اليسار وقضايا الاقتصاد اللبناني في ندوة منظمة العمل

لا علاج للانهيار الا بالاصلاح الحقيقي المفقود

تحت عنوان “اليسار وقضايا الاقتصاد اللبناني” تحدث النائب السابق لحاكم المصرف المركزي، الكاتب والباحث الدكتور غسان العياش مساء أمس الاربعاء في 5 تشرين الاول 2022، بدعوة من منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني، بحضور الوزير السابق حسن منيمنة والمحامي مجيد ابراهيم وقيادات حزبية ونقابية ديمقراطية وخبراء في الاقتصاد والتنمية وإعلاميين وكوادر من المجموعات الشبابية.

تولى تقديمه الاكاديمي حسن منير منيمنة مشيراً إلى أن قضايا الاقتصاد اللبناني باتت تشمل سائر القطاعات والمرافق مما يندرج تحت عنوان الانهيار العام الذي يدفع ثمنه 90% من المواطنين والمقيمين. وأكد أن ما يشهده القطاع المصرفي واضمحلال الخدمات العامة وقصورها وما يتخلله من اقتحامات للبنوك، يطرح الكثير من الأسئلة التي لا بد وأن تنطلق من أرض الواقع وسياق نموه التاريخي وإحتمالات تطوره. خصوصاً ما مارسته المنظومة السياسية من تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد بونزي ومافياوي. ما كرس تبعية هذا الاقتصاد وعجزه في الوقت نفسه عن مجاراة التحولات التي تشهدها المنطقة على مختلف الصعد.

وأضاف في الخلاصة، إن أزمة اليسار في معالجة القضايا الاقتصادية في لبنان هي في كونها تختصر تحركها ونشاطها في التصويب على معالجة مسألة الأجور من دون النظر إلى التركيبة الاجمالية للاقتصاد، فضلاً عن فقدان النوابض الديمقراطية من نقابات عمالية ومهنية لجهة استقلاليتها عن مواقع القوى في السلطة، وتحولها إلى مجرد ملاحق تأتمر بأوامرها وتتحرك بناءً على حسابات فئوية. وتوقف أمام بعض الإشكاليات وهي:

كيف لليسار المكشوف العاري اجتماعياً ووطنيا ودوليا أن يتجاوز أزمته مع هذه الرأسمالية اللبنانية التابعة والمحتضنة اقليميا ودوليا ؟

في ضوء الأزمة الحادة التي تلف لبنان، ما هو السبيل لحوار جدي بين اليمين واليسار لوقف الإنهيار وتحقيق الانقاذ وتهديم متاريس الحرب وانشطاراتها. وبما يمهد للمباشرة في فعل الخروج من الأزمة وبناء نظام إقتصادي إجتماعي وطني مرن ومستدام؟
هل يمكن لآليات هذا الحوار ان تحسم مسألة الاقتصاد في خدمة السياسة ام السياسة في خدمة الاقتصاد وتخطيها، لبناء شراكة حقيقية على المستوى الاجتماعي كما على إدارة الشأن العام والمجتمع؟

كيف لليسار أن يفرض حضور دوره من خلال ترجمة الفكر إلى عمل في المشاركة، وتحصين عمليات رسم دور لبنان اليوم والمستقبلي، في ظل شروط وتدخلات دولية إن مباشرة او من خلال مؤسساتها؟

تطرق العياش في بداية حديثه إلى انتمائه في مرحلة الشباب إلى اليسار الجديد ممثلاً بمنظمة العمل الشيوعي، وعلاقته الخاصة مع كل من الرفيقين الراحل محسن ابراهيم والمفقود عدنان حلواني. وقال إن علاقة اليسار مع الاقتصاد يمكن تقسيمها تبعاً لتطور الاقتصاد، فبداية كان اليسار يركز على لا توازنه وعجزه عن تلبية حاجات المجتمع، وكان الخلل الموجود يرتدي أحيانا طابعاً مناطقيا وفئويا وطائفيا وقطاعياً، ما قاد إلى موجات النزوح من الريف إلى المدينة.

وتعرض لتجربته في البنك المركزي في التسعينيات وموقفه من تثبيت سعر صرف الليرة وهو أمر كان ضروريا خلال 3- 4 سنوات لتحقيق الاستقرار. واعتبر أن أبرز انجازين للرئيس رفيق الحريري هو تثبيت سعر صرف الليرة وإعادة بناء البنية التحتية، واستعمل في سبيل ذلك كل الوسائل بما فيها الفوائد المالية العالية. وسجل أنه في احد اجتماعات حاكمية المصرف المركزي وفي محضر احد الاجتماعات خلال حاكمية ميشال خوري تحفظه، و أهمية التوقف عن تثبيت الليرة والبنك المركزي لديه موجودات من العملات الصعبة يستطيع التدخل بها لحماية سعر الصرف. وأكد أنه منذ العام 1997 لم يعد ممكناً مواصلة الانفاق على الصناديق والمجالس، وهو ما رفضته القوى السياسية. قاد ذلك إلى نمو الدين العام بطريقة فوضوية، ما دفع إلى التوجه نحو الاستدانة دون تقييد الفوائد وتشجيع الاستثمار، وهو ما لم يحدث.

