بقلم د. ميشال الشماعي
ككلّ ملفّ في لبنان تتمّ مقاربته من مختلف وجهات النّظر السياسيّة والعلميّة، تتمّ مقاربة ملفّ ترسيم الحدود البحريّة مع العدو الإسرائيلي الذي بات بالنّسبة إلى بعض مستعدينه القدماء صديقاً لدوداً، تجمعه بهم المصالح المشتركة الخاصّة على مذبح المصالح الدّوليّة العامّة.
وهنا برز الاختلاف في الآراء حول الاتّفاقيّة التي لم يعلم بها أحد سوى الرؤساء الثلاثة والوفد المفاوِض، إلى أن وزّعت على النوّاب بناء على طلب من رئيس المجلس نبيه بري للإطّلاع عليها فقط وليس لنقاشها لأنّه كما برّر الأخير “لا تستلزم نقاشاً في البرلمان لأنّها ليس اتّفاقاً مع إسرائيل”.
هل انتصر لبنان ؟
الرئيس السابق للوفد التقني العسكري المفاوض حول الحدود البحرية الجنوبية العميد الركن المتقاعد بسام ياسين يرى أنّ “هناك محاولة يائسة لتبيان ان لبنان انتصر من خلال اتفاق هوكشتاين المزعوم، وأن الشعب اللبناني حصل على كامل حقوقه في ثروته النفطية وأنه سيبدأ التنقيب عن النفط والغاز من حقل قانا ومن ثم استخراجه من دون عرقلة إسرائيلية”. على حدّ ما ذكر على صفحته الرسميّة.
ويجري العميد ياسين مقارنة بين اتّفاق هوكشتاين واتّفاق 17 أيّار فيتبيّن أنّ الأخير كان أفضل بكثير من الاتّفاق الحالي. فمن حيث منطقة الطفافات مثلاً، خلص هوكشتاين باتّفاقه إلى “إبقاء هذه المنطقة ( منطقة الطفافات التي تمتد الى حوالى 5 كلم من الشاطئ ) تحت الاحتلال الإسرائيلي وإعطائه حرية دخول مراكبه العسكرية إليها كما هي الحال الآن، وبالتالي اعتبارها منطقة أمنية له بامتياز”. ومقارنة مع اتفاق 17 أيار ووفقاً للإحداثيات المبينة في هذا الاتفاق في العام 1982 يتبين أنّ “هذه المنطقة بكاملها لا بل منطقة إضافية تقع الى الجنوب منها، أي جنوب الخط 23، كانت تحت السيطرة الأمنية اللبنانية”.
أمّا في موضوع استخراج النفط والغاز من حقل قانا فبحسب ياسين لقد رهن ذلك هوكشتاين “بموافقة إسرائيلية على الاتفاق المالي بينها وبين شركة توتال، ونحن نعلم كيف ماطل هذا العدو للإتفاق مع قبرص لمدة 10 سنوات للتفاهم على تقاسم حقل أفروديت وهما على علاقة ودية”. فهل قبل “حزب الله” ذلك لأنّ هذا ما قد يسمح له بتحوّل قانا البحريّة إلى شبعا بحريّة جديدة تؤمّن له ذريعة الاستمرار بسلاحه بحجّة الضغط على إسرائيل، الصديق اللدود، بهدف بتّ الاتّفاق المالي مع شركة توتال؟
بِدَعُ دويتو المنظّمة والمنظومة
ويلفت الجنرال ساسين في مقاربته لاتّفاق هوكشتاين إلى “أن هذا العدو سمح لنفسه بأن يكون حراً ممّا ذكر في الفقرة “و” من القسم الثاني من الاتّفاق التي توحي بأنه ممنوع على إسرائيل العمل جنوب الخط 23. فبمجرد عدم الإتفاق المالي مع توتال يصبح العدو حرّاً من هذا الالتزام. بمعنى آخر لقد أصبح لبنان رهن هذا الإتفاق المالي الذي لا سيطرة عليه لا بالمضمون ولا بالتوقيت”.
ويرى العميد وهبي قاطيشا، نائب “تكتّل الجمهوريّة القويّة” السابق في حديث إلى “نداء الوطن”، أنّ ما تمّ الاتّفاق عليه مع شركة “توتال” حول حصّة لبنان من قانا هو “بدعة جديدة – قديمة من بدع هذه السلطة لتبرير تعاملها الفاضح مع العدوّ الإسرائيلي. من هنا صار هذا الخطّ هو المعتمد”.
