جولة نواب التغيير على السياسيين… أصداء إيجابية ولكن

جولة نواب التغيير على السياسيين... أصداء إيجابية ولكن

رغم مرور نحو خمسة عشر يومًا على بدء المهلة القانونية والدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية “يخلف” الرئيس ميشال عون الذي لم يتبقّ من ولايته الرئاسية سوى شهر ونصف الشهر، لا يزال الاستحقاق الرئاسي الداهم “مغيَّبًا” عن “الأجندة” السياسية، وسط مخاوف من “سيناريوهات” ما بعد 31 تشرين الأول، التي يصرّ عون على أن يحيطها بـ”غموض” كان آخر فصوله ربطه مغادرته قصر بعبدا بأن يكون اليوم الأخير “طبيعيًا”.

وسط هذا “الاعتكاف الرئاسي” إن جاز التعبير، يبرز الحراك الذي بدأه نواب ما يُعرَف بـ”قوى التغيير”، المنبثقة من حراك 17 تشرين الشهير، حيث يقومون بجولة على مختلف الكتل النيابية والقوى السياسية، ولا سيما تلك التي شملوها سابقًا بشعار “كلن يعني كلن”، ورفضوا الانفتاح عليها في العديد من المحطات السابقة، فيما يلتقونها اليوم تحت لواء “المبادرة الإنقاذية الرئاسية” التي أعلنوا عن إطلاقها مطلع شهر أيلول الجاري.

وإذا كان يُحسَب لنواب “التغيير” أنّهم نجحوا في “إنعاش” ملف الرئاسة، وإحياء النقاش السياسي حوله، فيما يهمّشه كثيرون، ويتعاملون معه كما لو أنّه مؤجَّل، كما يُسجَّل لهم أيضًا مبادرتهم إلى فتح حوار “معمَّق” مع قوى سياسية لا يتوافقون معها في الآراء والتوجهات، فإنّ علامات استفهام تُطرَح بالجملة حول مدى “جدّية وجدوى” حراكهم، الذي ينظر إليه كثيرون على أنّه “استعراضيّ”، يُستبعَد أن يقدّم أو يؤخّر شيئًا في المعادلة.

أصداء “إيجابية”

يتوافق نواب “التغيير” مع زملائهم من الكتل النيابية الأخرى، سواء تلك التي تصنّف نفسها في خانة “الحليفة أو الصديقة”، أو تلك “الخصمة” لهم، على “الأصداء الإيجابية” التي أفزرتها لقاءاتهم، وهو ما يتجلى في التصريحات التي تعقبها، حيث يخرج الجميع “مرتاحين” للأجواء العامة، ومتفائلين بالحوارات “المعمّقة” التي سادت خلال اللقاءات، والتي شملت الكثير من المواضيع “الشائكة”، والخلافية بطبيعة الحال.

ولعلّ لقاء نواب “التغيير” مع كتلة “الوفاء للمقاومة” برئاسة النائب محمد رعد، استقطب النسبة الأكبر من الاهتمام، وقد كان “الأطوَل” على الإطلاق بين اللقاءات، وخرجوا في أعقابه ليتحدّثوا عن نقاش “عميق” في مسائل “حسّاسة”، وكذلك برز اللقاء الذي جمعهم مع تكتل “لبنان القوي” برئاسة الوزير السابق جبران باسيل، وإن شكّل انسحاب النائبة سينتيا زرازير منه مادة “دسمة” بعدما تحدّثت عن عدم قدرتها على تحمّل ما وصفته بـ”الاستخفاف بعقلها”.

وعلى ضفة المعارضة، يبقى الانتظار “الأثقل” ربما للقاء الذي سيجمع “التغييريين” برئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وهو الذي ينتظره الأخير منذ فترة طويلة، وهو الساعي لـ”استقطابهم” إلى فلكه، في مقاربة الاستحقاق المرتقب، علمًا أنّ اللقاءات التي جمعت “التغييريين” ببعض قوى المعارضة، وعلى رأسها “الكتائب”، بدت “سَلِسة ومَرِنة” وفق المتابعين، ويمكن بناء الكثير عليها في المقبل من الأيام.

العبرة في الخواتيم

لكن، أبعد من الأصداء الإيجابية والنقاش الصريح والحوار العميق، ثمّة علامات استفهام تُطرح حول “ترجمة” هذه اللقاءات، طالما أنّها في الظاهر تبدو بمثابة “حفلة تعارف” إن جاز التعبير، أو محاولة “كسر جليد” في أفضل الأحوال، ولا سيما أنّ ما طُرِح في كلّ الاجتماعات التي عقدت بقي محصورًا في إطار “العموميات”، حتى إنّ البحث بقي حول “المواصفات” المطلوبة في الرئيس العتيد، والتي لا يختلف اثنان عليها في الإجمال.

يقول العارفون إنّه على إيجابية هذه اللقاءات، باعتبار أنّ إرساء جو الحوار يبقى مفيدًا في كلّ الأحوال، فكيف بالحريّ في ظرف كالذي يعيشه لبنان اليوم، وعلى وقع تكهّنات قد تكون “مخيفة” لمرحلة ما بعد 31 تشرين الأول.

إلا أنّ العبرة تبقى في الخواتيم، علمًا أنّ عدم الخوض حتى الآن في أيّ أسماء جدّية، ولو خلف الكواليس، لا يُعَدّ مؤشرًا إيجابيًا، بل من شأنه إفراغ “المبادرة” من مضمونها في جانب من الجوانب.

ويزداد هذا “الهاجس” لدى بعض قوى المعارضة التي لا تزال تنظر بعين “الريبة” إلى حراك نواب “التغيير”، حيث تعتبر أنّ الأوْلى بهم “تنسيق الموقف” مع القوى التي تشاركهم الآراء نفسها تقريبًا، بدل “الانفتاح” على الجميع، ما يوحي بالعمل على “تسوية ما” تجمع الجميع، وهو ما من شأنه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، علمًا أنّ هناك من يرسم علامات استفهام أيضًا عن سبب تأخير لقاء “القوات” إلى يوم السبت.

على أهمية مبادرة نواب “التغيير”، وعلى دلالات “انفتاحهم” على زملائهم بعد طول انتظار وقطيعة، يبدو الثابت أنّ الحراك “الجدّي” لم يبدأ بعد، والخشية، كلّ الخشية، ألا يبدأ في المرحلة الفاصلة عن 31 تشرين الأول، ما يفتح البلاد أمام سيناريوهات واحتمالات “مجهولة”، ما يتطلب من الجميع أن يضعوا يدهم بيد بعضهم البعض، من أجل ضمان “عبور سَلِس” يسبق نهاية “العهد”…

اخترنا لك