بقلم نهلا صفا – جسور
ليس غريبًا على رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد, ان ينحاز الى الناس وهمومهم ومعاناتهم, فهو ابن المناضل الكبير معروف سعد الذي اغتالته رصاصات الغدر في تظاهرة الصيادين في ساحة النجمة،صيدا، في شباط/فبراير من العام 1975, فتراه متبنيًا بالفطرة أهداف وتوجهات وروحية ثورة 17 تشرين/أكتوبر اللبنانية, والتي بسببها افترق عن حلفائه القدامى, وتموضع في مساحة خيطها على قياس قناعاته, لا تؤيد هذا الفريق ولا تذهب مع ذاك الآخر.
في حوار شامل مع منصة “جسور” يرى النائب أسامة سعد اننا نعيش حالة من الانسداد السياسي, وان انعدام المعالجات والحلول هو سبب أساسي في تردي الأوضاع في لبنان, ويقول نحن نعيش أيامًا صعبة وأزمة سياسية عميقة جدًا, والأصعب هو أمامنا وليس وراءنا, فنحن لا نستطيع تأليف حكومة ولا نستطيع حسم موضوع انتخابات الرئاسة.
تطبيع
مقنع
وفي رد على سؤال حول اتفاق الترسيم الحدودي البحري مع إسرائيل ومقاربته له, يقول سعد, لم نعرف ماذا تضمّن هذا الاتفاق ولا التعديلات التي وضعها لبنان, فالخط ثلاثة وعشرون ليس له أي سند قانوني وليس منطلقًا من نقطة معتمدة يحدّدها قانون البحار الذي يقول إن الحدود البحرية هي نقطة الحدود البرية التي تلتقي مع المياه، وهي هنا رأس الناقورة, هناك تنازل عن حقوق لبنان, ويائير لابيد اعلن انه تم تحقيق الأمن السياسي والاقتصادي لإسرائيل من وراء هذا الاتفاق، وهي تريد تعويضات من حقل قانا.
وإذ شكك بأن شركة توتال الفرنسية سوف تعطي هذه التعويضات لإسرائيل, سأل كيف ستوزع الأرباح والأعباء بعدما اصبح لبنان شريكًا في الكونسورتيوم الذي خرجت منه روسيا, وهل يمكن أن نسمي هذا الاتفاق تطبيعًا او اعترافًا مقنعًا بالعدو الإسرائيلي؟؟ .
وينتقد النائب سعد إبرام اتفاق الترسيم بحالته الرّاهنة ويرى انه اذا كان لبنان يعيش حالة انهيار مالي واقتصادي وتداعيات معيشية خطيرة, فإن ذلك لا يبرر التنازل عن حقوقنا السيادية والاقتصادية، وكان يمكن للبنان أن يحقق مكاسب أكثر بكثير مما حققه, رافضًا تصغير قضية بهذا الحجم وحصرها بمسألة عقوبات على النائب جبران باسيل.
وإذ دعا الى انتظار ما سيحصل في المستقبل وكيف سيستفيد لبنان من هذه الثروة, سأل أيضًا، أين هي الهيئة الوطنية للبترول التي ينص عليها القانون والتي تمثل الدولة في هذا القطاع, حتى الآن لم تؤسّس هذه الهيئة, فهم لا يريدون تشكيلها لأنهم مختلفون على تقاسم الحصص والمكاسب, وأين هو الصندوق السيادي المفترض أن يحصل مداخيل هذا القطاع .
ويحذر سعد من تحوّل الثروة النفطية الى نقمة على لبنان بدلاً من ان تكون نعمة “كما كانت التجربة في العديد من دول العالم حيث كان النفط وبالا عليها بدلا من ان يكون رافعة اقتصادية تنهض بها وبشعوبها, ويخلص الى القول “لسنا مطمئنين حول مصير هذه الثروة وان لبنان سيستفيد منها بشكل صحيح, طالما نحن محكومون بتركيبة سياسية متحكمة ومهيمنة بالفساد والمحاصصات وبواقع سياسي محكوم بالطائفية والمذهبية, حتى ولو كان الاتفاق كامل الاوصاف ولا تشوبه شائبة, “فالسلطة يضيف سعد, تحاول إيهام الناس أنها حققت لهم إنجازًا عظيمًا ومستقبلا زاهرًا للأجيال المقبلة ولكن لا احد يصدقهم, لذلك لن نرى انعكاسات إيجابية في كل ما يجري ويجب الانتقال الى واقع سياسي جديد ينهض بالبلد” .
وعن خلفيات دور حزب الله, لا يؤيّد سعد الرأي الذي يتبناه ما يسمى بمحور الممانعة والقائل بأنه لولا وجود المقاومة لما تنازلت إسرائيل, ويرى أن ثمة مبالغة في هذا القول وتجميلا لصورة المنظومة السياسية التي أوصلت البلد الى هنا .
