الجمهورية
غداة اللقاء الخامس بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وفي اليوم الاول من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية جديد، لم يسجل الى تطور إيجابي لا على مستوى تأليف الحكومة الجديدة ولا على مستوى التحضير لإنجاز الاستحقاق الدستوري، وما صدر من مواقف ومن تسريبات في صددهما صَبّ في خط التشاؤم إزاء مصيرهما، فيما تستمر الازمات في التفاقم والتناسل لتطاول كل قطاعات الدولة والوضع المعيشي المذري الذي يعانيه اللبنانيون في كل نواحي حياتهم اليومية.
وفيما لم يصدر أي مؤشر بعد على ما سيتّخذه رئيس مجلس النواب بيه بري ازاء الاستحقاق الرئاسي في ضوء خريطة الطريقة التي أعلنها في خطاب صور لمناسبة ذكرى تغييب الامام موسى الصدر امس الاول ودعوته الى انتخاب رئيس للبلاد «يجمع ولا يفرّق»، رشح انه ربما لن يتأخر في ممارسة واجباته الدستورية في هذا الاتجاه لعله يتم انجاز هذا الاستحقاق ضمن مهلة الستين يوماً الدستورية المحددة لهذه لغاية، وهو ينتظر تبلور بعض المعطيات غير متوقف عند بعض الآراء الدستورية، معتبراً انّ مجلس النواب سيّد نفسه في انتخاب الرئيس وفي ممارسة دوره التشريعي في اي وقت بحيث لا يعطّل اي من الاستحقاقين الرئاسي والحكومي دور المجلس وتفعيله وتوسيعه بما ينسجم مع طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد.
وبَدا من بعض التسريبات امس انّ اوساط القصر الجمهوري بدأت تحمل على على بري على خلفية معارضته تأليف حكومة تضم ستة وزراء دولة سياسيين، وقد اعلن ذلك علناً في خطاب صور عَدم جَدواها في هذه المرحلة، فيما عون يتمسك بتأليف مثل هذه الحكومة ولم يلق تجاوباً لدى الرئيس المكلف في لقائهما امس الاول الذي تمسّك بالابقاء على حكومته الحالية باستثناء تغيير وزيري الاقتصاد والمهجرين امين سلام وعصام شرف الدين فيها، مكرراً دعوة عون الى تسميتهما مع الاخذ في الاعتبار موافقة نواب عكار في شأن البديل لسلام واختيار اسم درزي لوزارة المهجرين لا يكون على خصومة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
طارت الحكومة
وقال مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية» انّ «الهوة تعمّقت بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وانتقل كل منهما الى ضفة في مسارَين لا ولن يلتقيا الا بمشيئة الله». واضاف: «انّ الحكومة طارت وسقطت كل المحاولات لإمكانية تشكيلها قبل انتهاء العهد، والسبب ان فريق رئيس الجمهورية الذي يقوده باسيل انفصل تماما عن الواقع وتَعدّت شروطه المطالبة بـ٦ وزراء فأصبح يريد حكومة انطلاقة عهد وليس حكومة نهاية عهد، الا اذا كان يعتبر الفراغ الرئاسي هو عهد مكمل سيسمّيه عهد الفراغ ويصدر «طابو» بملكيته».
وقال المصدر الرفيع نفسه: «الشباب وضعوا برنامج حكومة مُثقل بالمطالب، وميقاتي ليس في وارد السير بها على الاطلاق، خصوصا انه اصبح محصّناً بسلاحين: الاول، الرأي الدستوري الذي يؤكد ان الحكومة الموجودة مهما كانت صفتها هي التي تتسلّم الحكم. والسلاح الآخر هو ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري من صور من انّ المجلس النيابي هو الوحيد من لديه صلاحية تفسير الدستور». ورأى المصدر «انّ ما بعد الاول من ايلول ليس كما قبله، والاهتمام السياسي سيصبح في مكان آخر».
