتحادية القاضي فائق زيدان، لمناقشة طلب الصدر، وتوصل إلى قراره هذا بعدم التدخل.

عندها طالب مدير مكتب مقتدى الصدر في العراق إبراهيم الجابري باستقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى، وصرّح بأنّ “الاعتصام في مجلس النواب العراقي مفتوح ومستمرّ، ولا انسحاب من البرلمان إلا بالقضاء على الفاسدين واستبعادهم”.

بيانات وبيانات مضادّة وفشل الدعوات للحوار

وأفاد بيان لمناصري التيار الصدري بأن الاعتصام أمام مجلس القضاء الأعلى سيستمر حتى تحقيق “لائحة مطالب” قدموها، من بينها “حلّ البرلمان” و”عدم تسييس القضاء”، حسب صور نشرها التيار على مواقع التواصل.

فحمّل مجلس القضاء الأعلى الحكومة والجهة التي تقف وراء الاعتصام المسؤولية القانونية إزاء النتائج المترتّبة على هذا التصرف. كما علقت نقابة المحامين العراقيين عملها رفضًا لاعتصام التيار الصدري أمام مجلس القضاء الأعلى وتضامنًا مع القضاء.

أمام هذا الواقع يبدو أنّ العراق قد دخل في نفق التعطيل الذي يبرع حلفاء إيران بفرضه في أمكنة سيطرتهم، كلبنان مثلاً الذي ما يزال منذ العام 2008 وحتّى اليوم، ينتقل من دوّامة تعطيل إلى أخرى، وآخرها الخطر المحدق اليوم في تعطيل الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، بهدف إيصال مرشّح مدعوم من محور إيران.

ومن هذا المنطلق نتوقّف أمام طرح التيّار الصّدري مع مقترح عبر وسيط دولي لعقد جلسة حوار أو مناظرة مباشرة أمام الشعب العراقي لإصلاح ما أفسد لإنقاذ العراق، لمعرفة مَن له الأحقيّة وروح الوطنيّة ومَن له الروح التبعيّة. ولكن الإطار التنسيقي رفض ذلك جملةً وتفصيلاً. وسبق وصرّح الإطار على لسان تيّار الحكمة الذي يقوده عمّار الحكيم ما مفاده “نستطيع تغيير المرشح السوداني لتولّي منصب رئيس مجلس الوزراء، على أن يتعهّد التيّار الصدري التخفيف من حدّة طروحاته” آملاً بوجود حلول قريبة من قبل الطرفين للخروج من أزمة تشكيل الحكومة.

الأهداف المعلنة والغايات المضمرة

وفي هذا السياق يلفت الكاتب والباحث السياسي غزوان الياس لموقع جسور بأنّ “التيّار الصدري يطالب بتغيير النّظام برمّته، وهو يصفه منذ العام 2003 بنظام المحاصصة وتقسيم النّفوذ. لذلك، يطالب بإجراء الانتخابات البرلمانيّة بأقرب فرصة، وإجراء تغييرات جوهريّة في النظام العام بدءا بالدّستور وكيفيّة تعامل الحكومة والشعب، وصولاً إلى مقاربة جديدة للملفّات الإقليميّة.”

كما يرى الياس بأنّ “الإطار التنسيقي يشترط لإعادة الإنتخابات تغيير قانون الانتخابات الذي أقرّ قبل الإنتخابات الأخيرة والذي منح التيّار الصدري الفرصة بالفوز وبانتزاع الأكثريّة من حلفاء إيران.”

مع الإشارة هنا إلى وجود حراك في العراق اليوم لإسقاط حكومة الكاظمي التي يعتبرها الإطار التنسيقي واجهة للتيّار الصدري. لا سيّما بعد دخول مناصري الصدر مرّتين إلى البرلمان، حيث صدرت دعوات من الإعلاميّين التابعين للإطار باقتحام الحكومة بهدف تقويض جهود الصدر في الهيمنة على مؤسّسات الدّولة.

أمّا بالنسبة إلى حلفاء الصدر من السنّة بقيادة الحلبوسي والأكراد بقيادة البارزاني فيرى الياس بأنّهم “يخشون إجراء تغييرات جوهريّة في الدّستور ممّا سيؤثّر في الحقوق والإمتيازات التي حصلوا عليها خلال هذه السنوات. فبالنسبة إليهم، هم يرون ضرورة التغيير في أمور أخرى لا تمسّ حقوقهم وامتيازاتهم. كذلك يشترطون وجود إجماع على الفقرات التي ينوي الصدر تغييرها في الدّستور.”

