بدعوة من الجمعية الخيرية في مدينة مونتريال ’’صندوق كندا لبنان‘‘ (LCF)، التقت الفنانة الأميركية اللبنانية ميسا قرعه في هذه المدينة مؤخرا، عددا من أبناء الجالية اللبنانية من الناشطين ورواد الأعمال وممثلي الصحافة العربية.
الخطوة الأولى في سبيل تعريف هذه الموهبة الفنية الشابة آجلا على عدد أكبر من جمهور الأغنية المعاصرة في مونتريال وكندا. كان أيضا على أجندة الزيارة الخاطفة لقرعه، التي ترأس في أبو ظبي الإدارة الفنية لفرع كلية بيركلي الموسيقية (Berklee College of Music) المرموقة في مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس، عدة لقاءات عمل أخرى. وناقشت خريجة الجامعة الأميركية العريقة للعام 2012، عدة مشاريع مع عدد من المؤسسات الفنية والثقافية في المدينة الكوسموبوليتية.
فضلت ميسا قرعه بعد سؤالي عن تلك المشاريع، عدم الخوض فيها ’’طالما أنها لم تنبثق إلى النور بعد‘‘، ويحتاج الأمر إلى زيارة مهنية ثانية لكندا لكي تتبلور تلك المشاريع وتأخذ طريقها إلى التنفيذ.
علما أنها ليست الزيارة الأولى لهذه الفنانة الشابة إلى مونتريال، فهي أتت في الماضي مع الموسيقي الأميركي الفلسطيني الأصل، أستاذها في جامعة بيركلي، سيمون شاهين، خلال جولة فنية حملته إلى عدة مدن كندية بينها مونتريال. ولكن مرّ وقت طويل منذ ذلك التاريخ، وقد تفوقت تلميذة شاهين وعلى غراره أصبح لها حضورها في المشهد الفني الأميركي والعالمي.
هل أجدر من هوليوود لصناعة النجوم ؟
مسيرة طويلة مكللة بالنجاحات في روزنامة هذه الشابة الثلاثينية. ظهرت موهبتها في عمر الـ 7 سنوات، عندما اختارها استاذ الغناء في المدرسة في بيروت لتؤدي أغنية للسيدة فيروز، وكانت تلك الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل. ملتصقة بعالم الحلم الذي نُذرت له منذ نعومة أظفارها، ستترك ميسا قرعه كلية الهندسة المدنية التي انتسبت إليها قبل عامين، تيمنا بوالدها المهندس المدني، لتنطلق في تحقيق الحلم. بتشجيع من والدها، تلتحق قرعه عام 2008 بجامعة بيركلي في مدينة بوسطن، حيث استقرت العائلة، التي هربت من الحرب في لبنان، منذ العام 2006.
يتابع القدر في لعب لعبته في حياة هذه الموهبة الواعدة ليضعها على سلم النجومية. وهل أجدر من هوليوود لصناعة النجوم ؟
عام 2013 يتم اختيار ميسا قرعه للمشاركة في فيلم: ’’احتيال أميركي‘‘ (American Hustle)، للمخرج الأميركي ديفيد راسل، بطولة كبار نجوم هوليوود على رأسهم روبرت دينيرو. أدت قرعة في الفيلم أغنية ’’وايت رابيت‘‘ (White Rabbit) في نسختها العربية على أنغام غربية، أكثر ما تحبه وتبدع فيه. رشح الفيلم لعشر جوائز أوسكار كما رشحت الأغنية بصوتها لجائزة غرامي. وإذا كان خرج الفيلم والأغنية من كل هذه الترشيحات بخُفي حنين، إلا أن الشهرة أصابت صاحبة الأغنية ووضعتها على أول درجة في سلم العالمية.