تمسّك بعبدا بالتوسيع
وكانت مصادر قريبة من قصر بعبدا رَدت، عبر «الجمهورية «أمس، بطريقة غير مباشرة على موقف بري المعارض للحكومة السياسية في هذه المرحلة، وقالت: «انّ البحث في تأليف الحكومة لم يتجاوز التفاهم على الصيغة الوزارية وشكلها وتركيبتها ولم يصل الى مرحلة الأسماء الاضافية الجديدة».
وكشفت هذه المصادر «أن عون سبق له أن اقترح على الرئيس المكلف توسيع الحكومة بإضافة ستة وزراء جدد الى الصيغة التي تقدم بها في 29 حزيران الماضي وقد حظي بموافقة الرئيس المكلف». وأوضحت «انّ اقتراح عون هذا لم يكن الهدف منه، كما راح البعض بعيداً في تفسيره، ان يضمن حصوله على الثلث المعطّل ولا تعطيل تشكيل الحكومة ايضا، وإنما اراد تحقيق عدة أهداف، ومنها:
– ضرورة تأمين حصانة سياسية لحكومة الوزراء التكنوقراط تمكّنها من مواجهة الاستحقاقات المرتقبة في الآتي من الأيام، وأبرزها استحقاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية واقرار الاصلاحات في خطة التعافي الاقتصادية وغيرها.
– إنّ تجربة الحكومة الحالية وقبلها حكومة الرئيس حسان دياب اللتين ضَمّتا وزراء تكنوقراط لم تكن مشجعة، إذ افتقدت الحكومتان الى دعم الكتل السياسية الممثلة فيهما ما ادى الى تراجع في الغطاء السياسي الواجب توافره في هذه الحال.
– لا يخفى على أحد انّ تجربة الوزراء التكنوقراط تعرضت الى كثير من الانتقادات التي وجّهتها الكتل السياسية، وخصوصا عند مقاربتها للملفات السياسية، وهي تشكل حجما بالغا من العمل الحكومي وليست من القضايا العابرة.
– كاد غياب الغطاء السياسي ان يؤدي الى تعليق البحث في الملفات السياسية المهمة وهي قضايا بالغة الدقة والاهمية لا يمكن مقاربتها في ظل وزراء التكنوقراط، الذين عليهم ان يعيشوا حالاً من القلق التي تعوق اتخاذ القرار السياسي الحاسم عند عودتهم في كل مرة الى مرجعياتهم السياسية لسؤالها عن موقفها من القضايا المطروحة.
– في حال تمثّلت القوى السياسية مباشرة عبر الوزراء الستة الجدد يمكن تجاوز كثير من العقبات واتخاذ القرارات في وقت قياسي من دون اي تأخير تفرضه طريقة البحث عن أجوبة ومشاورات خارج إطار مجلس الوزراء.
واضافت المصادر انه «في حال وقع الفراغ الرئاسي فإنّ الحكومة الجديدة تحتاج الى تمثيل سياسي، خصوصاً ان تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية لأي سبب كان، وان الحكومة ستتولى مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، وفي مثل هذه الحال تصبح الحاجة الى تمثيل سياسي في الحكومة ملحّة وضرورية».
وتأسيساً على سلسلة الملاحظات، اشارت المصادر الى «انّ هذه الاسباب كافية ليكون المطلب المتعلّق بتوسيع الحكومة وزيادة الوزراء الستة كممثلين للاطراف السياسيين الموجودين في حكومة ميقاتي، مطلباً مُحقاً ووطنياً بامتياز، خصوصاً ان هذه الحكومة هي الاولى بعد الانتخابات النيابية التي جرت في ايار الماضي، وأفرزت واقعاً سياسياً جديداً لا بد من اخذه في الاعتبار لدى مقاربة ملف تكوين السلطة التنفيذية».
