أقام منتدى صور الثقافي ومنظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني ـ فرع الجنوب ندوة تحت عنوان “مخاطر الانهيار وتحديات الانقاذ” لمناسبة اطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 16 أيلول من العام 1982 في ذكراها الاربعين، تحدث فيها كل من المناضل محمد فران، ورئيس المكتب التنفيذي للمنظمة زكي طه وسط حضور كثيف غصت به قاعة المنتدى من فعاليات وناشطي المدينة وممثلي بعض الفصائل الفلسطينية.
تحدث فران بداية موجهاً التحية للامينين العامين للمنظمة محسن ابراهيم والحزب الشيوعي جورج حاوي، كذلك حيا جميع الشهداء والجرحى وكل المقاومين. وأشاد بالبنية الحزبية للتنظيمين وقادتهما الذين تحملوا عبء التخفي والتأسيس وقيادة العمل المقاوم. ورغم ترك بعضهم لأحزابهم، الا أنهم حافظوا على الانخراط في العمل المقاوم والشأن العام. وشدد على تحية الناس العاديين الذين احتضنوا المقاومين، وقاموا بواجبهم الوطني من خلال رفد المقاومين بالمعلومات عن تحركات قوات الاحتلال، وتسهيل حركتهم وتمويه نشاطهم. ورأى فران أن الحزب والمنظمة أصابا في حينه عندما اعتبرا أن المهمة المركزية الاولى هي مقاومة العدو مهما كانت التضحيات.
ثم انتقل للحديث عن اللحظة الراهنة التي وصف سمتها الأبرز بأنها تعبر عن تآكل جميع القيادات الطائفية والميليشيات. ووصف الصراع الدائر الآن بأنه يتمحور حول من يتحمل كلفة الانهيار الذي تعانيه البلاد والذي يضغط على الناس من خلال افقارهم المتصاعد. وتجري الآن محاولات محمومة لتحميله للشعب والمودعين، بدلاً من تحميله للمصارف وللطغمة الحاكمة. ورأى أن المشكلة لا تنتهي عند هذا الحد. لأنه لا حل الاّ بإصلاحات حقيقية تعجز المنظومة عن المضي بها، فيجري الصراع بين مكونات السلطة على ما تبقى من فتات، فينهار تحت وطأته البلد. وما يجري اليوم في المصارف هو عينة من الفوضى الناتجة عن هذا العجز. بالمقابل لم تظهر حتى تاريخه قيادات بديلة تستقطب الناس وتقود تحركاتهم على نحو حقيقي.
ومرد ذلك ضعف الاحزاب وعدم وحدة مكوناتها وإلتحاق بعضها بالطبقة الحاكمة. وتطرق إلى وجود النواب التغييريين ووصف دورهم بأنه محط رهان، الذين وإن كانوا يتحالفون على القطعة، الا أنهم متوافقون على ترسيم الحدود البحرية تبعاً للخط 29 ورفض الموازنة الضرائبية المعروضة على المجلس النيابي، ووضعهم معايير محددة للمجيء برئيس انقاذي، والتأكيد على السيادة الوطنية وبناء الدولة مع التوقف عند عدالة القضية الفلسطينية، وضرورة دعم الشعب الفلسطيني لدحر الاحتلال الصهيوني. وتطبيق وتطوير اتفاق الطائف وتحقيق الإنماء المتوازن والاصلاح المالي والنقدي واقامة دولة العدالة الاجتماعية واقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي.
وعدد فران بقية ما أوردته وثيقة النواب التغييريين لجهة اقامة مجلس شيوخ وإلغاء الطائفية السياسية واعتماد الكفاءة وتحقيق اللامركزية الموسعة وتكريس صلاحيات المجلس الدستوري،و…
وفي الختام دعا فران إلى إعادة بناء الاحزاب وتأمين الوحدة الفكرية والسياسية الداخلية لها، وتأسيس احزب جديدة تتوجه نحو استعادة دور ووزن العمل القاعدي في كل موقع انتاج ومؤسسة وقرية وبلدة ومركز قضاء أو محافظة، وفي مختلف القطاعات، مؤكداً أن مشروع المعركة المقبل هو اتفاق الطائف، ومسلسل الاصلاحات المطلوبة والمفروضة من صندوق النقد الدولي والدول الغربية، والمرفوضة من جانب السلطة السياسية الطائفية الحاكمة التي لا تريد المس بالزبائنية التي أرستها خلال عقود طويلة وأمنت استمراريتها في السلطة.
