جهود سعودية لتعزيز العمل العربي والدّولي ذات أبعاد استراتيجيّة

بقلم طارق أبو زينب

يأتي التحرّك الخارجي السعودي دومًا في صالح القضايا العربية والإسلامية، وبحكم دور المملكة العربية السعودية وثقلها الدولي واهتماماتها بقضايا أمتها وحرصها على استقرار وأمن المنطقة، فإن الشعوب العربية تعوّل كثيرًا على دور السعودية وتحركها خارجيًا، وترى في هذا التحرّك الخير الكثير والأهمية القصوى في الدفاع عن القضايا العادلة للأمتين العربية والاسلامية، خصوصًا في هذا الظرف الدقيق الذي تتعرّض فيه الأمتان إلى هجمة شرسة سواء بالحروب والقتال والتدمير أو بالمشاريع السياسية المرتهنة أو بنشر الارهاب والفكر المتطرف.

واليوم تحتاج الأمة العربية في هذا التوقيت الصعب إلى التحرّك الدبلوماسي العربي أكثر من أي وقت مضى مع مخاطر المنطقة والعالم والهجمة البربرية الإيرانية على العواصم العربية، لبنان، سوريا، العراق، اليمن والتدخل في شؤون بعض الدول العربية، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني والاطماع الإسرائيلية، وتسلل الجماعات الارهابية المتطرفة وفكرها الى المجتمعات العربية، وسلبية النظام الدولي ومجلس الأمن بعدم إعادة ترتيب السياسة الدولية لمواكبة التطورات، لمعالجة التحديات والمخاطر ولردع النفوذ الإيراني مع تزايد تهديد الممرات والمضائق المائية وتصاعد التهديدات الإيرانية في منطقة الملاحة الدولية بمياه الخليج العربي، والعمل لحماية المنطقة مع تزايد المخاطر في الشرق الأوسط.

حرصت المملكة العربية السعودية على تقديم الدعم المادي والمعنوي والسياسي والدبلوماسي للدول العربية والاسلامية، وهي تعمل بثقل لخدمة العمل العربي القومي المشترك، وهذا التوجه هو من أولويّات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الامير محمد بن سلمان. هولاء القادة الذين نالوا محبة الشعوب وتقديرهم في الداخل والخارج نظرًا لمواقفهم التي تصب في صالح الأمة وفي لم الشمل العربي.

التضامن العربي والاسلامي منذ عهد المؤسس

جهود المملكة العربية السعودية تاريخية في التضامن العربي والاسلامي وتعود إلى مرحلة التأسيس على يد الملك المؤسس المغفور له عبد العزيز بن عبد الرحمن ال سعود والذي كان أول حاكم يدعو إلى التضامن العربي والإسلامي، إذ دعا الملك عبد العزيز رحمه الله إلى أول مؤتمر إسلامي عالمي في تاريخ الإسلام وذلك عام 1926م.

في مكة المكرمة بحضور وفود من الدول الإسلامية، وبفضل السياسة الحكيمة وتلك المبادرات الرائدة، بات العمل على وحدة صف العرب والمسلمين والتضامن فيما بينهم والتعاون والتكافل، إحدى السمات المميزة لثوابت السياسة السعودية.

وفي ذلك السياق قال المغفور له الملك عبد العزيز: “إن أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين فيؤلف بين قلوبهم، ثم بعد ذلك أن يجمع كلمة العرب فيوحد غاياتهم ومقاصدهم ليسيروا في طريق واحد يوردهم موارد الخير”.

حرص سعودي على الاستحقاقات اللبنانية الوطنيّة المقبلة

أما على صعيد لبنان وفق ما تكشف مصادر سياسية مطلعة في المعطى الداخلي والخارجي، و انطلاقًا من حرص المملكة العربية السعودية على تعزيز التضامن العربي وعدم سقوط لبنان الغارق بالازمات المتعددة، فقد بدأت الدبلوماسية السعودية بالتحرك في الملف اللبناني منذ فترة، داخليًا من خلال سفير المملكة العربية السعودية في لبنان الاستاذ وليد بن عبد الله بخاري الذي يتمتع بأصول المهنية الدبلوماسية واللباقة، ويتعامل مع جميع مكونات الشعب اللبناني بإتقان ودبلوماسيّة عالية، كما أنه يحسن التدبير في مختلف المواقف ويتحلى ببراعة فائقة ويحظى بثقة الشعب اللبناني بحسب المعرفة الواسعة وفهم شامل للشؤون اللبنانية.

