أت منظمة “العمل اليساري الديمقراطي العلماني” في بيان، أن “لبنان يواجه تحديات هي الأشد خطورة على وجوده ومصيره، في ظل تهديد قوى الحكم بأخذ البلد من جديد إلى الفراغ والفوضى الدستورية، وتعذر تأليف حكومة جديدة على انقاض حكومة تصريف الاعمال، وتزايد المؤشرات حول صعوبة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري. يجري ذلك بالتزامن مع تصعيد النزاعات بينها على مواقع السلطة والصلاحيات”.
أضاف: “في المقابل تتجدد محاولات تكريس الهيمنة الطائفية والفئوية بقوة الامر الواقع على رافعة فائض القوة بذريعة حماية لبنان وحقوقه من اطماع العدو الاسرائيلي وتهديدات قادته. يقابل ذلك تنامي أوهام مشاريع الفدرالية تحت راية السيادة. ساهم ذلك في دفع البلد إلى مستويات غير مسبوقة من الفوضى الأهلية والأمنية المدمرة، والى تزخيم الانقسامات الأهلية وتسريع خطر التفكك والزوال”.
تابع: “في موازاة تلك الاخطار تتوالى فصول الانهيار الاقتصادي والمالي على نحو كارثي، بينما تستمر قوى السلطة في تعمّد اقفال الأبواب أمام أي معالجات تلجم الانهيار وتضع البلاد على سكة التعافي، قاطعة الطريق على امكانية تخفيف مضاعفات الانهيار الاقتصادي والمالي على اللبنانيين، أو وضع حد لنهب مدخراتهم، وحماية ما جنوه بجهدهم وتعبهم في الداخل والمغتربات. إن منظمة العمل اليساري ترى أن قوى السلطة التي استسهلت الانهيار الاقتصادي والمالي، سهّلت ايضاً انهيار مؤسسات الدولة وأجهزتها وقطاعاتها الخدماتية، ودفعت البلاد إلى حال من الفوضى السياسية الكيانية الأهلية والأمنية.
كما تسببت في دمار العملة الوطنية، يقابلها فلتان أسعار المواد الضرورية ومتطلبات معيشة اللبنانيين، وارتفاع جنوني في أكلاف الخدمات العامة التي يصعُب الاستغناء عنها. ولذلك فإن قوى السلطة والمصرف المركزي والمصارف تتحمّل كامل المسؤولية عن هجمات بعض المواطنين المتكررة للحصول على قسم من ودائعهم، التي هم بأمس الحاجة لها لتأمين طبابتهم وأدويتهم وتعليم أبنائهم، وتحويلها ذريعة لإقفال القطاع المصرفي اسبوعاً بكامله، والتلويح بما هو أكثر. وخصوصاً أن مجلس النواب والحكومات المتعاقبة ومعها إدارات المصارف يتهربون من مسؤولياتهم، كما يرفضون إقرار الاصلاحات المطلوبة والضرورية لوقف الانهيار، والعمل على سن التشريعات والقوانين التي تضمن حقوق اللبنانيين وودائعهم المصادرة في المصارف”.
ورأت المنظمة أن “أطراف السلطة الحاكمة لم تكتفِ باختراع الذرائع والبدع القضائية لتعطيل التحقيق بكارثة انفجار المرفأ للتغطية على مسؤولياتها وجرائمها، بل تتعمّد تجاهل الاضراب المستمر للقُضاة ومساعديهم ومعهم الأجهزة المعنية بعملهم، الذين انهارت مداخيلهم، وتحميلها مسؤولية تعطيل المحاكم التي تفتقد لشروط الحد الادنى من مستلزمات عقد جلسات التقاضي لتحقيق العدالة، وتأمين حقوق المتنازعين، وتنفيذ الأحكام الصادرة”.
وحذرت من “أخطار تمادي قوى السلطة في الانتقال إلى إدارة البلاد بقوة تعطيل الاستحقاقات والفوضى الأهلية والامنية، وعبر رعاية المافيات التابعة لها والملحقة بها التي تستغل غياب أجهزة الرقابة. كذلك الاستخفاف بالاضرار التي تطال كل المؤسسات العامة والخاصة، والتي لا تستثني القطاع الطبي والتمريضي والمستشفيات والتعديات عليها واطلاق النار داخلها وتخريب تجهيزاتها. بالتزامن مع ارتفاع منسوب الفقر ومستويات البطالة، وعجز كثر عن الحصول على رغيف الخبز وحبة الدواء، وتزايد أعداد الذين يفتقدون القدرة على تأمين وسائل التدفئة واقساط المدارس والجامعات لأبنائهم، بالتوازي مع استهانة المسؤولين بمفاعيل استمرار اضراب اساتذة الجامعة اللبنانية ومعلمي التعليم الرسمي وتهديد العام الدراسي لأبناء الفئات الشعبية والفقيرة بالضياع”.
وحملت المنظمة “قوى السلطة مسؤولية الانهيار العام”، ونبهت من “أخطار الفوضى والفلتان الأمني المرشحين للتصاعد، في ظل انتشار السلاح من دون أي ضوابط”. يؤكد ذلك ارتفاع حجم الخسائر البشرية والمادية، التي تسببت بها عمليات الاقتتال والاشتباكات المسلحة واطلاق النار اليومي التي شهدتها سائر المناطق اللبنانية، بدءاً من أحياء بعلبك وطرابلس، إلى عكار ومشغرة وغيرها من القرى والبلدات والمدن، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية للعاصمة. هذا عدا جرائم القتل وحوادث السير وما تخلفه من ضحايا وجرحى، وسط تزايد عمليات السرقة والتهريب واعمال السلب وقطع الطرقات والخطف وشيوع تجارة المخدرات، وهرب الموقوفين من السجون ونظارات المخافر الأمنية، التي تفتقد لتجهيزات الحد الأدنى، الأمر الذي يفاقم عجزها عن القيام بواجباتها، لقاء رواتب فقدت قيمتها الشرائية ولم تعد تكفي أفرادها وعائلاتهم سوى ثمن خبزهم لأيام محدودة”.
أضاف البيان: “إن منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني، وإيماناً منها بحق اللبنانيين في العيش بأمن واستقرار وعدالة اجتماعية، تدرك أن اعادة الاعتبار لدور الدولة وانتظام عمل مؤسساتها، والتزام الاستحقاقات الدستورية هو المدخل الوحيد لحماية البلد وانقاذهم من المخاطر، والخروج من الفوضى القاتلة والمدمرة التي باتوا أسراها. وكما أن هذه الأهداف غير قابلة للتحقق على يد السلطات السياسية ـ المالية المافيوية، كذلك فإن الحلول لن تأتِ بقوة سحر ساحر التدخلات الخارجية أو الارتهان لها. ما يعني أن خلاص اللبنانيين لن يتحقق إلا على أيديهم، وهو مرهون بتجميع وتأطير قواهم المتضررة، وأصحاب الحقوق المشتركة المستعدين للنضال الديمقراطي المسؤول، من أجل انتزاع حقوقهم وحماية ما تبقى منها، وقطع الطريق امام تصاعد مسار الفوضى التدميري”.
وختم: :إن قرار الانقاذ بأيدي اللبنانيين وحدهم، المطالبين بتحمّل مسؤولياتهم، وبالتعاون والتنسيق بين قواهم لتجديد انتفاضة 17 تشرين 2019 المجيدة، انقاذا للوطن، وبديلا عن الاستسلام أمام الفوضى القاتلة، أو اللجوء إلى زوارق الموت هرباً من المواجهة”.