وبدوره حيا طه المقاومين والشهداء من كل الاتجاهات الفكرية والسياسية والحزبية الذين قاوموا الاحتلال. ووجه تحية خاصة لرفاق الجنوب بكل قطاعاته، وصور في القلب منها، وهم كثر، وفي طليعتهم الرفيقين الشهيدين القائدين نسيم دامرجي وحسن بزون ، وخص بالتحية الصديق والرفيق المناضل محمد فرّان، وهو القائد الذي تشاركت معه سنوات طويلة من النضال الصعب، كان اشدها صعوبة صيف العام 1982، اثناء مواجهة العدوان الاسرائيلي على لبنان وحصار بيروت وفي مقاومة الاحتلال لها. أنوه بعطاء محمد فرّان باعتباره من أبرز قادة منظمتنا في حينه، والمسؤول عن العمليات الاولى التي نفذها رفاقنا في بيروت.
وأضاف: لست الآن في صدد العودة إلى وقائع سنوات نضال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانيية لأن ما قمنا به كان واجبنا الوطني والقومي. ففي غضون أربعين عاماً لم تتوقف دوامة الأزمات والنزاعات. إن أوضاع البلد الآن أشد خطورة مما كان في العام 1982، لأننا نعيش انفجار أزمات الكيان والنظام والاجتماع اللبناني على نحو مدمّر. كذلك نحن أمام خطر تجدد الفراغ الرئاسي والحكومي بذرائع الصلاحيات وحقوق الطوائف، وتعطيل الاستحقاقات الدستورية. ولذلك فإن خلاص اللبنانيين رهن قدرتهم على الاستفادة من تجاربهم وعدم تكرار أخطائهم.
وتابع : إننا جميعاً، مواطنون وقوى ومجموعات واحزب وناشطين من دُعاة الثورة والتغيير والانقاذ، ومعنا كل النواب الوطنيين والتغيريين والمستقلين والفئات المتضررة، مطالبون اليوم بالاقدام على تحمل مسؤولياتنا الوطنية بشكل مشترك، وعدم التردد في مراجعة أدائنا، واستخلاص الدروس من تجارب البلد ومآسيه الكارثية، وتجاوز فئوياتنا القاتلة، والمبادرة إلى التلاقي لتنظيم أوسع حوار ممكن وضروري حول مختلف القضايا، للخروج من الهامشية، والعمل على إعادة بناء وتشكيل الاطر والمساحات المشتركة بين اللبنانيين، واعادة الاعتبار للعمل الشعبي والنقابي والديمقراطي، على نحو يسمح ويؤدي إلى التوافق على برنامج الحد الأدنى لاطلاق مسيرة انقاذية سياسية اقتصادية مالية واجتماعية على مستوى الوطن، وفي كل المدن والقرى في سائر المناطق، ومختلف قطاعات المجتمع. برنامج يعبر عن مصالح واولويات كل الفئات والقوى التي تشكل الكتلة التاريخية أو الشعبية، لإشراكها واستعادتها إلى ميادين النضال وساحاته في سبيل وقف الانهيار والضغط لتلافي خطر الفراغ وفرض انتخاب رئيس جديد للبلاد. رئيس يشكل انتخابه نقطة انطلاق لحماية ما تبقى من مقومات الكيان ومن حقوق اللبنانيين، والعمل لاستعادة سلطة الدولة وعمل مؤسساتها.
وقال: إننا جميعاً مواطنون وقوى، مطالبون باستلهام أهداف جبهة المقاومة الوطنية في التحرير والتوحيد والديمقراطية، والبناء على الوحدة والتعدد اللذين ميزا انتفاضة اللبنانيين المجيدة في 17 تشرين، وعلى نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، وما حققته من اختراقات، رغم الاخطاء والثغرات الكثيرة.
وشدد على القول: التحديات خطيرة ومصيرية في آن، ولا يجدينا سوى العمل معا، والتشارك معا في التحضير لتجديد مسيرة نضالية توحيدية ديمقراطية، مسيرة تساهم في تعميق وحدة اللبنانيين وتحقيق طموحاتهم، مسيرة تنقذ الوطن وتضعه على مسار التقدم والتطور. نعرف جيداً أن مسؤولية خلاص الوطن خيار صعب لكنه ممكن. وهو الاقل كلفة بما لا يقاس من ثمن انتظار الحلول المستحيلة التي لن تأتِ، ومن عبثية إحالة المسؤولية على الآخر في الداخل والخارج.
بعد ذلك جرى نقاش واسع حول قضايا الوضع الراهن وتحديات الانقاذ ودور نواب التغيير، ومسؤولية قوى ومجموعات المعارضة بكل تشكيلاتها وتلاوينها الفكرية والسياسية، وضرورة تجنّب الرهان على منظومة السلطة او انتظار حلول من الخارج.