جريمة طرابلس : فرضية الاغتيال والإرهاب تتقدم على رواية السطو

بقلم جنى الدهيبي

ظاهرياً، تتراجع مفاعيل الجريمة المروعة التي أودت بحياة أربعة شبان في محل هواتف في طرابلس، ويتقدم سؤال سياسي بالعمق مفاده: ما الدوافع والأسباب ؟

في الساعات الأولى ما بعد الجريمة، جرى الترويج لرواية “السطو والسرقة”، طمعًا من القتلة بسلب محتويات أحد أشهر محال الهواتف في طرابلس. فهو لا يبيع بالمفرق وحسب، بل يبيع بالجملة ويوزع الهواتف ومستلزمتها على عدد كبير من المحال في طرابلس ومحيطها.

لكن المعطيات وظروف الجريمة، تنسف أن تكون كنتيجة مأساوية لعملية سطو غير مخطط لها عن سابق ترصد وتصميم، أفضت إلى مشهد دموي عند السادسة مساء الجمعة 9 أيلول.

وما تخلص إليه المعلومات الأولية تقول: إنها جريمة مخطط لها، بهدف اغتيال صاحب المحل ابن جبل محسن محمود خضر (48 عامًا)، وسقط معه اثنان من رفاقه العاملين بالمحل منذ سنوات، وهما الشقيقان محمد وعمر الحصني من ببنين العكارية، ويقومان أيضًا بمهمة حراسة المحل والدفاع عنه، وقُتل معهم (برصاصة لم يحدد مصدرها الفعلي) القاتل خالد عبد المجيد من بلدة خربة العكارية، كان ضمن المجموعة- الخلية التي نفذت الهجوم.

الاغتيال عمدًا ؟

وفي السياق، يقول مصدر أمني لـ”المدن” إنه حتى الآن، أوقفت مخابرات الجيش خمسة أشخاص من طرابلس متهمين بالضلوع بالتخطيط لعملية اغتيال خضر، وكانوا على أطراف مسرح الجريمة وليس داخل المحل. في حين، لم يتم إلقاء القبض بعد على ملثمين اثنين كانا على دراجتين ناريتين مع خالد عبد المجيد ونفذوا إطلاق النار، وتصفهم مصادر أخرى بـ”المأجورين” من طرف ثان لتنفيذ العملية، مقابل بدلٍ معين لم تعرف طبيعته.

ويتحدث المصدر الأمني عن كشف عناصر مهمة من الرواية، من دون اكتمالها، على إثر التحقيق مع الموقوفين، و”هم من أصحاب السوابق وبعضهم كان موقوفًا بتهمة الإرهاب”.

أما القتيل عبد المجيد، وهو أحد منفذي الهجوم، فيفيد مصدر أمني رسمي أنه سبق أن سجن على خلفية تنفيذه جريمة قتل مواطن من طرابلس من آل هوشر في منتصف 2017. واللافت أنه جرى إطلاق سراحه في العام 2020، وواصل أعماله الجرمية. إذ أطلق الرصاص على لاجئ سوري وآخرين من آل هوشر.

لكن، لماذا استهداف صاحب المحل محمود خضر ؟

تحمل الإجابة على هذا السؤال اللغز الأهم لأبعاد جريمة الاغتيال. وحتى الآن لا إجابة واضحة وشفافة. وعلى الأرجح، أنها لم تكتمل كليًا في أروقة التحقيقات مع الموقفين بوزارة الدفاع في بيروت، في ظل تعددية الاعترافات، وعدم إلقاء القبض على جميع الضالعين بتخطيط وتنفيذ العملية.

وهنا، تفيد معلومات “المدن” أن خضر كان على علاقة متينة وقوية ببعض الأجهزة الأمنية والجمركية. ونظرًا لعلاقاته وانتمائه للطائفة العلوية وكشخصية يعرفها أبناء الجبل، أحدث قتله صدمة لدى بعض الأحزاب السياسية والأطراف الأمنية التي تعرفه. علمًا أن خضر ليس شخصية تجاهر بأي انتماء حزبي أو سياسي أو أمني، وكان يحظى بثقة واسعة من معارفه وزبائنه في طرابلس.

تسجيلات الكاميرا

وتذهب المصادر الأمنية إلى ترجيح رواية أن منفذي الجريمة هم من خلية أو نواة خلية إرهابية “داعشية”. هذا الأمر، يثير الريبة في أوساط طرابلس كونه يعطي الجريمة غايات تحمل بعض شرارات الفتنة، على قاعدة أن اختيار خضر لم يكن عبثيًا، مع احتمال تنفيذ الاغتيال لغايات ثأرية غير معروفة بعد.

وتقول المصادر إن مخابرات الجيش استحوذت على تسجيلات الكاميرا داخل محل الهواتف، ومحيطها، ما ساعد بكشف كل المشادات الكلامية وكيفية تبادل إطلاق النار.

وبانتظار ما ستخلص إليه التحقيقات وإعلان رواية رسمية حولها، يسود القلق في طرابلس من زجها بمسلسل جديد من الاهتزازات الأمنية على وقع الانهيار المعيشي، في مرحلة سياسية حساسة يعيشها لبنان، المقبل على فراغ رئاسي بعد 31 تشرين الأول المقبل. بينما يجد آخرون أن الأمن مضبوط نسبيًا، وأن الحوادث والجرائم الأمنية ما زالت موضعية، مع ضرورة الحذر من تفاقمها، نتيجة الانتشار الواسع للسلاح غير المرخص.

ومن المنتظر أن يترأس وزير الداخلية والبلديات، القاضي بسام مولوي، اجتماعًا لمجلس الأمن الداخلي المركزي، الثلاثاء، “لإقرار خطة أمنية مستدامة لطرابلس بشكل خاص ومن شأنها أن تحفظ أمن أهلها وأحيائه”، وفق تعبيره.

وفي إطار تصاعد جرائم القتل في طرابلس، قُتل مواطن يوم الاثنين، متأثرًا بجراحه نتيجة تعرضه لإطلاق نار في صدره من مسدس حربي، بعد اشكال في محلة ابي سمراء. ولم تعرف ملابسات الجريمة حتى الآن.

اخترنا لك