وإلى البعض الذي يقول بأن دور المقاومة قد انتهى مع هذا الاتفاق وأنه لم يعد من حاجة للسلاح, يشدّد على وجوب الاستفادة من خبرات حزب الله وأن تكون في كنف الدولة, فعناصر القوة لمواجهة الاحتلال يجب أن تتوافر من خلال سياسة دفاعية يتفق عليها اللبنانيون تحمي لبنان من كل الأخطار وهذا حق لاية دولة.
ترجيح الفراغ
حول الملف الرئاسي وتقييمه لجلسة الانتخاب الأولى التي جرت, يشير النائب أسامة سعد الى انه من الواضح أن موازين القوى لا تسمح لأي فريق بأن يأتي برئيس جمهورية، والجلسة يمكن تسميتها بجلسة اختبار او كشف أوراق.
وإذ رجّح الفراغ في سدة الرئاسة, أوضح انه اذا لم يتوافق الطرفان (الثنائي الشيعي وحلفاؤه وقوى المعارضة) واذا لم يتواجد فريق في المنتصف يميل الى هذا الفريق أو ذاك, أو يستجلب فريق المنتصف الى ناحيته, فالاحتمال السيء أن يمتد الفراغ.
وقال نحن موقفنا لا مع هذا ولا مع ذاك وأنا والدكتور البزري والدكتور شربل مسعد عبّرنا في الجلسة الماضية بورقة بيضاء ولكنّها تختلف عن الاوراق البيضاء الأخرى, نرفض تصنيفنا معهم, كذلك لم ننتخب مع قوى التغيير لأننا لم نكن نعرف من هو سليم ادة الذي اعلن انه لا يتعاطى السياسة, فلماذا ننتخبه؟؟
وعن عدم الذهاب باتجاه خيار ميشال معوض, قال , لأننا نعتبره فريقًا, مشددًا على وجوب انتخاب رئيس يكون مستقلاً عن المحاور الداخلية والخارجية, قادر على إدارة حوار وطني يصل بالبلاد الى تفاهمات وطنية على كل الملفات بما فيها الملفات الحساسة والاستراتيجية, متل السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية للبنان وموقعه في المعادلة العربية, رئيس لديه رؤية إصلاحية ليس منطلقًا من واقع طائفي ويحمل التوجهات والأهداف التي عبّر عنها الشعب اللبناني في 17 تشرين/أكتوبر, رئيس ينقل لبنان من واقع سياسي مأزوم الى واقع مختلف ولا يأتي لمسايرة احد, نريد رئيسا ليس أبو ملحم مع التقدير والاحترام “لأبو ملحم”.
وتجنّب سعد ان يسمي مرشحه المفضل, وقال, نحن لسنا لوحدنا نريد أن نتشاور مع التغييريين والمستقلين خارج الاصطفافين, معتبرا ان الأسماء المطروحة مثل زياد بارود وناصيف حتي وصلاح حنين هي أسماء ممتازة.
واذ قيّم إيجابًا مبادرة قوى التغيير, تساءل حول ما اذا كانت المرونة التي طبعت موقف حزب الله , حقيقية فعلا ام هي تكتيك.
وعن إمكانية التحالف مع القوات والكتائب وقوى المعارضة قال, لا يجب أن نتموضع مع هذا الفريق او ذاك, واعتقد ان غالبية الرأي العام اللبناني يؤيد ما أقوله. وعن النواب العشرة السنة قال انهم عبروا عن موقف خارج الاصطفافين مثلنا نحن، وسوف نرى ان كانوا سيلتقون معنا في المرة المقبلة.
وحول جلسة الخميس المقبل تمنى ان لا تكون كالجلسة السابقة قائلا, عسى ان ننجح بفعل شيء, نراهن على كتلة وازنة تمترّس في المنتصف وتقول للجميع تفضلوا تعالوا كي ننتخب رئيسًا وطنيًا.
لا.. للقاءات الطائفية
وعن رأيه بلقاء دار الفتوى والصدى الإيجابي له علمًا أنه لم يحضر هذا اللقاء قال, سبق واشرت ان البلد محكوم بتكتلات طائفية ومذهبية كما هو حال المشرق العربي عمومًا والذي يشهد حروبًا أهلية وتعثرًا اقتصاديًا وماليًا, فهل يصح ان نستمر هكذا؟ وهل وفرت الطائفية والمذهبية استقرارا للبنان؟
الواقع يؤكد انها لم تؤمّن لا استقرارا ولا ازدهارا ولا سيادة, لا بل بالعكس فقد استدعت كل اشكال التدخلات الخارجية, وعليه فإن موقفنا ينطلق من هنا, ونحن نسأل اين الوطنية اللبنانية لأن هذه القوى الطائفية ساهمت بايصال البلد الى كل هذه الانهيارات.
ولم يُعر سعد أهمية للأصداء المرحبة ببيان دار الفتوى, وقال ان الكلام الوطني الصادر من موقع طائفي ومذهبي, كيف ستكون ترجمته, فالشعب اللبناني ما عادت تعني له شيئا الطوائف والمذاهب, وهمّه ينحصر في كيفية تأمين لقمة عيشه وتوفير الاستشفاء والتعليم لأولاده.
