بقلم محمد الجنون
لم يكُن الفنان جورج الرّاسي عالماً بما ينتظرهُ على طريق المصنع من لحظاتٍ أخيرة قبل وفاتِه فجر اليوم السبت.
المشهدُ مروّع جداً ولا كلمات تختصرُ الحادث الذي أزهق حياة الفنان الشّاب بغفلةٍ غير محسوبة أساسها القدر. أما الأمرُ الذي يُدمي القلوب فهو أنّ الراسي لم ينجح هذه المرة في النّجاة بعدما اختبر الكثير من الحوادث في أيامِه الماضية.. حقاً، اللحظةُ صعبة جداً، فلا شيء يُحاكِي تفاصيلها، لكنّ الأصعب كان في هول الحادث الذي سيتركُ بصماته على طريقٍ باتت عنواناً لخسارة حياة فنان شابٍ كان ينبضُ بالحياة.
من يُعاين الصّور التي انتشرت للحادث الذي تعرّض له الراسي إنّما يكشفُ عن مشهدٍ قاتل بالفعل.. الطريقُ من دون إنارة رغمَ وجودِ أعمدة عليها، وهنا يتجلى الواقع المرير.. لا كهرباء، ولا ضوءَ للسيارات المارّة هناك وهنا نصف الحِكاية.. فأي سلامة مرورية ستتحقق في ظلّ عتمةٍ ساهمت في الإطباق على حياةِ شابٍ مفعمٍ بنور الفن؟ حقاً، الأمر مروّع جداً ولا يمكن اختصاره بأحرف وأبجدية، فالخسارة كبيرة وسطَ انعدام الأمان على الطرقات، وبتنا نسأل يومياً: من الضحية التالية على طرقاتنا ؟
بشكل أو بآخر، تكشف المعطيات الأولية أن حادث الرّاسي وقع بعدما فقد الأخير السيطرة على مركبته من نوع “كيا”، وما يتبين هو أنّ الحادث وقع لحظة اصطدام السيارة بالحائط الفاصل للطريق بين الحدود اللبنانية والسورية. ومن شدّة الضربة، طارت أجزاءٌ من المركبة إلى المقلبِ الآخر.
الحادثة وقعَت، والمعلومات تشيرُ إلى أنّ الراسي كان يقيمُ حفلاً في دمشق ليل السبت، وقد همّ بالعودة إلى لبنان فجر اليوم، وقد انتشرت فيديوهات عديدة خلال الحفل الذي أقيم وسط أجواءٍ عامرة.
ووفقاً للمعطيات المتوفرة، فإنّ الحادث وقع عند الساعة الخامسة والرّبع فجراً، ولشدته اضطرت فرق الدفاع المدني لاستخدام أدوات حادة وآليات عديدة لانتشال جثة الراسي وجثة سيدة كانت معه في المركبة.
أمّا الأمر المُحزن هو أنّ الراسي كان متألقاً في كل لحظاته، حتى أنه ترك رسالته الأخيرة عبر حسابه على “انستغرام” من خلال الترويج لأغنيته الجديدة “بعمل بأصلي”.. هنا، سيبقى هذا العملُ راسخاً في الذاكرة، لأنه اقترن مع آخر لحظاتٍ عاشها الراسي قبل رحيله.
قبل 8 سنوات، كان الراسي قد كشف سراً عن نفسه، وقال: “حزام الأمان أنقذ حياتي مرات عدة، ولو لم أكن أضعه لكنت الآن بين عداد الاموات”. حينها، قال الراسي ذلك في مقابلة مع جمعية “اليازا”، إذ كشف عن معاناته مع حوادث السير، مؤكداً أنه تعلم الكثير مما شهدهُ في حياته.
في سياق حديثه الذي بات مُترسخاً في الذاكرة، اعتبر الراسي أنه من المؤسف أنه بسبب الفساد المستشري في هيئة إدارة السير، فقدت رخصة السوق قيمتها وهيبتها في نظر عدد كبير من دول العالم فلم يعد معترف بها.
بكل حق، أصبح جورج الراسي هو الخبر اليوم، فبعدما تألق في حياته فناناً، ها هو اليوم يرحلُ تاركاً وراءه إرثاً باقياً وصوراً للحظاتٍ تكشف مشهداً مروعاً من طرقات بلادنا التي تسلب حياة شبابنا الواحد تلو الآخر. وهنا، تُطرح التساؤلات الأساسية: من تسبب بموت جورج الراسي ؟ الطريق المطفأة ؟ السرعة الزائدة ؟ السيارات غير المجهزة لطرقات كثيرة ؟ الأجوبة كلها سقطت بينما جورج الراسي ارتقى ليصبح في جوار ربّه في دنيا الأمان..