لبنان… محنة العيش مع “الوطن المخطوف”

بقلم طارق أبو زينب – جسور

حدثان هامّان طبعا المشهد السياسي في لبنان خلال الأسبوع الماضي، تداخلا بطريقة غير مباشرة عبر بصماتٍ إيرانيّة استهدفت المملكة العربية السعودية وموقع دار الإفتاء في لبنان فاستدعت تحركًا لسفير المملكة في بيروت وليد بخاري كما رفعت منسوب الغضب لدى اللبنانيين.

فقد أثار تسجيل صوتي لمعارض سعودي بـ”إبادة سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان وكل من فيها”، موجة واسعة من الاستنكار الرسمي والشعبي، دفعت بالأجهزة الأمنية اللبنانية إلى الاستنفار كما طرحت علامات استفاهم عن توقيت التهديد.

الحدث الثاني، سُجّل في دار الفتوى الإسلامية في بيروت حيث أطل السفير الإيراني الجديد في لبنان “مجبتى أماني” بنبرة فوقية مستبدلاً في تصريحاته، صفة سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان بعبارة “فضيلة الشيخ مفتي أهل السنة” ما أثار استياء مفتي الجمهورية كما كشفت مصادر خاصة لـ”جسور” وخلق جدالاً واسعًا لدى جمهور الطائفة السنية في لبنان.

تحرّك بخاري

اليوم صباحًا اجتمع سفير خادم الحرمين الشريفين في لبنان وليد بن عبد الله بخاري مع وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي في مقر الوزارة.

التحديات الأمنيّة

السفير السعودي وبعد اللقاء أكد أن “الجهود الدبلوماسيّة السعودية تهدف إلى تأمين شبكة أمان دولية مستدامة في مواجهة التحديات التي تهدد أمن واستقرار لبنان ووحدته”، وأشار إلى خطورة تداعيات السياسات العدائية والتحريضية التي تنطلق من لبنان تجاه دول مجلس التعاون الخليج العربي والتي تتنافى كليًا “مع القيم والمبادئ الأخلاقية والقوانين والأعراف الدولية” وأضاف بخاري “نهيب بالأجهزة الأمنية اللبنانية المختصّة استكمال الإجراءات القانونية والأمنية حيال ما نشره المدعو علي هاشم من تهديدات إرهابية وتوقيفه وتسليمه للسلطات السعودية كونه مطلوبًا أمنيًا” لديها .

ردود فعل لبنانيّة

أثار تهديد المطلوب للعدالة في السعودية علي هاشم للسفارة السعودية موجة غضب لدى قسم كبير من اللبنانيين الذين تخوّفوا من إدخال لبنان في أتون فوضى لا تحمد عقباها في حال تنفيذه. وبات معلومًا لديهم أن التهديد لم يكن مجرّد منشور تم توزيعه، بل جاء نتيجة توجّه سياسي ورسالة تهديد مباشرة للمملكة العربية السعودية من محور طهران عبر مواطن سعودي يدَّعي المعارضة ويقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت التي يرعاها ويهيمن عليها حزب الله.

واعتبر هؤلاء أن إيران أرادت توجيه رسالة للمملكة للقول إن بإمكانها تفعيل منسوب العداء ضدّ مصالح المملكة ومؤسساتها وسفاراتها، من خلال استخدام أدواتها في لبنان وخارجه، وذلك بهدف الضغط على المملكة العربية السعودية، للجلوس معها الى طاولة المفاوضات التي يتم الحديث عنها بين الحين والآخر، وكي تقول للمملكة أيضًا إن بإمكانها إسكات وضبط هؤلاء الإرهابيين ساعة تشاء إذا ما استجابت المملكة لشروط طهران في المفاوضات التي تجري.

وتزامنت تهديدات هاشم مع المفاوضات الجارية بين إيران وواشنطن في الملف النووي وكأن طهران تقول للعالم “إما تقبلون بي كدولة نووية أو عليكم مواجهة العنف والإرهاب في دول المنطقة”.

