بقلم د. ميشال الشماعي
عام 1986 زار ميشال عون سوريا للمرّة الأولى بصفته قائدًا للجيش ليلتقي كبار ضبّاط القيادة السوريّة أمثال علي أصلان وحكمت الشهابي وغازي كنعان. والملفت في هذه الزيارة مرافقة كلّ من النقيب في الجيش اللبناني جميل السيّد وميشال سماحة.
ويؤكّد محفوض لجسور أنّ هذه الزيارة ” تدحض ما قاله في زيارته لمنطقة براد في 3/12/2008 حيث ادّعى أنّها المرّة الأولى التي يزور فيها سوريا.”
وخلال فترة تولّيه قيادة الجيش، أرسل رسالة إلى الرئيس السوري في صيف 1988 طالبًا تأييده لرئاسة الجمهوريّة. على ما ورد في كتاب “هذه شهادتي” للمؤلّف بول عنداري في طبعته السادسة الصادرة عام 2020، وفي الصفحة 274 منه الآتي: “إنّني عسكري، وبهذه الصفة أتمنّى أن يعتبرني القائد الكبير حافظ الأسد ضابطًا صغيرًا في جيشه… وأنا مستعدّ لن أقدّم أيّ تعهّد يُطلب منّي لضمان أمن سوريا في لبنان وانطلاقًا منه.
ومن حقّ سوريا علينا أن نشرّع وجودها العسكري في لبنان لمواجهة أي اعتداء محتمل عليها. كذلك انا مستعدّ لعقد أيّ اتّفاقيّات امنيّة. وانا لن أرسل جماعة العراق إلى دمشق معلّبين في صندوق السيارة.”
كيفية تكليفه بالحكومة العسكرية
يلفت محفوض في حديثه لجسور أنّ ” 12 قمة سورية بين الجميل والأسد وفي اللقاء الأخير قبيل ساعات من انتهاء مهلة ولاية أمين الجميل، ذهب عند الرئيس شارل حلو وطلب منه تولّي حكومة انتقاليّة. فطلب منه أن يتواصل مع قريبه “بيار حلو”. وبدوره رفض هذا الأخير تشكيل حكومة من لون واحد.
ويتابع محفوض مشيرًا إلى “وجود رغبة عند داني شمعون على أن يكلف برئاسة حكومة انتقاليّة يحتفظ فيها عون بقيادة الجيش ووزارة الدفاع وتشترك القوات بشخص سمير جعجع او غيره.” فهذا الحوار كان يدور في أروقة القصر الجمهوري بحثًا عن مخرج لعدم إحداث فراغ على مستوى الرئاسة الأولى.
ويقال إنّ الرئيس الجميل نصح بتكليف قائد الجيش آنذاك. واشترط عون لقبوله بهذه المهمّة تشكيل حكومته من المجلس العسكري للتحضير لانتخاب رئيس الجمهوريّة. كما لفت محفوض في حديثه.
لم يكد يصدر المرسوم بتكليف الحكومة العسكرية بمهمّة الحكومة الانتقاليّة حتّى سمعنا على الراديو بأنّ الدرزي والسني والشيعي تقدّموا باستقالاتهم. وهم لم يكونوا على علم بذلك. ترجمة لنفوذ هيمنة المنطقة الشرقيّة آنذاك. فبقيت الحكومة من عون وأبو جمرا وإدغار معلوف.
جرى مؤتمر في تونس شاركت فيه الأطياف كلّها بمن فيهم أبو عمّار الذي اجتمع مع عون وبدأ التحضير للمرحلة المقبلة. ويكشف محفوض أنّه “في هذا المؤتمر بالذات طلب السوريّون من عون توحيد المنطقة الشرقيّة بضرب القوات اللبنانيّة ليجعلوه رئيسًأ للجمهوريّة. ”
فعاد عون من تونس ليشنّ أوّل حرب إلغاء في 14 شباط/فبراير من العام 1989 والتي اعتبرت كتجربة باءت بالفشل، لم يستطع أن يدخل المناطق المسيحيّة. وفي تلك المرحلة كان جعجع خارج لبنان فقطع زيارته وزار بكركي وأطلق شعاره الشهير “بيمون الجنرال، وجنون ما يحصل، ولن أسمح بأن يحصل أي شيء بين الجيش والقوات.”