ويتابع قاطيشا معلّلاً كيفيّة التوصّل إلى هذا الاتّفاق بأنّه “لمّا حدثت الضغوطات الدوليّة بات مجبراً (“حزب الله”) على التنازل عن هذه الورقة، إضافة إلى الانهيار الاقتصادي الذي تسبّب هو نفسه ومنظومته الحاكمة والمتحكّمة به قد شكّل عاملاً إضافيّاً لدفعه نحو هذه العمليّة التفاوضيّة المتأخّرة، فيستمدّ أوكسيجيناً إضافيّاً لبقائه إقتصاديّاً وسياسيّاً، ويحتفظ بمزارع شبعا البرّيّة لتكون هي الذريعة للاحتفاظ بسلاحه”.
هل أخذ لبنان حقّه ؟
أمّا العميد بسّام ياسين بما كتبه على صفحته، فهو يشير إلى أنّ القسم الاول من الفقرة “د” يحرم هذا الاتفاق لبنان من تعديل حدوده البحرية مستقبلاً والعودة الى الخط 29″. ويرى ياسين أنّ هذا الاتّفاق يعطي 20% للبنان و 80% للعدو من المنطقة المتنازع عليها وفقا للقانون الدولي وهي المساحة الواقعة بين خط هوف والخط 29 والبالغة 1800 كلم مربع”.
أمّا قاطيشا، فيرى أنّ “لبنان قد أخذ حقّه في شمال الخطّ 23، كذلك الاسرائيلي أخذ حقّه في جنوب هذا الخطّ من حقل قانا”.
بينما يرى العميد المتقاعد خليل حلو في حديث إلى “نداء الوطن” أنّ هذا الاتّفاق بشكل عام هو “جيّد لأنّه مهما فعل لبنان لن يستطيع الحصول على أفضل من ذلك. فالخطّ 29 موجود على الخرائط منذ العام 2011، وبقي منسيّاً حتّى حمله الوفد العسكري إلى الناقورة وكانت مفاجأة للجميع”. ويؤكّد أنّ “إسرائيل لا تقبل بالتفاوض على أساس الخطّ 29. فالواقع كان إمّا القبول بالخطّ 23 أو لن نتمكّن من الحصول على شيء”.
أمّا إذا كان الترسيم البرّي سيحدث كما حدث البحري، أيّ أنّ الانطلاق 30 متراً من رأس الناقورة قد يخسّر لبنان أمتاراً في اليابسة كما في البحر فيلفت العميد وهبي قاطيشا إلى أنّ “الترسيم البرّي بين لبنان وإسرائيل لن يحصل في هذه المرحلة القريبة، لأنّه سينهي حتماً ذريعة الحرب بين البلدين. فهذه المسألة ستكون بالنسبة إلى الحزب كمسمار جحا ستستغلّها هذه المنظمة لتغطية سلاحها غير الشرعي”.
بينما يرى العميد حلو أنّ “هذا الاتفاق هو مصلحة دوليّة، وأنّه ما كان ليتحقّق لولا موافقة “حزب الله” ولو لم يقدّم الضمانات غير المعلنة لإسرائيل لأنّها لن تأخذ الضمانات من الدّولة اللبنانيّة التي لن تخالف القرارات الدّوليّة وأوّلها القرار 1701 ولا اتفاقية الهدنة، ولا الجيش اللبناني سيرسل مسيّراته فوق إسرائيل. “لذلك إسرائيل أخذت الضمانات من منظمة “حزب الله”.
هل يحمي السلاح غير الشرعي ثروتنا النفطيّة ؟
وفي موضوع حماية الثروة النفطية بالسلاح يرى قاطيشا أنّ “الثروة النفطية لا تحمى بالسلاح”. ويلفت إلى أنّ “توتير الوضع في القضايا النفطية والبحريّة مسألة يجب التنبه منها، إذ إنّ أي إطلاق لصاروخ على منصة نفطية أضراره تفوق كثيراً إطلاقه على اليابسة. فلهذه المسألة ردود فعل مكلفة جدّاً لكلا الفريقين ماليًاً وعسكرياً.”
وهذا ما يدفع إلى الاستنتاج بأنّ مفعول السلاح والمسيرات قد بَطُلَ مع هذا الاتفاق. بمعنى آخر لكأنّه اتّفاق سلام صامتٍ يضمن مصالح دولة العدوّ الإسرائيلي على حساب مصلحة الدّولة اللبنانيّة، وخدمةً للفريق الأيديولوجي الذي تنتمي إليه منظمة “حزب الله” في لبنان، أيّ الجمهوريّة الإسلامية في إيران.
ويختم العميد قاطيشا ملمّحاً إلى أنّ “هذا الاتّفاق لن يكون مدخلاً الى السلام مع اسرائيل لأنّه “لا يلائم منظمة “حزب الله”. وقد يكون في مكان ما لا يناسب إسرائيل أيضاً؛ وطالما الجمهورية الاسلامية في إيران لم توقّع السلام مع إسرائيل، “حزب الله” لا يوقعه”.