الأمن في لبنان

في المقابل يرى مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارت حسان القطب أن التهديد الذي أطلقه الإرهابي السعودي علي هاشم ضد سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان، “ألقى بالضوء على الواقع الأمني كما السياسي في لبنان.. اذ تنتشر صور للإرهابي مع مجموعات مسلّحة من عناصر حزب الله، ما يعني أنه يحظى برعاية واحتضان من قِبل قيادة حزب الله الذي يجند الارهابيين والمعارضين لزعزعة الاستقرار في الدول العربية والإسلامية، خصوصًا دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية..”

وكان سبق أن رعى حزب الله مؤتمرًا ومهرجانًا لمجموعات بحرينية إرهابية تقيم في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت أيضًا، رغم قرار وزارة الداخلية اللبنانية بمنع المؤتمر، ما يعني أن حزب الله لا يقيم اعتبارًا لقرارات السلطة الرسمية في لبنان ويجري ما يريد من ممارسات في الداخل اللبناني كما خارج الحدود دون العودة الى السلطة اللبنانية أو احترام مواقفها.

إستعراض إيرانيّ مقلق

في المقابل، جاء استعراض السفير الإيراني الجديد ليعلن عمليًا وقوع لبنان في الأسر الفارسي، وخير دليل على ذلك أن قرار السلم والحرب في البلد الصغير بات تحت رحمة إيران ومليشياتها. وفيما عكس كلامه إطمئنانا لديه، بعث بالقلق لدى اللبنانيين ما دفع بناشطين على مواقع التواصل للتعبير عن استيائهم من هذا التوصيف، مستغربين عدم صدور أي موقف من مرجعيّات سنيّة تطالب بتوضيح ما حصل.

رسالة حادّة إلى المفتي

من جهتها، وجّهت الإعلامية سحر الخطيب رسالة إلى المفتي دريان تطالبه فيها بمواجهة الإهانة: “رأس الإفتاء، أخبرونا عنكم أن السفير الإيراني وقف على بابكم وناداكم باسم مفتي السنّة، وليس مفتي الجمهورية. وفي هذا لا أسجّل عجبي. ترى يا سيدي نعرفهم جيدًا!” وأضافت: “في السياسة الرجل الإيراني يحدّد لك اختصاصك ويضيّقه رسميًا بعدما ضاق فعليًا، وهو ليس ذا اختصاص! اختصاص الدبلوماسية الدبلوماسية! وحين تخرج عن ذلك اسمح لنفسك بالخروج من تحت السماحة إلى المواجهة”!

استعراضات سليمانيّة

في الواقع، الإستعلاء الإيراني ليس جديدًا فقد سبقه استعراضات سليمانية عديدة في قلعة حلب السورية وبغداد العراقية، وكلها كانت تعلن انتصارات ميدانية لجمهورية تقاتل خارج حدودها، لكن ما يستدعي بحثه هو المُفاخرة الإيرانية بمليشياتها الإرهابية في المنطقة.

ولا يُخفى تأثير لهجة المفاخرة على الإنقسام الحاصل لدى الشعب اللبناني، بين من يريد أن يستمر لبنان كصندوق بريد سقط في آتون الإفلاس المالي والسياسي والاجتماعي بسبب سيطرة الحاضنة الفارسية عليه، ومن لا يزال مصرًا على الدفاع عنه وعن انتسابه الأصلي إلى عروبة شديدة الصلة بالحداثة والتطور.

لبنان الضحيّة

في الختام، يبدو واضحًا عدم إمكانية التعايش مع نظام الملالي الذي يستخدم الإرهاب وسيلة وسلاحا، والإرهابيين أدوات، والتخريب سياسة متعمّدة لفرض شروطه وتكريس هيمنتة، ليبقى لبنان ضحية هذه السياسية التي ينفذها حزب الله خدمة لمشروع طهران التوسعي.

اخترنا لك