وفي ليلة ليلاء في 14 آذار/مارس 1989 أعلن حرب التحرير على سوريا من دون أن يستشير حتّى وزيريه اللذين تفاجأ عندما كانا جنبه في المؤتمر الصحفي يوم أعلن حربه هذه. “تلك الحرب دفعت القوات عن غير قناعة إلى الانخراط في معركة التحرير انطلاقًا من أنّ الوضع يجب ألا يترك، بكامل قدّها وعتادها وعديدها لأنّ فلسفة القوات قامت على المقاومة.” كما قال محفوض. فعندما شعر بضعفه طرح للمرة الثانية مسألة توسيع الحكومة العسكريّة.
مرحلة الطائف وعمليّة 13 تشرين
حرب التحرير أخذتنا إلى الطائف. وقبل ذهاب النواب اجتمعوا مع عون في بيته في بعبدا وقال لهم:” أعطيكم بركتي للذهاب إلى الطائف”. كما يكشف محفوض. وعندما شعر أنّهم يريدون انتخاب غيره قام بحلّ المجلس النيابي بغضّ النظر عن تواصل النائب جورج سعادة الدائم معه آنذاك. فهو كان يواكب كلّ مرحلة بأدقّ تعديلاتها. وتفاقمت الأزمة. وعندما سدّت الأفق بحرب التحرير فذهب إلى حرب الإلغاء الثانية تحت شعار توحيد البندقيّة. وذلك كلّه بهدف إطالة مدّة بقائه في قصر بعبدا.
قبل عمليّة 13 تشرين بساعات نقل الدكتور بيار دكّاش الذي كان الوسيط بين حكومة عون وحكومة الياس الهراوي الذي انتخب بعد اغتيال عون رسالة مفادها ضرورة تسليم العماد عون. ويقول محفوض إنّه “لو سلّم عون وقتها كنّا وفّرنا على المنطقة الشرقيّة المأساة التي حلّت بها. ”
وبلّغ عون بقرار الدّخول السوري. ويكشف محفوض في هذا السياق كيف “كان يفاوضهم عبر بيار دكّاش بورقة من عشر بنود أبرز ما نصّت عليه: اعتراف عون بشرعيّة اتّفاق الطائف، والياس الهراوي وحكومته، على أن يبقى قائدًا للجيش ووزيرًا للدفاع ويسلم القصر الجمهوري. وكان موافقًا عليها.”
وهو الذي قال في 12 تشرين: “أنا القبطان وآخر واحد أرحل.” وفي الساعة السادسة والنصف بدأ الطيران السوري.
وبعد تجارب سابقة قام بها بملالة من بعبدا إلى السفارة الفرنسية، ذهب إلى السفارة حيث كان السفير الفرنسي رينيه ألا بانتظاره. ودخل للتفاوض بعدما طلبوا منه التفاوض في السفارة بحضور ألبير منصور موفدًا من الهرواي. وطالبوه بوقف إطلاق النار وتسليم القيادة إلى لحود الذي قطع المتحف والتحق في المنطقة الغربية لكأنه كان بعلم عون.
رواية عون تقول إنهم لم يسمحوا له بالعودة من السفارة إلى القصر. لينفى بعدها بقرار سياسي على ما هو معروف. لكن محفوض يقول إنّ “عون طلب اللجوء السياسي والدليل قول الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران: شرف فرنسا يتعلق بشرف عون.” ورحل إلى فرنسا لاجئًا ليستقرّ في منطقة Haute Maison تحت حماية فرنسيّة.
يتبع …