ويؤكّد العميد حلو في هذا السياق “أنّ ما يقوم به رئيس الجمهوريّة وصهره وفريقهما السياسي من تظهير ما حدث بأنّه انتصار لهما ولنهجهما الحاكم فمن المهمّ التوضيح بأنّ هذا الاتّفاق كان سيتمّ وبالشروط نفسها بغضّ النّظر عن هوية الرئيس أو وزير الطاقة لأنّ اللجنة التقنية التي رسمت هذا الخطّ هي لجنة لا علاقة لها لا بالأحزاب ولا بالرئيس وهي موجودة منذ العام 2007”.
ويختم حلو حديثه قائلاً: “بأقلّ تعديل على السياسيّين اليوم إذا كانوا يحترمون أنفسهم أن يصمتوا، لأنّهم المسؤولون عمّا وصلنا إليه. وما شكر السيد هوكشتاين مستشار الرئيس بري السيد علي حمدان والوزير بو صعب إلا دليل على أنّ الأميركيّين يتفاوضون مع مَن يتعاملون معهم فقط. فالاتّهامات التي كنّا نسمعها يوميّاً من “التيار الوطني الحرّ” ومن “حزب الله” بالعمالة للأميركيين والصهيونية والإمبرياليّة هي مردودة لهم لأنّهم هم العملاء”.
هل هذا الاتّفاق دستوريّ ؟
أمّا في موضوع دستوريّة الاتّفاق ومدى قانونيّة حصوله فيلفت الأب شارل كسّاب، الإداري السابق في مصلحة متابعة قرارات مجلس الوزراء/الشؤون الوزارية، ومن ضمنها الاتفاقيات الدولية، من سنة 1995 الى سنة 2004، في حديثه لـ”نداء الوطن” إلى أنّ “هكذا اتفاقية تدخل في مبدأ السيادة والكيانية اللبنانية الدستوريّة، وهذا الأمر يستدعي مفاوضات مباشرة بحضور أممي وملف متكامل بالمستندات، مع حضور ممثل من وزارة الدفاع الوطني، والمديرية العامة للشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، المسؤول الأول عن سيادة وحدود لبنان، وعن تحديد ورسم المساحات العقاريّة”.
ويكمل كسّاب حديثه بأنّ هذه الاتّفاقيّات “تستدعي حضور جهاز إداري ودستوري وتقني لإبداء الرأي والملاحظات بإشراف السلطة المشرِّعة وحضور ممثلين عن المرافق العامة الأساسية كافّة كلٌ وفقاً لما يعود إليه من مهام في تنظيم كل وزارة تدير مرفقاً عاماً وطنيّاً، وهذا الأمر كان مغيّباً”.
وهذا ما يؤكّد “عدم دستوريّة هذا الاتّفاق من النّاحية الإداريّة التي تضرب المبادئ الدّستوريّة للإتّفاقيّات”. وبالتّالي إنّه “اتّفاق ناقص لفقدانه أدنى مقوّمات القواعد العامة للتفاوض. وهذا ما يشكل انتقاصاً من سيادة الدولة، ويشكّل ضرباً واضحاً لمقدّمة الدستور اللبناني حيث جُيِّرَت هيبة الدولة لخدمة وصالح المسيطرين عليها”.
ويلحظ كسّاب في السياق عينه “أنّ الحكومة اليوم هي حكومة تصريف أعمال”، ما يثبّت في رأيه عدم دستوريّة هذا الاتّفاق. ويختم بالقول إنّ “إجراءات مفاوضات الترسيم لم تنَط بالأجهزة المختصّة، ليبقى لبنان بعد هذا الترسيم رهينة بيد المفاوِض الخفي الذي أغلق عليه باب السلام مستقبلاً بعدما ضمن هذا الظلّ أمن حدود العدوّ. فبتنا اليوم أمام اتّفاقيّة قاهرة جديدة، حتّى لو تمّ توزيع بنودها على أعضاء مجلس النوّاب، لكنّ في طيّاتها تمّ تسليم لبنان لسلطة الظلّ الحاكم”.
في المحصّلة
صحيح أنّ هذا الاتّفاق سيدخل لبنان في نادي الدول النفطيّة، لأنّه أمّن السلام الصامت مع العدو الإسرائيلي. وهذا ما يريده المفاوِض الأميركي. لكنّ هل الضمانات التي أخذها من منظمة مصنّفة إرهابيّة ستستمر؟ أم ستكون الإطاحة بها غبّ الطلب من المرجع الأيديولوجي لهذه المنظّمة بهدف تحسين شروطها التصديريّة الجديدة في مراحل لاحقة؟