17 تشرين… الخونة واللصوص لا يبنون بلداً فأين الثورة ؟

بقلم المحامي د. رامي علّيق

الزمان: الساعة ٧:١٠ صباح ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩.
المكان: الشارع الرئيسي أمام مصرف لبنان.

هناك كانت البداية، المتجددة. هناك انتفضنا، نشعل شرارة ثورة، على وقع الصدمة، أو الخيبات المتتابعة التي تعرّضنا لها كلبنانيين. تماماً كما الآن، كخيبة خيانة “بيع” الحدود البحرية مقابل الإبقاء على الفساد بدل مكافحته، ومن قبلها خيبة حجب الحقيقة والعدالة عن أهالي ضحايا من أزهقت أرواحهم ظلماً في انفجار المرفأ، ومن قبلها خيبة السطو على ودائع الناس تعسفاً بعد نهب أموالهم العامة، وهلم جرا. خيانة العصر وخديعة العصر، قتل الضحايا الأبرياء مرة أخرى، سرقة العصر وقهر المودعين وغصب أمانات الناس، وهلم جرا.

لكل ذلك، السابق والآتي، وقفنا صبيحة ١٧ تشرين الأول ذاك اليوم. وقفنا وقطعنا الطريق علّ غضب العابرين يحدث صدمة. وقفنا وحملنا لافتة تلخّص كل شيء، كل المذلة والمهانة والمآسي وويلات الوطن: نظام غير قابل للحياة يموت ويقتلنا معه. لا خلاص للبنان واللبنانيين معه.

ها هي ذكرى “ثورة تشرين” تطل علينا حزينة ومثقلة بحال هي أسوأ من حالنا قبل “الثورة”. ألم نكن على حق؟ ألم نكن نتألم وتسحقنا الأوجاع ؟ ألم نحتج إلى “ثورة” تنقلنا إلى مكان آخر؟ نعم. نعم. نعم. لكن ماذا حصل؟ كيف حلّ بنا ما حلّ ؟

في ١٠ تشرين ٢٠١٣ وفي ساحة الشهداء تحديداً كان الجواب الفصل: “ثورة على الذات”. ابدأ من نفسك، من بيتك، من محلّك كي تنجح، ولا سبيل آخر للعبور. فلا من سفيه يُحدث إصلاحاً ولا من فاسد يصلح فساداً، ولا من لص أو خائن يصنع بلداً.

إن لم نبدأ بأنفسنا، “كلنا يعني كلنا”، فلن يستقيم القول “كلن يعني كلن”، وعبثاً نحاول. ولا حل مستدام باصطفافات على وقع سياسة المحاور ــ التي تنقلنا من محور إلى آخر فحسب وبيتنا خراب. الحل الوحيد هو ببناء البيت، الوطن، بناء صالحاً على أسس صالحة.

هل تأخرنا وفاتنا قطار التغيير المرتجى؟ لا. لا. لا.

لا لم تنتهِ القصة. لا لن نرضخ لسلطه فاسدة من رأسها حتى أخمص قدميها. لا لن نقبل أن يحدد مستقبلنا رموز مافيا حكم انعدم لديهم الضمير واستبدّ بهم الجشع والطغيان، بعدما حددّوا ماضينا وحاضرنا. لا لن نفرّط بذرّة من حدود لبنان، ولا بذرّة من مياهه أو نفطه أو غازه، ولا بدماء أبرياء سلب منهم الأمان في وطنهم، ولا بأمانات أرزاق جُمعت من “شقى العمر” وعرق الجبين، فلا يفعل هذا إلا “الخونة” و”لصوص المستقبل”.

لا لن نرضى بصفقات معيبة ظاهرها انتصار أجوف خالٍ من كل معاني الانتصار، وباطنها انكسار وزحف على البطون ــ ليس إلى القدس أو أي رمز لحقّ مسلوب، بل إلى عالم المال الحرام والاستكبار الذي يقتات على سحق الشعوب واستضعافها، حيث حجَز خونة لبنان ولصوصه مقاعد لهم، بعد أن خانوا دماء كل الشهداء وداسوا على آلام كل الجرحى وتنكّروا لمآسي كل الأسرى والمفقودين. لا لن نسقط في السراب، فقد كفانا ما حلّ بنا من نكبات.

ويا ليته من ثمن. هو بخسٌ بخسٌ بخسٌ. كرسيّ موتّد في ظلم الأهلين وإفقارهم. كرسيّ غارق في فساد المال السحت، المنهوب من جيوب المواطنين وأرصدة الكادحين، طافٍ فوق أوجاع الناس، صانع البؤس بمعيّة “ديمقراطيات” تعتاش من الرقص فوق جثث الشعوب. لن يأتي الخير على يد من استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. هؤلاء هم أعداء الله والناس والوطن.

يا أسوأ الفاسدين وطغاة الأرض. لستم أمناء على مبادئكم وأحزابكم، ولا على دماء الشهداء. ولستم الأمناء على حياتنا. انظروا إلى أنفسكم البشعة في المرآة وابصقوا عليها، قبل أن يبصق عليها التاريخ، الذي لا يرحم الخونة.

ويبقى الأهم

الأهم أننا سنواجهكم بسلاح الحق وعدل الأرض والسماء، بحناجرنا وسواعدنا ما دام فينا عرق ينبض. وليكن الاستعداد لثورة حرّة آتية لا محالة.

اخترنا لك