بقلم د. ميشال الشماعي
ممّا لا شكّ فيه أنّ فخامة رئيس الجمهوريّة اللبنانية العماد ميشال عون قد شكّل ظاهرة بين اللبنانيّين، إن كان في حياته العسكريّة أو السياسيّة.
وسيذكر التاريخ هذا الرّجل انطلاقاً من كلّ ما قام به في مسيرته. هو الذي لم يرحمه النقّاد السياسيّون والخبراء العسكريّون والاستراتيجيّون بنقدهم أداءه وعمله العسكري والسياسي على السواء.
تحبّه أو لا تحبّه، لكنّه طبع تاريخ لبنان المعاصر بسلسلة ظواهر سياسيّة، ثار فيها كالبراكين ، حتّى بدأت حممه السياسيّة بالخبوِّ، لا سيّما بعدما انفصل عنه كثيرون ممّن كانوا معه في بداياته. أو الذين فصلهم هو بنفسه وأقصاهم عن الحياة السياسيّة. وصهره من بعده يتابع في المسار نفسه.
دخول عون إلى المدرسة الحربيّة
من بين هؤلاء، المحامي الأستاذ إيلي محفوض، رئيس حركة التغيير، ومن مؤسّسي التيار الوطني الحرّ. لكنّ محفوض كان من أوائل الذين كشفوا هذا الرجل على حقيقته، كما أفاد في حديثه لجسور.
فبالنسبة إليه “لا يمكن تشريح ظاهرة ميشال نعيم عون من دون العودة إلى بدء حياة هذا الرّجل منذ لحظة دخوله المدرسة الحربيّة. ” ويستغرب محفوض كيفيّة قبوله في الكليّة الحربيّة بسبب قصر قامته.
ويكشف لجسور أنّ “الطالب ميشال نعيم عون قد رفض في الامتحان النّفسي من قبل الدّكتور مانوكيان لعدم كفاءته، فتدخّل متوسّطاً له نائب الكتلة الوطنيّة إدوار حنين كون والده كان مقرّباً من حزب الكتلة النيابيّة.” ويقال أنّ هذا الطبيب تقدّم باستقالته بعدما تمّ إنجاح الطالب ميشال نعيم عون بالوساطة.
علاقته ببشير الجميل
يتحدّث إيلي محفوض عن الشيخ بشير الجميّل من منطلق انتمائه إلى البحر الواسع للمقاومة اللبنانيّة الذي يجمعه فكريّاً مع هذا النهج المقاوم لبناء دولة مؤسّسات وجمهوريّة قويّة، لا تلك التي تهدم الدّولة لتبني تلك الرّديفة لها بمؤسّسات تدين بالولاء لمشروع أيديولوجي عابر الحدود والقارات.
ويلفت محفوض لجسور عن حادثة في هذا السياق وضعت الضابط ” رعد” كما كان يعرف آنذاك الضابط ميشال عون، بمواجهة مع مؤسّس المقاومة اللبنانية الشيخ بشير الجميّل حيث في ” سنة 77/78 يشغر منصب قائد قطاع بعبدا أو أفواج الدّفاع وكان يشغله أحد الضبّاط من آل شهاب الذي إمّا تقاعد أو أصيب بالمرض. فتدخّل الشيخ بشير الجميّل بطلب من أحد الأصدقاء المشتركين بينه وبين ميشال عون وتوسّط مع المقدّم جوني عبدو الذي كان يشغل منصب مدير المخابرات أو ما كان يعرف بالمكتب الثاني.”
وعلى ما ورد في كتابه “خديعة العصر” الصادر بطبعته الأولى في أيلول من العام 2007 ذكر محفوض ما قاله المقدّم جوني عبدو محاولاً إقناع الشيخ بشير الجميّل :” avez vous reflechi a ce risque perile” فيجزم الباش بأنّه يريده في هذا المركز. فيجيبه عبدو : ” لا تطلب منّي عزله من مركزه إذا ارتكب أيّ شيء.” فتمّ تعيينه في هذا المنصب. وذلك بحسب ما قاله محفوض لجسور.
الاصطدام الكبير مع بشير
ولم يكد يمرّ أسبوع على تعيينه في هذا المركز إلا ووقع اشتباك عسكري في ٢٤ تشرين الثاني / نوفمبر سنة ١٩٧٨ بعد عيد الاستقلال بسبب إقامة الجيش حاجزا لفوج الدفاع الأول أمام مدخل مركز كتائب حارة حريك شارع الدكاش الحدت، وكان الحاجز الاستفزازي المفاجىء يومها يهدف إلى التضييق على المقاتلين في مواجهة هجمات الفصائل الفلسطينية المسلحة والميليشيات اليسارية التي كانت تحاول قضم ساحل بعبدا (والذي بات يعرف بالضاحية الجنوبية اليوم.)
في اليوم التالي أي في ٢٥ تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٧٨ قام فوج الدفاع الأول في الجيش فجراً وبصورة مباغتة بمهاجمة مركز كتائب المريجة بالقذائف الصاروخية وقذائف الدبابات والأسلحة الرشاشة وبكثافة نارية كبيرة وقد استشهد كل من سمير بشارة البستاني وسعيد مطر اللَّذين اعترف الضابط محمّد فهمي بقتلهما على قناة “المنار” مع الصحافي عماد مرمل، وهو الذي كان المسؤول الاستخباراتي الأمني في زمن الاحتلال السوري وبطل واقعة ٧ آب ٢٠٠١، ليصبح بعدها وزيراً للداخلية في حكومة حسان دياب في 21 كانون الثاني/يناير 2020، وفي 10 آب/اغسطس 2020، استقالت الحكومة، وتولى تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة نجيب ميقاتي الثالثة في 10 أيلول/سبتمبر 2021.
وقام بعد هذه الحادثة عون بحماية فهمي. عندها غضب الشيخ بشير من تصرّفه هذا، وطلب الصديق المشترَك طالباً منه إحضار عون. فساءت العلاقة بينهما جدّاً.
كيفيّة وصول عون إلى قيادة الجيش
على خلفيّة أحداث 6 شباط/فبراير في الشحّار والضاحية وسقوط مئات الضحايا وانقسام الجيش، يوم كان العماد ابراهيم طنّوس قائداً للجيش، لامتصاص النقمة، دُفِعَ العماد طنّوس لتقديم استقالته.
وهذه سابقة لم تحصل قطّ. فبقي طنّوس في الكادر العسكري لأنّه ما بلغ سنّ التقاعد بعد. وتمّ تعيين عون قائداً للجيش بعد التئام مجلس الوزراء برئاسة الرئيس أمين الجميّل في بكفيّا بحضور وزير خارجية سوريا عبد الحليم خدّام. واقترح الجميّل تعيين العميد حبيب فارس آنذاك.
ويكشف محفوض لجسور في هذا السياق أنّ خدّام قال للجميّل: “سيادة الرئيس يسلّم عليك ويتمنّى تعيين العقيد ميشال عون قائداً للجيش.” ويتابع محفوض مستذكراً كيف وزير الأشغال آنذاك وليد جنبلاط ووزير العدل نبيه برّي أشادا بهذا القرار. وهكذا صار عون قائداً للجيش سنة 1984. يتبع …