سُلطت عليها منذ ذلك التاريخ أضواء الشهرة الساطعة، ورافقت ميسا قرعه الفيلم الرائج في مهرجانات الفن السابع في العالم. غنت الـ ’’وايت رابيت‘‘ في مهرجان دبي السينمائي وفي بيروت ’’ لتمد أولى جسور التواصل مع العالم العربي وتحقق الغاية الفضلى التي تنشدها وهي دمج الموسيقى العربية مع الموسيقى الغربية في شكل منسجم ومتناغم لا يخدش الآذان.
مما لا شك فيه أن النجاح الذي حققته المتحدثة في الغرب والشرق على حد سواء لم يكن محض صدفة أو لعبة قدر أو حتى ضربة حظ، فكل ذلك لا يكفي ليحقق الإنسان نجاحا ثابتا ومستديما. بل هناك أيضا الموهبة وإدراك المعرفة.
هذا المقياس الأخير أوفت به جامعة بيركلي العريقة التي رعت موهبة تلميذتها النجيبة المتفوقة. وفي الموهبة، وُصفت خامة صوت ميسا قرعه بالاستثنائية، كما أنها تمتلك قدرة صوتية كبيرة تجلّت في الأغنيات الأوبرالية الكلاسيكية كما في أغنيات البوب والروك وغيرها من أنواع الموسيقى المعاصرة أو ما يطلق عليه اليوم الـ ’’فيوجن‘‘. هذا واستطاعت قرعه في سنوات قليلة أن تقدّم حفلات على مسارح عدّة حول العالم وبأكثر من 10 لغات.
’’تحتاج الموسيقى العربية إلى من يقدمها للغرب بأسلوب جذاب وبسيط‘‘
تعرب ميسا قرعه عن سعيها الدائم من أجل وصول أغنيتها إلى المتلقي الغربي والمتلقي العربي في آن معا. قد يكون الكلام عربيا واللحن غربيا والعكس صحيح، في الأغنية التي تقدمها هذه الفنانة. وتعتبر المتحدثة بأنه ليست هناك وفرة اليوم لهذا النوع من الأغنيات على الساحة العالمية، ’’علما أن هناك الكثير من الجوانب الغنية في الموسيقى العربية ولكنها تحتاج إلى من يقدمها للعالم بأسلوب جذاب وبسيط‘‘ كما تقول.
وهذا ما فعلته المتحدثة مؤخرا مع رائعتها الجديدة ’’تيتي تيتي‘‘ التي فيها مزج في الكلام واللحن بين الشرق والغرب، والتي تخطت المليوني مشاهدة على قناة يوتيوب. ’’تيتي تيتي بالعامية اللبنانية استوحيتها من جملة شهيرة يقولها أهل لبنان : ’’تيتي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي‘‘[…] الأغنية نداء مفتوح للمرأة من أجل أن تتمسك بما يميزها من الداخل وأما الشكل الخارجي فلا فائدة من تغييره…إذا كان لا بد من تغيير فهو يجب أن يهدف إلى كسر التقاليد الرثة البالية والتابوهات التي تقيد نجاح المرأة وحريتها‘‘، على حد تعبير ميسا قرعه.
عبق الصوت والحضور : ميسا قرعه امتلكت قلوب أهل وطنها الأم في مونتريال
تقول ميسا قرعه في حواري معها إنها عاشت 16 عاما خارج بلدها الأم لبنان، ويطيب لها أن تكون اليوم مستقرة أقرب ما يكون إلى المدينة ’’التي يخفق قلبي بحبها أبدا بيروت‘‘. وتعني المتحدثة أبو ظبي حيث تدير هناك القسم الفني لفرع جامعة بيركلي، وفي وقت قريب ربما تتولى إدارة فروع لمؤسسات فنية وثقافية كندية هناك.
بدعوة من رئيسة جمعية ’’الصندوق الكندي اللبناني‘‘ نيكول عبد المسيح، أقيم حفل الكوكتيل مؤخرا على شرف النجمة اللبنانية الأصل في مونتريال.
