بقلم د. ميشال الشماعي
يسعى دويتّو الحكم إلى تعويم نفسه بنفسه علّه يؤمّن ديمومة نهجه بعد انتهاء هذا العهد الذي أجهز على البلاد والعباد معاً. لذلك، كثر الحديث عن قرب ولادة حكومة العهد الأخيرة بهدف تكوين سلطة تكون له فيها الغلبة ليستطيع إمساك ما تبقّى بقبضة من حديد.
لكنّ ذلك قد لا يترجم فعليّاً بسبب خلافات أهل البيت في ما بينهم. وهذا ما سينعكس ترجمة تعطيليّة للنّهج الذي اتُّبِعَ منذ تسوية الدوحة 2008. فما هي المكتسبات التي قد يحقّقها دويتّو الحكم في حال نجح بتخريج تشكيلة حكوميّة من قمقم التأليف؟
يتطلّع «حزب الله» الذي بات مديراً للأزمة إلى كيفيّة إدارته السلطة الإيرانيّة في لبنان بأقلّ خسائر ممكنة. وهو يقرأ جيّداً التغييرات الجيوستراتيجيّة القادمة عليها منطقة الشرق الأوسط. ويعرف تماماً أنّ نظام الملالي قد تزعزع حتّى لو لم تنجح ثورة الحجاب بإسقاطه.
لذلك بات بلا ظهر قويّ يستند إليه، فهو يريد تثبيت مكامن قوّته الشخصيّة ليستطيع استكمال مشروعه الذي بات من رابع المستحيلات.
فهذه المحاولة ما هي إلا مؤشّر إضافي على الوهن الذي أصاب السلطة الإيرانيّة في لبنان ومشغّلها أي «حزب الله». ولن يتمكّن من تعويم نفسه نظراً لحدّة الخلاف داخل خطّه «الممانع».
فجبران باسيل بقدّه وقديده لم يستطع أن يتحوّل إلى المرشّح المقبول للخطّ الإيراني بغضّ النّظر عن تقديمه أوراق اعتماده بالكامل. فرفَضَه من منطلق حاجة هذه السلطة في لبنان إلى مهادنة المجتمع الدّولي وعدم الدّخول معه في اشتباك.
وهذا ما لا يؤمّنه باسيل كمرشّح رئاسيّ. لذلك كلّه، تجده اليوم أكثر المتحمّسين لإخراج الحكومة؛ مع العلم أنّ مَن لم يوقّع حتّى اليوم هو عمّه، الرئيس الفعلي للتيّار العوني.
فالحاجة إلى هذه الحكومة هي من طرفي الدويتّو. الحزب يريدها لتثبيت دستوريّة الحكم في المرحلة المقبلة، وليستطيع أن يكون مديرًا دستوريًّا للأزمة، تحت إشراف راسبوتين القصر الذي يبتدع الشعوذات الدّستوريّة في مختبره الدّستوري بالسرّ. وجبران باسيل يريد الحكومة ليستطيع أن يكون عبر وزرائه فيها رئيساً غير مباشر للجمهوريّة لأنّه مدرك تماماً صلاحيّات الوزير بعد تعديلات الطائف.
هذه الحاجة المشتركة قد تنتج حكومة ما، والمؤكّد أنّ هذه الحكومة لن تنتج شيئاً، لذلك هي ساقطة مسبقاً، أي قبل ولادتها. أقصى ما يمكنها الوصول إليه هو إدارة الفراغ الرئاسي، إن نجح الدويتّو بتثبيته أمراً واقعاً بعد 31 تشرين المقبل.
أو بالحري بعد تأكّدها من قدرتها على فرض الفراغ لأنّ قدرتها التعطيليّة قد تمّ تعطيلها بتحقيق فريق المعارضة قدرة صلبة على التعطيل. لكن الرّهان الحقيقي هنا يكمن في تبدّل رأي بعض مَن يعتبرون أنفسهم في صلب سلطة إيران في لبنان.
وهذا ليس بأمر مستحيل بغضّ النّظر عن صعوبته؛ إلّا أنّ التغيّرات الدوليّة الاستراتيجيّة التي نُقبل عليها قد تشكّل عنصراً مبدِّلاً في السياسات التي كانت ثابتة طوال هذه العقود الأربعة.
وعلى ما يبدو أنّ اسم مرشّح المعارضة بات بحكم المؤكّد، لا سيّما أنّ البيانات التي صدرت عن الاجتماعات الدوليّة، أي بيان الرياض وواشنطن وباريس الذي تقاطع معه بيان دار الإفتاء، والذي يتقاطع بدوره مع عظات البطريرك الراعي كلّها وبيانات مجلس المطارنة، فضلاً عن التمايز الاشتراكي الذي لم يتخطَّ الحدود السياديّة؛ هذه الأمور كلّها تشي بأنّ إمكانيّة إحداث الخرق السيادي ليست مستحيلة؛ وإن حدث الفراغ الرئاسي فلن يكون كسابقه من الفراغات بلا سقوف محدّدة.
من هنا، لا مكتسَبَات لهذه الحكومة التي تؤمل ولادتها إلا القدرة على إدارة دستوريّة لمرحلة الفراغ للحؤول دون تدخّل دولي.
لذلك كلّه، نهاية هذا الأسبوع ستكون حاسمة حكوميّاً وترسيميّاً، لا سيّما بعد تصريحات العدوّ الإسرائيلي الأخيرة عن الإنتهاء من ملفّ الترسيم، لتضع بذلك سلطات الإحتلال العائق في الجانب اللبناني، ما سيزيد الضغط أكثر لإسقاط السلطة الإيرانيّة في لبنان، أو لرفع منسوب تنازلاتها لصالح العدوّ. وفي كلا الحالين، هو بحالة win win situation، بعكس ما تحاول السلطة الإيرانيّة في لبنان الإيحاء به.
والخطير في هذه المرحلة يكمن في أن يذهب هذا الدويتّو إلى الضغط أكثر على النّاس بزيادة تأزيم الوضع الإقتصادي عليهم أكثر فأكثر، علّه يستطيع تفجير الوضع الاجتماعي من البوّابة الاقتصاديّة – المعيشيّة التي باتت غير مقبولة.
وفي هذه الحالة عندها قد يجعل من 31 تشرين يوماً غير طبيعيٍّ، فيؤمّن استمراريّة حكمه عبر تثبيت النهج نفسه ببقاء العهد عينه في بعبدا.
ومَن يعلَم عندها ردّة فعل المجتمع الدّولي الذي أقرّ القرار 2650 مع مرجعيّة كلّ القرارات الدوليّة ذات الصلة، بما فيها القرار 1559؟ هل سيتدخّل في الوقت المناسب لتصويب خطّ القطار السيادي ؟ أم على السياديّين بدورهم، الضغط أكثر على المجتمع الدولي والاستفادة من التغيّرات الجيوستراتيجيّة لاسترجاع السيادة اللبنانيّة والتخلّص من سلطة وتسلّط إيران وعملائها في لبنان؟