حال السلطة التشريعيّة بعد التطوّرات كلّها

ويرى الياس أنّ “الإنتخابات البرلمانيّة الجديدة ستكون حتمًا لصالح التيّار الصدري لأنّه يتمتّع بغالبيّة شعبيّة. فضلاً عن أنّ حلفاءه من الأكراد والسنّة لا يخشون المواجهة بسبب تمتّعهم بقواعد شعبيّة واسعة.” أمّا الإشكاليّة بحسب الياس فتبقى في حال تغيير قانون الإنتخاب. مع الإشارة إلى أنّ الكاظمي يتماهى مع الطرح الصدري بشكل أو بآخر، وهنالك دعوات لتغيير الحكومة وإقرار الإنتخابات لأنّ لإطار التنسيقي يصف الكاظمي بالمعرقل.

وفيما يتعلّق بالتداخلات الإقليميّة في المنطقة فيلفت الياس بأنّ “الإطار التنسيقي يضمّ مع حلفائه من الإتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني بعض النواب السنّة الآخرين والأقليّات الذين يدورون في الفلك الإيراني. مقابل ذلك، هنالك تداخلات من تركيا ودول الخليج والولايات المتّحدة الأميركيّة التي تعدّ اللاعب القويّ على الساحة العراقيّة تهدف إلى إيجاد حلّ.”

وبالنسبة إليه تخضع هذه التداخلات للمدّ والجزر بين مختلف أطرافها للخروج من هذه الأزمة التي تعدّ في ذروتها الآن. فإذا استمرّت اكثر ستتأثّر حياة النّاس لأنّ حكومة تصريف الأعمال لا صلاحيّات لها بعد الإنتخابات. والناس بحاجة لتسيير شؤونها الحياتيّة اليوميّة. والبلاد كلّها باتت تعاني التعطيل والشلل والفراغ الدستوري ما بين انتخاب رئيس الجمهوريّة أولاً وتشكيل الحكومة من الأكثريّة النيابيّة. ولا يستطيع أحد أن يجزم كيف ستنتهي الأمور لأنّ الوضع معقّد جدًّا.

وتخوّف الياس بالنسبة إلى الوضع التشريعي في العراق اليوم لأنّه برأيه “بعد انسحاب ال 73 نائب من التيار الصدري من البرلمان العراقي، بات الإطار التنسيقي يملك الأكثريّة من الكتل. وقد عوّضت المقاعد المستقيلة بمقاعد أخرى. لذلك، يتمتّع الإطار التنسيقي اليوم بأغلبيّة كبيرة في مصادرة القرار وإصدار قرارات تتيح له التصرّف في مقدّرات الدّولة. وهو يجبر رئيس البرلمان الحلبوسي إمّا على عقد جلسة طارئة أو الإقالة حيث يملكون أغلبيّة النوّاب. ”

الوضع المعقّد يفضي إلى المجهول

الأجواء معقّدة جدًّا. السنّة والأكراد الممثّلون بحزب الديمقراطي الكردستاني متخوّفون جدًّا من الوضع الدستوري للبلاد بعد انسحاب حليفهم القوي أي التيار الصدري من اللعبة البرلمانيّة. وبات اليوم العراق في واقع جديد يختلف تمامًا عمّا أفرزته الإنتخابات سابقًا. وملفتٌ ما قاله رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح “إن تطورات الأحداث في البلد تستدعي من الجميع التزام التهدئة وتغليب لغة الحوار، وضمان عدم الانزلاق نحو متاهات مجهولة وخطيرة.” وهذا ما تخوّف منه الكاتب والباحث السياسي غزوان الياس أي انزلاق البلاد نحو متاهات مجهولة وخطيرة أو حتّى تغيير خطير في الدستور العراقي قد يضرب الصيغة الفدراليّة التي قام على أساسها دستور العام 2003 كما أوضح لجسور.

وتأتي في هذا الإطار أيضًا الدعوة التي وجّهها الكاظمي إلى اجتماع فوري لقيادات القوى السياسية من أجل تفعيل إجراءات الحوار الوطني ونزع فتيل الأزمة، مطالبًا جميع القوى السياسية بالتهدئة واستثمار فرصة الحوار الوطني للخروج بالبلد من أزمته الحالية. وأشار الياس لموقعنا أنّ الكاظمي أيضًا سبق وحذّر من “أن تعطيل عمل المؤسسة القضائية قد يعرض البلد لما وصفها بمخاطر حقيقية، مشيرًا إلى أن حقّ التظاهر مكفول وفق الدستور لكن مع ضرورة احترام مؤسسات الدولة. وهذا ما حذّر منه الياس بدوره، وما ندّدت به أيضًا بعثة الأمم المتّحدة.

وتبقى خشية الياس الكبرى كما ختم لموقعنا بأن ينجح الإطار التنسيقي المحسوب على إيران عبر صراعه المحتدم دستوريًّا وشعبيًّا مع التيار الصدري “بتفريغ المؤسّسات الدستوريّة من قدرتها عبر تعطيلها، ما قد يؤدّي إلى انفراط العقد العراقي برمّته والدّخول في المجهول، وعندها لن ينفع البكاء وصريف الأسنان.”

اخترنا لك