تقول عبد المسيح ’’إن الغاية من هذا اللقاء كانت تعريف أبناء الجالية اللبنانية على موهبة فذة من بلاد الأرز، استطاعت أن ترفع عاليا اسم بلادها في المحافل الدولية. إنها توطئة لمشروع أكبر يرمي إلى تقديم ميسا قرعه لأكبر عدد ممكن من جمهور الأغنية في مونتريال. خصوصا أن أغنية هذه النجمة تستطيع ان تستقطب جمهورا متنوعا وليس عربيا فحسب. أغنيتها مزيج شرقي غربي يروق للمستمع الكندي كما يروق للمستمع العربي‘‘.
في أروقة المكان الذي نظم فيه الكوكتيل، لم تتوقف الألسنة عن الإشادة بالصوت الأخاذ الذي أسر كل القلوب، علما أن هذا الحضور كان بغالبيته من الكنديين اللبنانيين المخضرمين، ولكن راق لهؤلاء الصوت الشجي العذب وأسلوب الغناء المعاصر للنجمة الشابة. تقول ميشلين هلال المنضوية في جمعية LCF: ’’يمّد صوت ميسا قرعه جسورا تصل الشرق بالغرب وهي نقلتنا إلى عالم رحب بصوتها الفريد المدهش. سحرتنا بأدائها المتمكن وخدّرت كل حواسنا بانسياب وطواعية[…] لا تستطيع مقاومة صوتها وقدرته على الصعود إلى أعلى نوتة ومن ثم التنزه على النوتات وبينها… وحتى في الهمس والسكون يسيطر حضور هذه الفنانة على كل حواسك‘‘.
’’…وطني لبنان أبعد من كل المفارق‘‘
غنّت ميسا قرعه في ذلك اليوم رائعة الشاعر اللبناني هنري زغيب ’’تعا‘‘ (تعالَ) التي أطلقتها بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب / أغسطس 2020. وتدعو فيها أبناء لبنان في الانتشار إلى مد اليد لمساعدة بلدهم الأم.
إلى جانب الأغنيات الإفرادية التي تطلقها ميسا قرعه من وقت لآخر متعاونة فيها مع كبار الملحنين والمنتجين الموسيقيين في الغرب وأشهر العازفين، يشتمل رصيدها على ألبوم سباق دمج بين الكلمة الانجليزية واللحن الغربي مع الألحان الشرقية. ’’علاج بسيط‘‘ (Simple Cure) هو عنوان الألبوم الذي تلخص ميسا قرعه فكرته على الشكل الآتي، تقول: ’’إذا انتهى العالم وتهدم كل شيء، ولو مهما حصل، إن العلاج لأرواحنا هو ما نختاره بيننا وبين أنفسنا، هو قرارنا الواعي بترك هذا الأمر أو ذاك يؤثر فينا ويدخل قلبنا وعقلنا أو لا، نحن مَن نقرّر ماذا يؤثّر بنا وما هو علاجنا سواءٌ أكانت الموسيقى أو الفن أو الطاقة الإيجابية، هكذا نتداوى وهكذا نتعلّم أن نحبّ‘‘.
لا هوية بذاتها للأغنية
ترى ميسا قرعه أن العالم يتغير وأنه لم يعد هناك هوية بعينها للموسيقى، بل هي منفلتة من كل الحدود والقيود، تنشد الوجود الأسمى والانفتاح والتعايش بين الشعوب المختلفة.
’’… بدي ضلّ غنّي‘‘
ترى ميسا قرعه ’’أن لكل فنان رسالته في الحياة ولكن الأهم أن يقوم بما يحب وما يريد أن يوصله إلى جمهوره ليحدث تغييرا إلى الأفضل.
تأمل المتحدثة في أن تستمر بالحديث عن الأمور التي تعني لها وأن تقدمها في قالب مناسب ليصل إحساسها إلى جمهورها.