واعتبرت المصادر «انّ اي تفسيرات تُعطى لموقف عون من المطالبة بستة وزراء دولة سياسيين، من اي جهة او مرجعية صدرت، لا تأتلف مع الواقع الذي يفرض مقاربة وطنية مسؤولة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد بعيداً عن الحسابات الشخصية والاعتبارات التي برزت في الآونة الاخيرة، لأنّ الدعم السياسي للحكومة العتيدة هو حاجة ضرورية الآن لأنّ البلاد تمر في فترة دقيقة ومصيرية لا يجوز فيها التساهل او اللامبالاة».
وعليه، فقد تلاقت مضبطة الدفاع عن اقتراح عون بتوسيع الحكومة في توقيت دقيق أعقبت الأجواء التي نشرتها «الجمهورية» أمس، عندما قالت إنّ الاجتماع الذي جمعَ عون وميقاتي امس الاول لم يحمل جديداً بالنسبة الى مسألة تشكيل الحكومة، وانّ المواقف لا تزال على حالها حول الصيغة الحكومية المنتظرة. كما لفتت الى انّ البحث بين عون وميقاتي تطرّق الى مواضيع تتعلق بالعمل الحكومي ومصير عدد من المراسيم التي لا تزال مجمّدة ما يُعرقل عدداً من المواضيع المهمة، مثل تشكيل هيئة محكمة التمييز وتعيين عمداء كليات الجامعة اللبنانية وترقية الضباط من رتبة عقيد الى عميد، ومسائل اخرى جُمّدت نتيجة مواقف سياسية ومقاربات بعضها كَيدي.
الترسيم والتنقيب
وعلى صعيد ترسيم الحدود البحرية ما زال لبنان ينتظر مجيء الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين ناقلاً الجواب الاسرائيلي على الموقف اللبناني الموحّد حول حدوده البحرية وحقوقه الغازية والنفطية بعد تأخّر نحو ثلاثة اسابيع عن موعد عودته بعد اسبوعين من زيارته للبنان في 1 آب الماضي، حسبما قال بري في خطابه امس الاول.
وترددت معلومات امس عن انّ هوكشتاين سيزور لبنان في 11 من الشهر الجاري، لكن هذه المعلومات لم يؤكدها اي مصدر معني او ينفيها.
وفي السياق ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن «الأميركيين قلقون جداً من إمكانية حصول تدهور بين «إسرائيل» و»حزب الله»، مشيرة إلى أنه «كان يبدو أنّ بايدن لا يتدخل في موضوع ترسيم الحدود بين لبنان و»إسرائيل» لكنّ البيت الأبيض دخل امس الاول بكل قوته إلى موضوع الاتفاق مع لبنان».
واشارت هذه الوسائل الإعلامية الإسرائيلية الى أنّ «خطوة القوة التي قام بها «حزب الله» تجاه «إسرائيل» تحقق للبنان إنجازات في المفاوضات حول الحدود البحرية»، وقالت ان «هذه الخطوة هي سابقة خطرة، وعلى «إسرائيل» أخذ زمام المبادرة وعدم السماح لـ»حزب الله» بتغيير قواعد اللعبة».
ونشر موقع «عرب 48» أن إسرائيل «تسعى إلى التوصّل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان بأسرع ما يمكن، من خلال المفاوضات الجارية بينهما بوساطة أميركية. وتخطط لبدء استخراج الغاز الطبيعي من حقل «كاريش» في نهاية أيلول الحالي».
«توتال» و«إيني»
الى ذلك أبلغَ وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض الى «الجمهورية» انه من الواضح انّ شركتي «توتال» الفرنسية و»إيني» الإيطالية لا يمكنهما مباشرة العمل في البلوكات اللبنانية من دون الحصول على ضمان من الولايات المتحدة وتل أبيب، وذلك خشية على مصالحهما، وهذا ما يفسّر أهمية معادلة: «إمّا استخراج الغاز والنفط على الجانبين وإمّا لا استخراج هنا ولا هناك».
وأكد فياض انّ «المطلوب بالنسبة إلينا أكل العنب لا قتل الناطور، ونحن ننتظر حصيلة مهمة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، آملين في أن يحمل الينا العنب».