بقلم د. ميشال الشمّاعي
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مشاريع تقسيميّة أو كونفدراليّة انفصاليّة لا سيّما بعد توالي تصريحات بعض مسؤولي منظمة حزب الله كتصريح رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله في لبنان، وأحد القادة البارزين فيه، وهو ابن عمة أم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، هاشم صفيّ الدين مثلاً الذي بشّر اللبنانيّين بنفاد صبرهم الذي طال مدّة 40 سنة، في مناسبة الذكرى الأربعينيّة لتأسيس هذه المنظّمة، وهو اعترف علنًا بأنّهم يريدون عيش قناعتهم وثقافتهم وحضارتهم ذات الامتداد الأيديولوجي في لبنان.
هذا بالطبع من دون إغفال ذاك التصريح للنائب محمّد رعد الذي قال فيه علنًا: “نحن أسياد هذا البلد” ولكنّه لم يكمل التتمّة المعروفة: “وأنتم العبيد فيه”. هذه الفوقيّة الساقطة أبريوريًّا لا يمكن أن تبني وطنًا بالشراكة معها. يدّعون إرادة العيش معًا وهم يريدونه تعايشًا بشروطهم فقط. وهذا بالطبع مرفوض ولا يمكن القبول به من أيّ حرّ وشريف ولبنانيٍّ أصيل.
ولا يخفى على أحد أنّ هذه المنظّمة عملت على فرز مناطقي وفق القاعدة الطائفيّة من الجنوب إلى البقاع الشمالي فضاحية بيروت الجنوبيّة، من دون إغفال احتلالها لمنطقة القصير السوريّة المحاذية لمنطقة نفوذها، بل والأكثر التي استطاعت عبر هذه المنطقة ربط وجودها في جنوب لبنان ببقاعه الشمالي. بحسب الخريطة التي نشرها موقع middleeasteye.net منذ فترة. فبمعنى آخر، صار لهذه المنظمة اليوم رقعة جغرافيّة واضحة المعالم تستطيع إعلان جمهوريّتها فيها.
لكن يبقى انتظار ساعة الصفر هو سيّد الموقف. وربّما إشكاليّة ربط ضاحية بيروت الجنوبيّة هي التي تدفع باتّجاه الشكل الكونفدرالي الانفصالي لا التقسيمي بشكل كلّيّ. ماذا لو استطاعت هذه المنظمة ربط ضاحية بيروت جغرافيًّا في أيّار 2008 لكانت ذهبت بمشروعها نحو التقسيم الكلّي. لكن الفشل الذي منيت به بعد أيّار 2008 والمقاومة التي واجهتها دفعتها إلى تحوير استراتيجي في مشروعها الانفصالي.
أمّا شيطنة الطرح الفدرالي الاتحادي وإلصاق المصطلح التقسيمي به، فممّا لا شكّ فيه أنّ هذه المنظمة بإعلامها الأصفر، ومَن حالفه من الإعلام البرتقالي قد نجحت بشيطنة المصطلح وطارحيه. وحتّى كلّ مَن يدعو اليوم إلى تطبيق اللامركزيّة التي نصّ عليها اتّفاق الطائف يُشيطَنُ أيضًا بحجج واهية لا يمكن لأيّ عاقلٍ القبول بها؛ أو يتمّ وضع مواد أخرى من اتّفاق الطائف كإلغاء الطائفيّة السياسيّة مثلاً وجعل لبنان دائرة انتخابيّة واحدة وفق القانون النسبي مقابل تطبيق هذا البند من الطائف. والأدهى من ذلك، أنّ المطالبين بهذه الشروط هم حلفاء هذه المنظمة قبلها هي، متخطّين بذلك حدود الذميّة كلّها، إذ لم يعرف التاريخ مثالاً يشبههم حتّى اليوم.
عمليًّا، ماذا يعني هذا الكلام كلّه؟ لا يمكن تفسير كلّ ما تقدّم إلّا من مُنطَلَقٍ واحدٍ. وعلى ما يبدو باتت هذه المنظّمة مقتنعةً أكثر بأنّها لن تستطيع خطف لبنان كلّه إلى ما لا نهاية. ولعلّ في ذلك الاستنتاج قراءة واقعيّة لنتائج انتخابات 2022 التي لن تستطيع الانقلاب عليها إلى ما لا نهاية.
لذلك، سيكون الطرح الكونفدرالي، كما كتبت في مقالات سابقة، هو الطرح الذي ستعدّ بوساطته لانفصالها عن الدّولة اللبنانيّة. ولعلّ أعمالها التي دفعت بعض اللبنانيّين نتيجة لقحطهم ممّا أوصلت لبنان إليه باتوا يطالبون اليوم هم بالتقسيم. على قاعدة أن تزيح هذه الكأس عنها، وألّا تكون هي المُطَالِبُ الأوّل بهذا المشروع، بل هي تعدّ نفسها لردّة الفعل فيكون مشروعها الكونفدرالي هو الحلّ لكلّ شيء. وللمدى الأبعد أن يكون مشروع تحويل لبنان كلّه إلى جمهوريّة خاصّة بها قد نضج. فسلاحها موجود وجيشها موجود وماليّتها موجودة وسياستها الخارجيّة موجودة، وطالما كلّ شيء موجود، وطالما قد تقدّم إلى الأميركي والإسرائيلي بموضوع الترسيم ما لن تستطيع الدّولة اللبنانيّة أن تقدّمه، فهي حتمًا التي ستعلن مشروعها التقسيمي الانفصالي لكن يبقى ذلك رهن بانتظار ساعة الصفر الدّوليّة والإقليميّة. والأيّام القليلة المقبلة ستثبت ذلك. ومن له أذنان للسماع فليسمع!