بقلم اندريه قصاص
لم تكن جلسة اليوم جلسة إنتخابية بالمعنى المتعارف عليه، بل جلسة “متاريس”، وإن كان السلاح هذه المرة أبيضَ (الورقة البيضاء).
فكل فريق “يغني على “ليلاه”. والجميع من دون إستثناء حضروا إلى “ساحة النجمة” وهم يعرفون أن “الدخان الأبيض” لن يخرج من مدخنة قبّة البرلمان، مع أن معظم الأوراق كانت بيضاء (63 ورقة بيضاء).
جلسوا في أماكنهم وفي أيديهم أوراق مستورة. لم يرد أحد أن يكشف أوراقه قبل معرفة ما يخبىء الآخرون من أوراق. لقد بدا الجميع وكأنهم في عملية “تحمية” قبل إنطلاق صفارة البدء بالمباراة. وحدهم من سمّوا النائب ميشال معوض كانت أوراقهم مكشوفة.
هي القصة ذاتها تتكرّر. لم يحسب أحد من نواب الأمّة المنتخبين “طازة” من الشعب ماذا يريد هذا الشعب. هم أتوا بفعل قانون إنتخابي مفصّل على قياس مجموعة الأحزاب، ولم يأتوا بفعل إرادة شعبية عابرة للطوائف.
مشهد اليوم كرّس معادلة قديمة – جديدة، وهي أن “الشعب في وادٍ والسلطة في وادٍ آخر. الشعب يريد رئيسًا ينطق بإسمه؛ يعرف معاناته؛ يتحسّس أوجاعه؛ لا يساير ولا يحابي. يريد رئيسًا “طالع” من صفوفه، ومن رحم معاناة كل مواطن قلق على مصيره ومصير وطنه. هذا الشعب جرّب أنواعًا كثيرة من الرؤساء فلم يحصد سوى خيبات الأمل.
على مدى سنوات تلقّى هذا الشعب الصابر الكثير من الضربات. عضّ على جراحه على أمل أن التغيير آتٍ لا محال. فماذا كانت النتيجة؟ مزيد من الفقر؛ مزيد من الجوع؛ مزيد من الذّل؛ مزيد من القهر؛ مزيد من “القرف” واليأس؛ مزيد من التسويف والتأجيل.
النتيجة الواضحة لمسها اللبنانيون اليوم عندما خذلهم ممثلونهم. “توافقوا” جميعًا، من دون أن يتوافقوا، على دفع البلاد إلى فراغ يعترفون ويعرفون أنه سيكون “قاتلًا. “توافقوا” على تمديد معاناة موكليهم. “توافقوا” على إبقاء لبنان غارقًا في أوحاله وأحواله المهترئة. “توافقوا” على دفن ما بقي لدى “ناسهم” من أمل ورجاء.
هي جلسة “بانورامية” عن الواقع السياسي المأزوم. إنها جلسة الإقرار بالفشل. حضروا جميعًا إلى ساحة “اللامعركة”. ولكن الغائب الوحيد كان تلك الديمقراطية، التي طالما تغنّوا بها. لم يحسب احد أي حساب لها وكأنها غير موجودة في قواميسهم السياسية. لم يقيموا للديمقراطية وزنًا، بل مسحّوا بها الأرض.
جلسة اليوم تشبه كل الكتل التي كانت حاضرة في “جنازة” الديمقراطية الحقّة. هي جلسة تشبه كل شيء ولكنها لا تشبه الشعب بشيء. كم إشتاق اللبنانيون إلى مشاهدة جلسة إنتخاب كتلك التي جرت في العام 1970 حين فاز الرئيس سليمان فرنجيه على منافسه الرئيس الياس سركيس بفارق صوت واحد (50 – 49).
ليست “شطارة” أن نعمل على توسيع الحفرة، التي نقبع فيها منذ ردح من الزمن مرغمين ومكرهين. ليس “شطارة” أن نبرهن للعالم أننا شعب غير جدير بالثقة. ليس “شطارة” أن نمعن في تمزيق صورة بلدنا بأيدينا وتشويهها بأوساخنا.
حجّة البعض أنه لم يتسنَّ لهم أن يتوافقوا على إسم مرشح واحد، سواء أكانوا من هذا “المعسكر” أو من ذاك. ومن قال إن توافقككم فيه خير لبنان؟ توافقتم قبل ست سنوات إلا شهر فما كانت النتيجة؟
النتيجة تعرفونها، وهي أنكم أكلتم الحصرم ونحن ضرسنا.
فما بعد 29 أيلول ليس كما قبله. أشياء كثيرة ستتبدّل، ولكن في إتجاه الأسوأ. ومن يعش يرَ.