مخاطر داهمة
وعن تعثر تشكيل الحكومة, رأى سعد أنه حتى الساعة ليس هناك من حكومة جديدة, ولفت الى ان المهل الدستورية ضاقت جدا, واذا لم يصل الى انتخاب رئيس, هناك حكومة مستقيلة موجودة, علما انها لم تكن ناجحة حتى عندما كانت مكتملة الصلاحيات, وحذّر من أننا أمام مخاطر داهمة على الأمن والاستقرار واحتمالات الفوضى ونذر هذه الفوضى نراها كل يوم, وإذ شدد على الحل السياسي للبلد, قال علينا ان نناضل واذا لم ننجح الآن سننجح فيما بعد.
لا شرقا.. ولا غربا
عن تصويته ضد الموازنة وانعكاسات الدولار الجمركي وهل يمكن ان تؤدي الضائقة الاقتصادية الى توترات على المستوى الأمني, يرى ان قوى السلطة لها مصلحة ان تذهب الامور في هذا الاتجاه، ولكن الدور هنا للقوى الثورية والناس التي لها مصلحة بالتغيير ان توجهت الأمور كما تريد وهذا هو التحدي.
وعن مسار التفاوض مع صندوق النقد في ظل عدم إقرار الكثير من الإصلاحات, يؤكد النائب سعد انه بغياب الرؤية الوطنية للاصلاح السياسي, فلن يتغير شيئا, لأن الفريق الذي يقول ان الحل هو من خلال النفط والغاز يكذب على اللبنانيين, ومن يقول الحل من خلال صندوق النقد كذلك يكذب على اللبنانيين, الحل هو بالاصلاح السياسي والانتقال الى واقع سياسي صحي وسليم وديمقراطي وبصراع سياسي حقيقي قائم على برامج وأفكار ورؤى اقتصادية واجتماعية, فاذا لم يحصل هذا الانتقال كل شيء سيذهب هباء وهدرا”.
مشيرًا الى ان هذه الطبقة السياسية اهدرت المليارات سابقا بسبب غياب الرؤية السياسية, وبرأيه هناك الكثير من القدرات والخبرات اللبنانية القادرة على إيجاد الحلول, فلماذا علينا انتظار صندوق النقد والوعود الكاذبة للمسؤولين, “هذا يقول بالاتجاه شرقا والآخر يقول بالاتجاه غربا”, “لنضع فوق الطاولة كل مشاكلنا ونضع خبراتنا يمكن ان نجد حلولا فنحن بلد صغير وقليل في عدد السكان .
وعن اقالة حاكم المصرف المركزي, قال انا مع اقالة كل المنظومة, “فالسياسات المالية والاقتصادية التي انتهجتها كل الحكومات اللبنانية على مدى عقود تتحمل مسؤولية الأوضاع التي وصلنا اليها”.
الافتراق مع حزب الله
عن علاقته بحزب الله وخصوصًا على الساحة الصيداوية, قال, لقد خربت العلاقة مع الحزب بعد ثورة 17 تشرين, فنحن موقعنا الطبيعي ضمن 17 تشرين , وهم نظرتهم مختلفة, فكانت هذه نقطة افتراق, ولكن في السياسة ليس هناك من قطيعة كاملة.
وعن التحامل على قوى التغيير وثورة 17 تشرين بشكل عام انها لم تحدث فارقا كبيرا في المشهد السياسي وثمة خيبة امل حيال النواب ال 13″, يقول هناك افتئات وافتراء على ثورة 17 تشرين بوصفها عبارة عن استجابة لأمر خارجي, فالناس ليسوا بعملاء, وكأن الأوضاع كانت باحسن حال في السابق, هم نزلوا الى الشارع وعبروا عن رفضهم لهذا الواقع, وان لم يتمكنوا من صنع قيادة, لا بأس, ما المشكلة, هؤلاء آتون من خلفيات متعددة ولا يملكون خبرة سياسية ونضالية سابقة وهذا ما جرى في دول أخرى مثل مصر وتونس, من المعيب اتهام ناس الثورة انهم تابعون للسفارات ومن يتهمهم الا يتبع هو لسفارات؟ ويضيف, ليس هناك من ثورة او انتفاضة تبقى في الشارع سنوات, المهم انها خلقت روحا لن تموت وستترجم يوما ما رغما عن كل من يقول غير ذلك, فها هي الثورة الفرنسية كم بقيت من الزمن حتى حققت أهدافها .
الناصرية حيّة
وختامًا ولمناسبة مرور الذكرى ال 52 لرحيل الزعيم جمال عبد الناصر, سألنا النائب سعد عمّا تبقّى من الناصرية على مستوى العالم العربي, فرأى أنها تجربة غنية بأفكارها وانجازاها بانتصاراتها وانكساراتها, معتبرًا أنّ روحها لا تزال حية, وان من أسباب الانقلاب عليها انها لم تعمل على بناء مؤسسات ديمقراطية تحمي الإنجازات التي حققتها.