بقلم كلير شكر
من كليمنصو، قرر السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الإنطلاق في جولته «الرئاسية» للتشاور مع القيادات والمسؤولين اللبنانيين. فكانت البداية مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعدما قررت الرياض، وبلا مقدّمات الانخراط مجدداً في وحول لبنان من نافذة الاستحقاق الرئاسي. ولهذه الانطلاقة رمزيتها في الأجندة السعودية ربطاً بقرار الزعيم الدرزي في إعادة التموضع، والوقوف على خطّ الوسط بين الاصطفافين المحليين، والترويج لفكرة الرئيس التفاهمي، غير الاستفزازي، من «الفئة الثانية» من المرشحين، وما دون. ما يعني أنّ الرياض قد تكون ميّالة في هذه الدورة لهذه القماشة من المرشحين.
بالأمس حطّ البخاري في معراب ليلتقي رئيس حزب القوات سمير جعجع، الذي عادة ما كان يخصه المسؤولون السعوديون بالتفاتة مميزة كتعبير عن متانة العلاقة واستثنائيتها، فتكون معراب أولى محطات جولاتهم الداخلية على اعتبار أنّ جعجع هو أبرز حلفائهم اللبنانيين.
واذ بالسفير السعودي يغيّر ترتيب الجدول. ولكن بمعزل عن هذا الترتيب الشكليّ، فالجولة بحدّ ذاتها، حتى لو لم تزل ضمن الإطار الإعلامي، هي مؤشر الى تغيير ما طرأ على سياسة المملكة السعودية إزاء لبنان بعد مرحلة من الإنكفاء الكامل والاكتفاء ببعض المساهمات الانسانية بدفع من الإدارة الفرنسية التي تسعى جاهدة إلى لعب دور اقليمي من خلال علاقتها المتقدمة بالمسؤولين السعوديين والإيرانيين.
وعندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرياض في كانون الأول الماضي، والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تم التطرق إلى موضوع لبنان من ضمن موضوعات عديدة تقدّمت الملف اللبناني. ونزولًا عند رغبة الرئيس الفرنسي، التقط الأمير محمد هاتف ماكرون لتحية رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي.
إلا أنّ التقدّم السعودي صوب لبنان يتسم بالبطء الشديد بسبب تراكم الملفات الدولية والإقليمية التي تتقدم الملف اللبناني، وبسبب تجارب المملكة المريرة مع الساسة اللبنانيين، ولم يتجاوز هذا التقدّم حدود الصندوق المشترك الذي أعلنت عنه الرياض بالاشتراك مع باريس تلبية للحاجات الأكثر إلحاحاً لدى الفئات الهشّة في لبنان و»ترجمةً للاتفاق الذي وُقِّع في شهر نيسان الماضي بين وزارة أوروبا والشؤون الخارجية ووكالة التنمية الفرنسية ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية». أمّا في السياسة فكان لبنان جزءاً من البيان المشترك لـ»قمّة جدّة للأمن والتنمية» التي حصلت «بدعوة من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ومشاركة قادة دول مجلس التعاون، والأردن، ومصر، والعراق، والولايات المتحدة، بهدف تأكيد شراكتهم التاريخية، وتعميق تعاونهم المشترك في جميع المجالات».
إذ جاء في الشقّ اللبناني من البيان المشترك أنّ المشاركين عبّروا عن «دعمهم لسيادة لبنان، وأمنه واستقراره، وجميع الإصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي، ووجهوا دعوة لجميع الأطراف اللبنانية لاحترام الدستور والمواعيد الدستورية، ودعم دور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان، والتأكيد على أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية».
ومع مرور 20 يوماً على دخول الاستحقاق الرئاسي مهلته الدستورية، قرر السفير السعودي الانتقال من مربّع اللقاءات الاجتماعية التي كان يعقدها في مقرّ السفارة، إلى مربّع التشاور بالشأن الرئاسي. والأكيد أنّ هذه الجولة ليست بمبادرة شخصية من السفير، وإنما بطلب من مسؤولي بلاده، بالتنسيق التام مع الإدارة الفرنسية، وبدفع أميركي. لا كلام في الأسماء والترشيحات، وإنما في مواصفات الاستحقاق والظروف التي يفترض أن تحيط به لترسم بروفايل الرئيس المقبل. ويقول بعض من التقاهم السفير البخاري، إنّ تركيزه يكاد يكون محصوراً بسلسلة نقاط، أبرزها:
– لن تكون السعودية شريكة في صناعة رئيس تحوم حوله شبهات بالفساد ،»المالي» أو «السياسي».
– تتمسك الرياض بمضمون بيان جدّة خصوصاً في الشق المتعلق بسيادة لبنان وتطبيق القرارات الدولية.
– التمسك باتفاق «الطائف» والتعامل معه بشكل كليّ، غير مجتزأ أو انتقائيّ. وهذا ما يعني استطراداً، رفض أي اجتهاد قد يؤدي إلى فوضى دستورية قد تطيح لاحقاً بوثيقة الوفاق الوطنيّ. وبهذا المعنى، ثمة من يقول إنّه بمقدار اهتمام السعودية بالاستحقاق الرئاسي، فهي تولي أيضاً اهتماماً استثنائياً للاستحقاق الحكومي كون السلطة التنفيذية بيد مجلس الوزراء. ومن هنا يتردد أنّ سلّة شروط الرياض تتضمن أيضاً هوية رئيس الحكومة المقبل.
– لا حلّ للأزمة اللبنانية إلّا بالعودة إلى العمق العربي.
– إيلاء الشأن الاجتماعي أهمية قصوى من خلال توسيع شبكة الأمان التي ترعاها المملكة.
ومع ذلك، حتى الآن لا تزال المشاورات في عناوينها العريضة، بانتظار «حدفة» ما أكثر عملانية قد تبلور الموقف السعودي، وتثبت ما اذا كانت الرياض قررت فعلاً العودة إلى لبنان، أم أن محاولة رئيس دبلوماسيتها، هي مجرد جسّ نبض لا أكثر، مع العلم أنّ بعض المواكبين يجزمون أنّ الجولة هي «إعلان أوليّ» لهذه العودة بمسعى فرنسي يفترض أن يُستكمل الشهر المقبل في لقاء ثنائي فرنسي- سعودي لخلية الأزمة الخاصة بلبنان.