مؤتمر في دار الفتوى لدعم القضايا الوجوديّة وأوّلها رئاسة الجمهوريّة

بقلم د. ميشال الشماعي

دار الفتوى تتحضّر لجمع السنّة في المرحلة المقبلة. وكلام السفير الإيراني مجتبى أماني حول تصنيفه مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة الشيخ عبد اللطيف دريان بأنّه مفتي السنة فقط، هو رسالة مقصودة بعدما أدرك اللاعب الإيراني في السياسة الدّاخليّة اللبنانيّة نيّة دار الفتوى وعزمها على توحيد الصفّ السنّي في مواجهة كلّ مَن لا يريد الخير للبنان الجديد. وسيأتي هذا المؤتمر لتثبيت المرجعيّة اللبنانيّة لا الطائفيّة الضيّقة لدار الفتوى. فبنهاية المطاف، الوجود السنّي هو من مرتكزات قيام دولة لبنان الكبير، ولا يمكن للبنان الجديد أن يقوم من دون هذا الدّور الفاعل للوجود السنّي فيه.

رسائل إقليميّة من لبنان

فهذا الكلام الذي صدر على لسان السفير الإيراني، مجتبى أماني، ومن على منبر دار الفتوى بالذات ليس بالطبع زلّة لسان، بل فيه رسالة مقصودة بتحجيم دور دار الفتوى وجعلها مرجعيّة دينيّة فقط لا غير. والملفت في هذا السياق، ردّة الفعل التي تلت هذا التصريح. وهذا ما لم يكن متوقَّعاً من قبل الديبلوماسيّة الإيرانيّة لاعتقادها بأنّ السنيّة السياسيّة في لبنان قد انتهت مع عزوف دولة الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي.

ولعلّ هذا ما دفع بالسفير الإيراني إلى اعتذار علني وواضح عبر موقع تويتر مركّزاً على تسمية المفتي عبد اللطيف دريان كما تجيز الأصول المؤسّساتيّة اللبنانيّة المتعارَف عليها ديبلوماسيّاً وجاء فيه : «صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي تجمعنا به وبما يمثل من قيم إسلامية ووطنية أصيلة، علاقة أخوية طيبة، لا يمكن أن يعكر صفوها مَن يتسلّل بين الكلمات من دون الأخذ بالمعنى والمضمون».

ولم يوفّر في اعتذاره الغمز من قناة أولئك الذين يسعون إلى توتير العلاقات بين الطرفين، لكأنّ هذه العلاقات هي على أفضل ما يرام محلّيّاً وإقليميّاً. وبالمقابل أقفلت دار الفتوى هذا الملفّ وسارت قدماً في طريقها لجمع اللبنانيّين عموماً والمسلمين السنّة خصوصاً.

ويلفت في إطار الردّ على ما قاله السفير الإيراني أيضاً تأكيد النائب فؤاد مخزومي «أن سماحة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان هو مفتي الجمهورية اللبنانية». وهو أي النائب مخزومي من باب الحرص على الوحدة الإسلامية بل الوحدة الوطنية يقول «لا نميّز بين مذهب ومذهب وفي العرف اللبناني يعدّ سماحة المفتي مفتي لبنان.» ويتابع «بالقانون سماحة المفتي هو مفتي الجمهورية اللبنانية. فعدا عن الوظيفة الدينية التي نحترم ونجلّ، فهذا موقع وطني حين نجتمع حوله نجتمع حول رمز وطني. أما دار الفتوى فهي المنبر الجامع لقضايانا الوطنية».

وفي رسالة واضحة تثبّت الإنتماء العربي اللبناني، ناشد المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في بيانه الأخير «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان ودول مجلس التعاون الخليجي عدم التخلي عن لبنان وتركه في محنته فلبنان عربي الهوية والانتماء ولن يكون إلا مع إخوانه العرب».

مؤتمر سنّي للوصول إلى رئيس إنقاذي

وفي ضوء نتائج انتخابات 2022 التي تركت تشرذماً واضحاً في الشارع السنّي، وعلى أبواب الانتخابات الرئاسيّة، تتحرّك دار الفتوى باتّجاه توحيد القرار السنّي. من هنا، وجود اتّصالات تشمل غالبيّة النوّاب السنّة، بهدف عقد مؤتمر سني يبدأ بهؤلاء النواب، على أن ينضمّ إليه عدد من القيادات السنية، مع احتمال مشاركة رؤساء الحكومات السابقين.

ويلفت في هذا الإطار النائب مخزومي إلى أنّ «الانتخابات النيابية قد فرزت عدّة مجموعات لكن لا وحدة حال بينها. وهو يرى أنّ دار الفتوى قادرة على احتضان الجميع ليتمكنوا من التحاور ووضع خطة واضحة». ويتابع في حديثه لـ»نداء الوطن»: «فالسنّة شريك أساسي في البلد ولن نرضى أن تطبخ المواضيع بعيداً من الطائفة، فلدينا 27 نائباً في البرلمان ونشكل 25% من التركيبة القائمة».

