بقلم علي أبو دهن – أسير سابق في المعتقلات السورية
أنا مواطنٌ لبنانيٌ عشْتُ تجربةَ الاعتقالِ والسجنِ السياسي في سوريا على مدى ١٣ عاماً، من عام ١٩٨٧ وحتى عام ٢٠٠٠ أي ٤٧٣٦ يوما. في هذا الكتابِ – عائدٌ من جهنمِ -أكتبّ تجربَتي وما لاقيتُهه من سوءِ معاملةٍ وتعذيبٍ وإساءةٍ على يدِ أجهزةِ أمنِ النظامِ السوري.
ان ينتزِعَك ضابطُ المخابراتِ من بينِ أحضانِ عائلتِك ويَجزِمَ بانَّك ستعودُ بعد ساعتينِ وتغيبُ في دهاليزِ العذابِ ١٣ سنةٍ انها بدايةُ قصّتي عائدٌ من جهنمِ .
أتكلّمُ عن أدبِ السجونٍ الأخاذِ، المريرِ، الذي يقطعُ القلبَ وينقبضُ معَهُ صدرُكَ.
الجلادونَ اختاروا لنا مرتبةً دونَ مرتبةِ الإنسانِ، نُضربُ، نُجلدُ، بتفننِ الجلادينَ وعلى مزاجِ مخيلتِهم البهائمية.
تُجرّدُ من إنسانيتِك دونَ حقِ المعرفةِ لماذا ؟ يُنتزعُ اسمُكَ وتصبحُ رقمًا هم أصحابُه دونَ مشورتِك. توضعُ انسانيتُك داخلَ ملفِكَ ويُقفلُ المحضرُ .
١٣ سنةٍ مليئةٍ بالتعذيبِ والمهانةِ بالموتِ البطيء، محاطًا بأرواحٍ ورفاقٍ تذهبُ الى السماءِ وتنتظرُنا…. عشْتُ في أقبيةٍ لا تراها الشمسُ ،وحتى الله منعَ من دخولِها، كما قالَ لنا السجانُ الكبيرُ.
حين ساقني حظي السيء إلى سوريا لأكملَ معاملةَ الهجرةِ إلى استراليا، يتمُّ اعتقالي من قبل المخابرات بحجة خطأ في أوراق سيارتي، سلّموني لفرعِ مخابراتِ المنطقةِ في دمشق.
تفاجأتُ بما حصلَ معي، أعرفُ حقَ المعرفةِ أنني لم أقترفْ أيَ ذنبٍ لا في لبنانَ ولا سوريا، لكنني خائفٌ لأن الأمنَ السوري مرعبٌ بسمعتِه وممارساتِه، وفعلاً اكتشفْتُ من خلالِ التعاملِ معي أنني تحولْتُ لكائنٍ منتهكِ الإنسانيةِ مستباحِ الحريةِ أمامَ المحققين والجلادين، أُستقبَلُ بالإهانةِ والضربِ والشتمِ والإساءةِ، معصومُ العينين مكبلُ اليدين، لكي أدلي باعترافاتٍ عن علاقتي مع المخابراتِ ( الإسرائيلية )…
وأنكر وأصر أنني لا أعرفهم ولم أتواصل معهم، لكن آلة التعذيب المستمرة كانت أقوى، بالتكافل والتضامن مع زنزانة منفردة ضيقة، أكبر من التابوت بسنتيمترات قليلة وبعد ان مورس علي جميع أنواع التعذيب بدءاً بالضرب المبرح، إلى وضعي بالدولاب وضربي بكابلات كهربائية مجدولة على قدمي أجزاء جسدي، إلى وضعية الشبح و بساط الريح كالتعليق من اليدين والرجلين لفترة طويلة من الزمن، إلى الصعق بالكهرباء، من وضع الأسلاك على الشفة ولصقها على العضو التناسلي وصلت أخيراً إلى الانهيار، و أعلن الانتصار علي والإقرار بكل التهم المنسوبة لي بطيبة خاطري المنكسر.
مرّتْ الأيامُ ثقيلةً علي في فرعِ المنطقةِ، في ظروفٍ قاسيةٍ لا إنسانية الطعام شبهُ معدمٍ، التواصلُ مع العالمِ الخارجي ممنوعٌ، والشمسُ والهواءُ أصبحوا من المنسياتِ، وبعدَ فترةٍ من الزمنِ نُقلتُ إلى فرعٍ أمنيٍّ جديدٍ؛ إنه فرعُ فلسطينَ، لأعودَ إلى ذاتِ الدوامةِ : التعذيبُ والتحقيقُ والذلُ والخوفُ، لأعلنَ باعترافاتي جاءتْ دونَ تعذيبٍ ولا تهديدٍ ولا أي وعيدٍ، ببساطةٍ هكذا تصبحُ عميلا دونَ تدريبٍ.
من أهمِّ أساليبِ التعذيبِ الحبسُ الانفرادي لمدةٍ طويلةٍ، متلازما مع الجوعِ، والعطشِ والعتمةِ المظلمةِ الظالمةِ، والإنهاكِ الجسدي بمنعِ المعتقلِ من النومِ بكلّ وسائلِ الازعاجِ ، برشِ المياهِ وضربِ البابِ بقوة ومناداة المعتقلِ وفتحِ وإغلاقِ البابِ المتكررِ والتعليقِ من اليدينِ والرجلين بالسقفِ، بالإضافةِ للجلدِ والضربِ بمختلفِ أنواعِه، وإسماعِه أصواتَ التعذيبِ من غرفٍ مجاورةٍ، حتى انهيارِ قوتِه والاستجابة لما يطلب منهُ.
حدثَ معي ومعَ الافٍ من رفاقي في سجونِ الأسد.