بقلم غسان ريفي – سفير الشمال
ضرب شهر أيلول رقما قياسيا، بانطلاق المراكب التي تحمل على متنها مهاجرين غير نظاميين نحو مجهول هو أشبه بالانتحار حيث يتركون للبحر أن يتحكم بمصيرهم المعلق بين نارين، فإما الوصول الى بر بلد اوروبي والدخول الى مخيمات اللاجئين القائمة في الغابات والتي تفتقر الى أدنى مقومات العيش الكريم بانتظار الترحيل أو البت بالمصير، وإما الدفن في قاع البحر بفعل افتقار تلك المراكب الى ابسط قواعد السلامة العامة خصوصا مع تحميلها أكثر من طاقتها بكثير ما يجعلها اكثر عرضة للغرق منها الى النجاة.
بالأمس، وضع أيلول الملح على جرح نيسان فحمل الى طرابلس والمنية وعكار والمخيمات وسائر الشمال كارثة إنسانية جديدة تمثلت بغرق مركب مهاجرين غير نظاميين في بحر طرطوس بالقرب من جزيرة أرواد، لينضم شهداؤه الى شهداء مركب طرابلس الذي لم تتمكن الغواصة التي استقدمت من الهند من انتشاله او انتشال الجثث المستقرة فيه بسبب تحللها بالكامل، ما ضاعف من معاناة ومآسي العائلات المفجوعة.
يبدو حتى الان ان كارثة مركب طرطوس اكبر من كارثة مركب طرابلس، فحتى ليل امس كانت القوات البحرية وفرق الإنقاذ السورية قد انتشلت 50 جثة من جنسيات لبنانية وفلسطينية وسورية وتم انقاذ نحو 24 شخصا تم نقلهم الى مشفى الباسل لتلقي العلاج، في حين تشير المعلومات الى وجود عدد كبير من المفقودين خصوصا ان ثمة تضارب في تحديد عدد الركاب الذين كانوا على متن المركب بين 70 شخصا و120 وفي كلا الحالتين فإن مركبا يريد التوجه نحو بلد أوروبي في هجرة غير نظامية لا يستطيع تحمل كل هذه الاعداد، فكيف اذا كان البحر غاضبا برياح وبارتفاع مستوى الموج.
يمكن القول، إن نجاح بعض المراكب في الوصول الى وجهتها الأوروبية قد اغرى الكثيرين من فاقدي الامل بوطنهم والذين ركبوا الأمواج في تجربة مماثلة كان بعضها كارثيا بكل المعايير..
تشير المعلومات الأمنية الى أن أكثر من 12 مركبا متخمين بالركاب وبكميات كبيرة من المازوت والمتاع الشخصية، حاولوا الانطلاق في هجرة غير نظامية باتجاه السواحل الأوروبية، نجح الجيش في احباط 5 منهم من خلال الامن الاستباقي الذي يمارسه، بينما تمكن 7 من الخروج الى الشواطئ الأوروبية، 4 منهم وصلوا بخير بينما ضاع ٣ مراكب بين بحر إيطاليا ومالطا، الى ان تم انقاذهم من خلال سفن تجارية ونقلهم بداية الى اليونان لتلقي العلاج ومن ثم الى تركيا للبت بمصيرهم، حيث شهد يوم امس تحركات في طرابلس للمطالبة بتدخل الدولة مع السلطات التركية للأفراج عنهم وترحيلهم.
تتركز نقاط انطلاق المراكب غير النظامية من عدة أماكن شمالية ابرزها: القلمون، الميناء، المنية، العبدة، العريضة، ومنذ أسبوع خرج مركب يضم فلسطينيين من مخيم الرشيدية وعدد من شبان عكار نجحوا في الوصول الى إيطاليا، قبل ان ينطلق مركب الموت الجديد قبل 48 ساعة من المنية ليواجه الكثير من الركاب فيه حتفهم.
وتقول المعلومات، إن الطريق البحري الذي تسلكه المراكب لا يمر بالمياه الإقليمية السورية، لكن ما ترجحه بعض المصادر هو ان يكون محرك المركب قد تعطل بالكامل، ونقلت التيارات البحرية الناشطة المركب الى قرب جزيرة ارواد حيث تحطم وغرق بفعل الأمواج العاتية والوزن الزائد…
وتضيف المعلومات الى ان مخابرات الجيش أوقفت امس المدعو بلال .د، المسؤول عن المركب المنكوب، كما أوقفت المخابرات شخصين ذكرت المصادر ان احدهما هو الرأس المدبر للكثير من الرحلات غير النظامية، ومن المتوقع ان تكشف التحقيقات معهم العديد من المتورطين الذين بات بعضهم يشكل او يعمل مع مافيات للاتجار بالبشر، والتي ترسم للفقراء سيناريوهات وردية ثم تتركهم لمصيرهم المجهول في بحر متلاطم الأمواج، بعد ان تكون قد جنت على حساب الفقراء عشرات آلاف الدولارات التي كان الاجدى بمن دفع مبالغ مالية ضخمة ان يتنعم بها مع عائلته أو ان يستخدمها في مشروع صغير يدر عليه بعض المال، وذلك افضل بكثير من هجرة في البحر نهايتها التشرد او الموت!..