وفي مراجعة تاريخيّة لمواقف دار الفتوى نلاحظ أنّها تتحرّك في الإطار الوطني العام وليس في الإطار السياسي الضيّق. هكذا كانت خطوة المفتي الشهيد حسن خالد وقبله الشيخ مصطفى نجا عند إعلان دولة لبنان الكبير. فالسنّة حاضرون في انتخابات رئاسة الجمهوريّة انطلاقاً من كونهم من صانعي لبنان الكبير، ولن يقبلوا بأن يتحوّلوا إلى ملحقين يتبعون القرار الإيراني في صناعة السياسة اللبنانيّة تحت إشراف منظّمة «حزب الله».

أمّا النائب مخزومي فيرى أيضاً أنّ «بيان المجلس الشرعي الإسلامي بيان وطني بامتياز، إذ يعرض لمختلف القضايا الوطنية من باب الجمع الوطني تحت سقف القانون، ومن باب حقّ الوطن على مرجعياته الدينية، ومن باب حفظ حقّ المواطن في العيش الكريم». فبالنسبة إلى مخزومي قراءته واضحة لبيان دار الإفتاء، وهكذا هو موقع المجلس ودار الفتوى التاريخي لم ولن يتبدل».

ويلفت في هذا السياق سماحة الشيخ القاضي خلدون عريمط رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام إلى أنّ «مجموعة من النواب أو بعضهم، من الشمال وبيروت والبقاع يتداعون لعقد لقاء موسّع في دار الفتوى». وأوضح سماحته أنّ «هذه الدعوة ليست من الدار، وإنّما تداعى بعض النواب إلى اللقاء تحت كنفها».

ويرى سماحته أنّه «طبيعي أن يرحّب سماحة المفتي عبد اللطيف دريان بأي لقاء في الدار. لأنّ اللقاءات في الدار ذات طابع وطني وليس فئوياً، فالمواقف واللقاءات منطلقاتها وطنية وإن كان سيكون للسنة فحسب، لكنّه بالتأكيد لن ينتج إلا مواقف وطنية تؤّكد النهوض بمؤسّسات الدولة، وقيام الدولة الحرة المستقلّة، الباسطة سيادتها وشرعيتها على كافة المناطق اللبنانية بلا استثناء».

ويتابع سماحته «هذا اللقاء من المرحّب به وهناك اتّصالات لبلورته، وبالتأكيد حتى الآن لم تحدّد الفئات التي ستشارك لكنّه ترك تحديد الأشخاص المشاركين للنواب لكي يقرّروا مَن يرونه مناسباً تحت مظلّة دار الفتوى». وأكّد أنّ «الإطار العام هو التمسك بالوحدة الوطنية والالتزام بالدستور والميثاق الوطني، أي وثيقة اتفاق الطائف».

رئيس إنقاذيّ

ويلفت سماحة الشيخ القاضي خلدون عريمط إلى أنّ لقاء النواب السنة في دار الفتوى «سيقارب الاستحقاقات القادمة وأوّلها استحقاق انتخابات رئاسة الجمهوريّة، من منظار وطني شامل، على أن يكون الرئيس رئيس اللبنانيين جميعاً، ويحرص على مصالحهم ويتحمل المسؤولية أمام الله والناس من دون تمييز بين طائفة وأخرى». ويرى سماحة الشيخ أنّ «الرئيس المقبل يجب أن يكون ممثلاً للبنان وليس لهذه الطائفة أو تلك أو لهذه المنطقة أو تلك». ويختم مثبتاً «أنّ السنوات العجاف التي عاشها لبنان على مدى هذه السنوات الستّ أكدت أنّ الرئيس المنحاز لفريق ما، لا يمكن أن يكون رئيساً صالحاً لبناء الدولة الوطنية الحديثة المحتضنة لجميع أبنائها من أقصى الشمال إلى الجنوب مروراً بالبقاع والعاصمة بيروت».

في المحصّلة، المطلوب اليوم رئيس إنقاذي يتمّ التوافق عليه بين الإنقاذيّين الذين يريدون إنقاذ الجمهوريّة الثانية بهدف إعادة إطلاقها نحو عمليّة تطويريّة نهضويّة يقوم عليها لبنان الجديد. وللسنّة دور كبير في هذه الديناميّة الجديدة التي ستحملها رئاسة الجمهوريّة في المرحلة القادمة. وأيّ فشل في إطلاق هذه الديناميّة فهذا يعني حتماً تحوّل لبنان كلّيّاً إلى حديقة خلفيّة للنظام الإيراني، يدرك العرب عموماً والمملكة خصوصاً، أنّ هذه الحديقة ستكون منصّة إضافيّة للإنطلاق منها نحو العالم العربي كلّه بهدف تصدير الثورة الإيرانويّة التي تحمل مشروع التشيّع تحت عباءة ولاية الفقيه.

اخترنا لك