أما خارجيًا فقد لمس الشعب اللبناني حرص الدبلوماسية السعودية العمل الجاد مع شركاء من الدول الغربية والعربية لكسر الجمود الحكومي والدفع إلى عدم الشغور الرئاسي بما أن الازمة الاقتصادية لا تحتمل تعقيدات إضافية في السياسة، وللدفع في محاولة منها لتعزيز الاستقرار في لبنان والتذكير بالمحافظة على الدستور اللبناني وعدم الوقوع في الفراغ الرئاسي، والتمسك بإتفاق الطائف، وحرص المملكة العربية السعودية التاريخي على لبنان ومكوناته واطيافة.

واذ تشير المصادر السياسية المطلعة ايضًا إلى أن السعودية لا تتدخّل في لعبة أسماء الترشيحات الرئيسية كافة، إنما هدفها الحفاظ على وحدة لبنان واستقراره، إضافة إلى سعيها ليكون لبنان ضمن الإطار العربي بعيد من الاطماع الخارجية، ويضيف المصدر السياسي أن لقاء السفير السعودي في دارته منذ ايام مع سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان على رأس وفد من النواب السنة من عدة كتل نيابية هو لإستكمال ما بدأه سماحة مفتي الجمهورية بالسعي الى توحيد الكلمة لتحمل المسؤولية الوطنية في الاستحقاقات اللبنانية المقبلة، ويوكد المصدر السياسي المطلع أن المملكة العربية السعودية وقيادتها تعمل بثوابت ونهج واضح على غرار المساعي الدولية السياسية والإنسانية الحميدة والمساهمة الفعالة والمتميزة لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في إنجاح عملية تبادل الأسرى بين روسيا و أوكرانيا ودعم كافة الجهود للوصول إلى حل سياسي للأزمة.
كذلك واصل الجسر البري الإغاثي السعودي عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بإرسال المساعدات المتنوعة وتوزيعها للمتضررين عقب موجة السيول والفيضانات في جمهورية باكستان الاسلامية.

بيان سعودي أمريكي فرنسي

وفي هذا السياق أصدر ممثلون عن المملكة العربية السعودية و الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الفرنسية، بيان ثلاثي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكدوا من خلاله دعمهم المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وشددت الدول الثلاث على أهمية إجراء انتخابات في موعدها بما يتماشى مع الدستور، لانتخاب رئيس يمكنه توحيد الشعب اللبناني والعمل مع المسؤولين الإقليميين والدوليين للتغلب على الأزمة الحالية، ودعت السعودية وأمريكا وفرنسا إلى تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية المطلوبة بشكل عاجل لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية في لبنان، وتحديدًا تلك الإصلاحات اللازمة للتوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وأبدت الدول الثلاث استعدادها للعمل بشكل مشترك مع لبنان لدعم تنفيذ إجراءات الإصلاح الأساسية هذه، التي تعتبر ضرورية لازدهار البلاد واستقرارها وأمنها في المستقبل، ونوهوا بالدور الحاسم للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بوصفهما المدافعين الشرعيين عن سيادة لبنان واستقراره الداخلي في حماية الشعب اللبناني في ظل أزمة غير مسبوقة، وأكدوا ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1680 و1701 و2650 وغيرها من القرارات الدولية ذات الصلة، بما فيها تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، مشددين على التزامهم باتفاق الطائف الذي يحفظ الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان .

الملف اللبناني مدار بحث في القمّة العربية المقبلة

وفي هذا السياق يعتقد مصدر دبلوماسي عربي رفيع المستوى أن لبنان بهويتة العربية ومستقبله واقتصاده سيكون مدار بحث في القمة العربية المقبلة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل 2022 المقرر عقدها في الجزائر، وسيدعم المجتمعون المساعي السعودية إتجاه لبنان وذلك للحفاظ على الدستور اللبناني واتفاق الطائف وتأكيد هوتية العربية، وتبني البيان المشترك السعودي الأمريكي الفرنسي، وذلك إنطلاقًا من العمل العربي المشترك للمنطقة ذات أبعاد استراتيجية واحتواء التحديدات والمخاطر المتعددة والتضامن والشراكة التي يراد من خلالها تقديم نموذج ناجح للعلاقات بين الدول العربية والخليجية، والتوازن بينها والتأثير بصفة إيجابية على مجريات الأمور على الصعيدين الإقليمي والدولي.

العلاقة التاريخية بين السعودية والبطريركية المارونية

من جهته أوضح منسق التجمع من أجل السيادة الاستاذ نوفل ضو، تميّز سياسة المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز بالعمل على التقريب بين الدول العربية وحل النزاعات بينها، ومساعدتها على تجاوز الخلافات، والعمل على إرساء الأطر المؤسساتية التي تضمن التعاون والتنسيق بين الدول العربية بدءا بجامعة الدول العربية وصولا الى مجلس التعاون لدول الخليج العربي.

وقد توارث الملوك المتعاقبون في المملكة هذه السياسة واحترموها، ولعبوا دور “الأخ الأكبر” في التعاطي مع الدول العربية التي اجتازت أزمات داخلية، كما بالنسبة الى لبنان من خلال رعاية اتفاق الطائف الذي وضع حدًا للحرب اللبنانية، واليمن وغيرهما.
واحترمت المملكة العربية السعودية على الدوام سيادة الدول العربية ودعمت “الشرعيات” ولم تسع المملكة يوما الى تأسيس كيان سياسي او حزبي تابع لها في اي من الدول العربية.

ولعل أفضل ما يشرح سياسة المملكة الخارجية هو ما جاء في كلمة للبطريريك الماروني بشارة الراعي في احتفال صدور كتاب عن تاريخ العلاقة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية عن سياسة المملكة تجاه لبنان، وهي سياسة اعتمدتها المملكة مع كل الدول العربية ويقول البطريرك الراعي:

“لقد أثبتت العقود أنَّ المملكةَ العربيّةَ السعوديّةَ فَهِمَت معنى وجودِ لبنان وقيمته في قلبِ العالمِ العربيِّ، ولم تسعَ يومًا إلى تحميلِه وِزْرًا أو صراعًا أو نِزاعًا، لا بل كانت تَـهُبُّ الى تحييدِه وضمانِ سيادتِه واستقلالِه.

في الواقع لم تعتدِ السعوديّةُ على سيادةِ لبنان ولم تَنتهِك استقلالَه. لم تَستبِحْ حدودَه ولم تورِّطْه في حروب. لم تُعطِّلْ ديمقراطيّتَه ولم تَتجاهل دولتَه. كانت السعوديّةُ تؤيدُ لبنانَ في المحافلِ العربيّةِ والدوليّةِ، تُقدِّمُ إليه المساعداتِ الماليّةَ، وتَستثْمِرُ في مشاريعِ نهضتِه الاقتصاديّةِ والعُمرانيّة. كانت تَرعى المصالحاتِ والحلول، وكانت تستقبلُ اللبنانيّين، وتُوفِّر لهم الإقامةَ وفُرصَ العمل. ”
واذا كان البطريرك الراعي يوصف في كلامه سياسة المملكة العربية السعودية بدقة، فهو في الوقت نفسه يقيم مقارنة ضمنية ويظهر الفرق بين السياستين السعودية والايرانية.

فإيران اعتدت على سيادة لبنان وغيره من الدول العربية، وانتهكت استقلال هذه الدول، واستباحت حدودها وورّطتها في حروب داخلية وخارجية، وعطلت الديمقراطية وتجاهلت الدولة من خلال تأسيس الأذرع التابعة لها ودعمها بالمال والسلاح وتحريضها على نشر الفوضى والخراب والموت والدمار، واستنزفت الاقتصادات ونشرت الفساد وسرقت المال العام ووضعت يدها على الثروات الوطنية.

اخترنا لك