استمر حاكم المصرف المركزي بناء على الموقف السياسي في تثبيت سعر صرف الليرة ولجأ بعد العام 2015 إلى الهندسات المالية واستدراج المزيد من الودائع للمصرف المركزي لتأمين حاجات الدولة. علماً أن حاكم المصرف يستطيع رفض هذه الطلبات بموجب صلاحياته.

وشرح طبيعة الخسائر التي تكبدها المصرف.. وأكد أن اليسار كان يتحدث عن الطغمة المالية، متجاهلاً أن من يحكم البلد فعلياً بما في ذلك في الجوانب المالية والنقدية هي الطغمة السياسية بمساعدة من قوى مصرفية بمن فيها مصرف لبنان، ما أدى إلى هدر عشرات الملايين من أموال المودعين التي استعملت في تثبيت سعر الصرف واقراض الدولة. ورأى أن وضعاً مثل الوضع الذي نجتازه لا يمكن أن يعالج الا بالاصلاح الشامل، ولكن مثل هذا الاصلاح لم نر إلى الآن أي علامة له. واعتبر أن الدولة منذ اندلاع الحرب الاهلية لم تعد موجودة على نحو فعلي، فالكيان اللبناني مفقود وغائب على نحو تصاعدي، وقد بلغ الحد الذي بلغه عندما تكرست المحاصصات الطائفية التي ألغت عملياً ما نص عليه دستور الطائف من وضع السلطة في يد مجلس الوزراء. وفي الشأن المالي والنقدي دعا الدولة إلى محاسبة المرتكبين من يكونون سواء في مؤسسات الدولة أو القطاع المصرفي الخاص.

واعتبر أن أهم ما انتجه الفكر الماركسي هو نقد الاقتصاد الرأسمالي وليس بناء الاقتصاد الشيوعي الذي انهار. وهو ما يجب أن يدفع قوى اليسار إلى الابتعاد عن الشعارات الفضفاضة.

ساهم في توجيه الأسئلة وتقديم مداخلات عدد واسع من الحضور، وتمحورت حول سياسات الحريري الأب، وما تعانيه مؤسسات الدولة وامكانية الاصلاح في ظل المنظومة الحاكمة، ومصير أموال المودعين ومستقبل القطاع المصرفي وتراتبية المسؤولية عن الانهيار ودور القطاع المصرفي، ومدى صلاحيات الحاكم وتضخم الإدارة العامة وحشوها بالازلام والمحاسيب وتركز النقاش حول دور اليسار اللبناني قبل الحرب الأهلية باعتباره استخف بالاقتصاد اللبناني في مرحلة ازدهاره نظراً لتضخم دور قطاع الخدمات وضعف الصناعة التي دُمر نصفها خلال سنوات الحرب الاهلية ونصفها الآخر بعد اتفاق الطائف.

وجرى التشديد على أن الاولوية بالنسبة للبنانيين المتضررين هي إنقاذهم من جهنم التي يغرقون فيها. وأن هذه المهمة تقع على عاتق القوى صاحبة المصلحة في انقاذ الدولة والكيان والمؤسسات العامة والاقتصاد اللبناني بشتى فروعه ومجالاته. كذلك تم التأكيد على التحدي الذي يواجه البورجوازية ومدى استعدادها لمواجهة الطبقة المافياوية التي استرهنت لبنان واستباحته خدمة لمصالح الخارج وجعلته ساحة للتوظيف السياسي. وطرحت تساؤلات حول تراجع الوزن الاجتماعي لليسار اليوم وموقعه من أزمات البلد؟ في ظل عدم وجوده فعلياً لا في نقابات العمال ولا نقابات المهن الحرة ولا في الاتحاد العمالي العام التي صارت مقاليد أمورها جميعاً عند قوى الطوائف وممثليها السياسيين. ما يعني أن اليسار مدعو لتجديد انتسابه إلى أزمة البلد وإعادة التواصل مع المعلمين والطلاب والعمال والفلاحين والاطباء والمهندسين والمحامين باعتبارها القطاعات المتضررة مما آلت إليه اوضاع البلد من كوارث نعيشها في حياتنا اليومية والتي تهدد مصير الدولة والشعب.

اخترنا لك